13-07-2021
مقالات مختارة
احمد الايوبي
احمد الايوبي
يتحدّث مصدر قانوني رفيع لـ"أساس" عن منحنيات المسار القضائي الذي يسلكه القاضي البيطار، فيرى أنّه اتّبع الأصول القانونية في مسار التحقيق لجهة احترام الحصانات المنصوص عليها في الدستور أو في قانون نقابتيْ المحامين (قانون تنظيم المهنة). فهو تعامل مع حصانات ثلاث، فطلب الإذن بالملاحقة في مواجهة الحصانة النيابية وحصانة المحامي وحصانة الموظّف العام، وتوجّه إلى وزارتيْ الدفاع والداخلية لملاحقة عدد من القيادات الأمنيّة، وهذا هو الجديد في القرارات التي أصدرها البيطار.
لكنّ المصدر يلفت إلى أنّ البيطار أسقط الاختصاص (المتنازع عليه): لِمَن تعود صلاحيّة المحاكمة بشأن الإهمال الوظيفي لدى الموظف العام؟ هل هي للقضاء العاديّ أم للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟ حيث أغفل وجهة النظر التي تقول بمحاكمة الوزراء أمام هذا المجلس، والمقصود هنا الرئيس حسان دياب والوزير فنيانوس اللذان تشملهما الحصانة الدستورية بموجب المادة 70 من الدستور، سواء كان الشخص مستمرّاً في شغل المنصب العامّ أم أصبح خارجه حالياً.
يتحدّث مصدر قانوني رفيع لـ"أساس" عن منحنيات المسار القضائي الذي يسلكه القاضي البيطار، فيرى أنّه اتّبع الأصول القانونية في مسار التحقيق لجهة احترام الحصانات المنصوص عليها في الدستور أو في قانون نقابتيْ المحامين
ويشير المصدر إلى أنّه إذا رفض مجلس النوّاب رفع الحصانة، فإنّ قراره نهائي وغير قابل للاستئناف. أمّا إذا رفض مجلسُ نقابة المحامين إعطاء الإذن بالملاحقة، فبوسع مدّعي عامّ التمييز أن يستأنف القرار أمام محكمة الاستئناف المدني في الشمال أو في بيروت، حسب انتساب الوزير المحامي. فقرار النقابة ليس نهائياً، فيما قرار محكمة الاستئناف نهائي، إمّا تصديقاً أو فسخاً للقرار. ويحقّ للوزير (الموظّف العام) أن يطعن بقرار الملاحقة أمام مدّعي عام التمييز، والأخير إمّا يعطي الإذن أو لا، وقراره نهائي.
ويرى المصدر القانوني أنّ في هذا المجال اجتهادين:
الأوّل يقول: إذا كان الملفّ إهمالاً وظيفياً، فإنّ محاكمة الموظف العام تكون أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، باعتبار الإهمال ناشئاً عن شغل الوظيفة العامة. وإذا كانت التهمة خارج نطاق الإهمال الوظيفي (ارتكاب جرائم القتل مثلاً) تكون المحاكمة أمام القضاء العادي. وهذا هو الأصوب قانوناً.
الاجتهاد الثاني يقول: الرؤساء والوزراء يخضعون للمحاكمة أمام القضاء العادي، ولا حصانة للموظف العام، وهنا تكمن الثغرة التي وقع فيها المحقّق البيطار، الذي يعتبر أنّه إذا كان المرتكبون الأصليون للفعل الجرمي يُحاكَمون أمام القضاء العادي، وليس أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء، فإنّهم يفتحون الباب للإتيان بمن هو أعلى منهم إلى هذا القضاء، حتى لو كانوا يتمتّعون بالحصانة.
وأكّد المصدر أنّ هذه الإشكالية ستُعيد إنتاج الموقف نفسه الذي واجهه القاضي صوان في موضوع الحصانة، وربّما تحرِّك من جديد التناقضات السياسية لأنّ هذا التوجّه يمسّ بالنظر في هذا الملف من حيث الاختصاص القضائي، وهذا هو الباب الذي ستدخل منه السياسة من جديد إلى الملف.
هنا يبرز السؤال: على ماذا تجري المحاسبة؟
هل تجري المحاسبة على لحظة الانفجار؟ أم على السنوات التي سبقتها، وكانت كل الجهات المعنيّة تعلم بوجود موادّ شديدة الخطورة في قلب العاصمة، وسكتت عنها ولم تتّخذ أيّ إجراء لإزالتها؟
وسط كلّ هذه الضوضاء، لماذا يغيب عن المشهد اعتراف رئيس الجمهورية ميشال عون بأنّه كان يعلم بوجود النيترات وتلقّى التقارير عن خطورة ما يوجد في المرفأ قبل 34 يوماً من وقوع الانفجار؟
يتوقّف المصدر القانوني عند الاستنسابية الواضحة في قرارات القاضي البيطار، ويسأل: لماذا يجري استدعاء حسان دياب وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس، ولا يُستدعى سعد الحريري وتمام سلام، باعتبار كلّ واحد منهما كان رئيساً للحكومة مسؤولاً عن الوزراء المتّهمين؟ وإذا كان كلّ وزير يمثّل نفسه، فلماذا استدعاء وزراء دون آخرين؟ لأنّه وفق معيار المساواة يجب استدعاء جميع رؤساء الحكومات والوزراء والمسؤولين الأمنيين بدون استثناء.
ادّعى القاضي البيطار على قائد الجيش السابق جان قهوجي، فلماذا لم يدّعِ على المجلس الأعلى للدفاع، وقد تبلّغ، وهو جهة معنيّة وفاعلة وذات اختصاص ومسؤوليّة مباشرة في الدولة؟
إذا تمعّنّا في المشهد القضائي ببعده السياسي، وجب التوقّف عند تفصيل إضافي يتعلّق بتوزيع الاتّهامات التي استهدفت نقابتيْ المحامين في بيروت والشمال، ونقيب الأولى هو نقيب "الثورة"، ونقيب الثانية من تيار المستقبل، وكأنّ المقصود "حشر" النقيبيْن في السياسة، فهل النقابة مجبرة على التجاوب، وهي تستطيع ردّ الطلب؟
أخيراً، ووسط كلّ هذه الضوضاء، لماذا يغيب عن المشهد اعتراف رئيس الجمهورية ميشال عون بأنّه كان يعلم بوجود النيترات وتلقّى التقارير عن خطورة ما يوجد في المرفأ قبل 34 يوماً من وقوع الانفجار؟ ولماذا لم يستمع قاضي التحقيق إليه حتى الآن، في حين أنّ عون سبق له أن استخدم أسلوب الأمر الواقع لفرض صلاحياته في مواضيع هي أكثر من أن تُحصى، فهل يُعقل أن يكتفي بالتفرّج بدعوى عدم وجود صلاحيّات لديه، لمنع تفجير قلب بيروت؟
بينما تتداعى الدولة ويستمرّ مَن يحتلّ مواقعها الدستورية والسياسية في التناهش والصراع على أطلال البلد، يتحرّك التحقيق في جريمة تفجير المرفأ، في أجواء توحّش سياسيّ منفلت العقال، لا يتوانى عن استعمال جميع أساليب الضغط وليّ ذراع العدالة، ووسط منطق الاستقواء، يصبح الاحتمال الوارد والأسوأ أن يتمكّن مَن يمتلك القوّة الغاشمة في الميدان وفي السياسة من أن يوصل التحقيق إلى مسار إلزامي لتحديد نوعيّة الأشخاص المُدانين في القانون والإعلام، من دون أن يكون للعدالة مكان، ومن دون أن يُنصَف الضحايا وذووهم، كما هو الحال في كلّ الجرائم التي يتعرّض لها اللبنانيّون.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه
أبرز الأخبار