08-06-2021
مقالات مختارة
غادة حلاوي
غادة حلاوي
لعل الثالثة ثابتة. بعد عامين على صدور قرارها وموعدين تم ارجاؤهما بسبب جائحة كورونا، يتجه القضاة وعددهم قرابة 600 قاضٍ في 12 الجاري لانتخاب قاضيين متقاعدين في منصب الشرف في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
تجربة جديدة يخوضها لبنان ولو متأخراً في محاولة لمكافحة الفساد المستشري الذي يكاد ان يقضي على مؤسساته ويسيء الى سمعته الدولية. ليست الهيئة هيئة قضائية وانما هيئة ادارية مستقلة مهمتها استقبال الشكاوى والإخبارات حول قضايا الفساد وإعداد الملفات بشأنها وتحويلها الى المحاكم المختصة. ورغم ذلك فأعضاؤها يتمتعون بحصانة تجعل كل فرد فيها عصياً على التدخلات السياسية.
فعطفاً على الدعوة التي وجهت الى الهيئة الناخبة المؤلفة من القضاة الاصليين في كل من القضاء العدلي والاداري والمالي لانتخاب قاضيين متقاعدين في منصب الشرف في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، تمت دعوة القضاة للمشاركة في عملية الانتخابات ضمن اجراءات معينة. يحضر القضاة اعتباراً من التاسعة والنصف ولغاية الحادية عشرة والنصف كحد اقصى الى قصر العدل للتمكن من احتساب عدد الحاضرين بغية تحديد النصاب، وانتخاب عضوين من بين خمسة مرشحين من القضاة وهم كلود كرم، مروان كركبي، تريز علاوي، فوزي ادهم، ومحمد خير مظلوم.
عدد المرشحين قليل بسبب الشروط المفروضة للترشح والتي تنص على أن يكون القاضي في منصب الشرف وهو قرار لمجلس القضاء، ولم يسبق ان أنزلت بحقه عقوبة مسلكية، ولم يتجاوز الـ 74 من عمره، فضلاً عن عدم ابداء الكثيرين حماستهم للترشح رغم المخصصات المعنوية والمالية لعضو الهيئة والمشابهة لتلك التي يتقاضاها عضو المجلس الدستوري، وعادة يكون رئيسها القاضي الاعلى درجة. التجربة مشجعة لكن العمل بالطرق التقليدية للقضاة يعيق تقديمهم للناخبين لا سيما لجيل الشباب من بينهم ولو ان البعض يعتبر ان سيرته ومسيرته القضائية كفيلة بالتعريف عنه مسبقاً.
واذا كان المفترض ان يقدم كل مرشح تصوره المسبق عن عمله فان المرشحين يجمعون على المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق الفائزين من بينهم لا سيما في بلد كلبنان تنخره الحسابات الطائفية والكيديات السياسية والعصبيات، غير ان بارقة الامل تكمن في الحصانة التي يتمتع بها أعضاء الهيئة والتي تجعلهم بمنأى عن اي تدخلات سياسية في عملهم، لكن انتخاب العضوين من القضاة لا يعني ان انشاء الهيئة دونه عقبات وصعوبات كبيرة، الأولى امكانية صدور المرسوم بعد اكتمال تعيين وانتخاب الأعضاء والمرتبط بتوافر امكانية تشكيل حكومة او انعقاد جلسة لحكومة تصريف الاعمال، والثانية انشاء الجهاز الاداري وعلى رأسه أمين عام عن طريق اجراء مباراة في مجلس الخدمة المدنية وهذا اجراء يستلزم وقتاً ايضاً، اما العقبة الثالثة فتكمن في توافر مقر خاص بالهيئة وخزنات خاصة لحفظ المستندات وتصريحات الذمة المالية وغيرها واقرار الموازنات اللازمة.
غير ان القضاة المرشحين يبدون تفاؤلهم في إمكانية تحقيق ما امكن في مجال مكافحة الفساد. الهيئة ليست هيئة قضائية بل ادارية عملها يتركز على جمع الملفات وتلقي الشكاوى والاخبارات وتأمين الحماية اللازمة للمبلغين عن ملفات الفساد. لكن هذا لا يمنع ان يكون لكل قاض مرشح تصوره المسبق لما يمكن القيام به في تجربته الاولى على مستوى عمل الهيئة.
يؤكد المرشح القاضي مروان كركبي ان اهم ما يميز انشاء الهيئة هو التركيز على استقلاليتها والاستفادة من صلاحياتها الواسعة. ورقة "منطقية" لمهمة يصفها كركبي في حديث لـ"نداء الوطن" انها "صعبة وبدها ركاب" لكنها صفة "عندي ياها والجميع يعلم". ولذا "ما بتفرق معي، امضيت 44 سنة في القضاء ومسيرتي تعبّر عني"، الاهم عنده أن "نعرف كيف نتعاطى مع الهيئات القضائية" اما الأهم فهو الاستقلالية والشجاعة وهاتان الميزتان تلزمهما ارادة وقرار اكثر من القوانين" هو العارف ان لبنان يعيش أصعب مراحله حيث الشعبوية وشد العصب ولذا فالمعالجة يلزمها هدوء وقد آن الاوان لكي نخرج من النفق المظلم الذي نحن فيه".
لو لم يكن لديه "الامل" بأن تتمكن الهيئة من النجاح لما ترشح القاضي كلود كرم لعضوية الهيئة "نريد ان نعمل على انجاح محاولتنا وليساعدنا ربنا" معتبراً ان اولى الخطوات ستكون باقبال القضاء على الاقتراع لاختيار الاعضاء لتنطلق المسيرة من بعدها.
أما المرشح القاضي محمد خير مظلوم فأمله الّا "يسودوا وجهنا" ويتم تأمين ما يلزم لقيام هذه الهيئة ادارياً ومادياً من خلال رصد الموازنات الخاصة بها. وجه التفاؤل بالنسبة اليه كون الترشح لم يكن على اسس طائفية وان لا علاقة للسياسيين بالهيئة ولا يلتزم اعضاؤها بتوجهاتهم بالنظر للحصانة التي يتمتع بها هؤلاء".
ويبقى السؤال هل ستكون الهيئة بعد انتخاب كامل اعضائها لجنة اضافية الى جملة اللجان المشكّلة أو المؤلفة أو تلك المنتخبة ام انها ستقدم اضافة ملموسة على مستوى مكافحة الفساد؟ تفاؤل يوازيه تشاؤم بالنظر الى حجم الفساد المستشري في البلد والذي يصفه مصدر قضائي على انه صار فساداً متجذراً في الذهنية ما يصعّب مهمة مكافحته لكن الامل بذلك موجود.