03-05-2021
مقالات مختارة
فارس خشان
فارس خشان
وجد الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية نفسه محرجاً أمام حجم الأسئلة التي أثارها إعلان الوزير جان إيف لودريان بدء بلاده اتّخاذ تدابير تقضي بمنع دخول معرقلي تشكيل الحكومة والمتورطين بالفساد، إليها.
لم يكن أمام هذا الناطق الرسمي إلّا إعادة صياغة عبارات وزيره، مع أن الأسئلة التي طُرحت عليه ذهبت أبعد من ذلك بكثير، حيث لامست الواقع الذي يمكن أن يعترض التنفيذ والوقائع التي يمكن أن ينتجها.
كانت الأسئلة بديهية: هل بدأ التنفيذ فعلاً؟ من هم الأشخاص المستهدفون وكم هو عددهم؟ هل جرى تبليغهم بالإجراءات المتّخذة؟ هل ما قاله لودريان هو إعلان رمزي لا أثر تنفيذياً له، خصوصاً أنّ كثراً من الأشخاص الذين من المفترض أن يشملهم الإجراء يحملون جنسيتين؟ وهل هناك تنسيق مع الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي بخصوص اللائحة التي تتضمّن أسماء المستهدفين؟
ولكنّ جواب الناطق باسم الخارجية، لم يرتقِ الى مستوى الأسئلة. كان مجرد إعادة صياغة لعبارات لورديان التي أسّست الأسئلة نفسها عليها، مع إضافة بسيطة تدفع بالمسألة الى المستقبل: "نحتفظ بإمكان اعتماد إجراءات إضافية بحق جميع من يعرقلون الخروج من الأزمة، بالتنسيق مع شركائنا الدوليين".
عادة، عندما يقصّر الكلام الرسمي عن تقديم الأجوبة الضرورية عن الأسئلة المهمة، يلجأ الصحافيون الى مصادرهم، علّهم يحصلون على توضيحات لا تحمّل مقدّمها أيّ مسؤوليات رسمية. ولكنّ هذه المحاولات باءت بالفشل، فما يُقال في الكواليس لا يختلف كثيراً عمّا يقال في العلن.
هذه المصادر أشارت الى أنّه لا توجد لائحة بالأسماء المعاقبة، ولكنّها استطردت: "نعرف الأشخاص الذين يعرقلون تشكيل الحكومة كما نعرف هوية هؤلاء الذين ينهبون لبنان".
هنا يتوقف الحديث وتنتهي كل التفاصيل. الجميع يدعون الى الصبر، إذ إنّ شيئاً مهماً لن يتم الإفصاح عنه، قبل عودة لودريان من زيارته للبنان المرتقبة، يوم الأربعاء المقبل، حيث سيجتمع مع هؤلاء الذين سبق أن وجّه لهم تهمة جنائية، استوحاها من قانون العقوبات: الامتناع عن إسعاف بلد في حالة الخطر.
عصا لودريان
بالنسبة للإدارة الفرنسية، إنّ زيارة لودريان، هذه المرّة، مختلفة عن أي زيارة رسمية أخرى. سابقاً، كان لورديان وآخرون يزورون لبنان حاملين "الجزرة". في هذه الزيارة، هو يحمل العصا.
لا يجاري المسؤولون الفرنسيون هؤلاء الذين يستخفّون بالتدبير العقابي المعلن، فهم، بالاستناد الى الكمّ الهائل من الاتصالات التي تلقوها، مباشرة أو بالواسطة، من كل شخص "تحت باطو مسلّه"، يعرفون أنّهم بدأوا "رحلة الألف ميل" في الطريق الصحيح.
ويُدرك هؤلاء المسؤولون الفرنسيون أنّ أكثرية الشعب اللبناني تطمح الى رؤية المتورطين برمي وطنها في الجحيم، يُعانون من "عقوبات قاسية" أدناها مصادرة ممتلكاتهم وأموالهم في الخارج، ولكنّهم يلفتون الانتباه إلى أنّ ذلك لا يحتاج الى إجراءات قانونية فحسب، بل إلى توافق مع "الشركاء الدوليين" حوله، أيضاً.
وعليه، فإنّ نتائج ما سوف يتلمّسه لودريان من هؤلاء الذين هناك "مسلّة تحت باطهم"، تحتّم الخطوات التالية.
ولودريان في الملف اللبناني لا يُعاني من أيّ عجز عن النطق برسائل واضحة يفهمها الجميع، لأنّ تجربته اللبنانية المديدة أوصلته الى قناعة بأنّ الطبقة الحاكمة في لبنان، لو كانت في أيّ دولة تحترم أدنى معايير الحوكمة السليمة، لكانت مرمية في السجون، بتهم تبدأ بالفساد لتصل الى الخيانة العظمى.
ولا يذهب لودريان الى لبنان لسماع كلام يعرفه ولا ليكرر كلاماً تعرفه الطبقة الحاكمة، بل ليُطلق إنذار بلاده الأخير: حكومة قادرة على تنفيذ البرنامج الإنقاذي المتّفق عليه في إطار المبادرة الفرنسية، وإلّا عقوبات متدرّجة بدأت فرنسياً وتستكمل مع كل شركائنا الدوليين، بما يتخطّى حدود الاتحاد الأوروبي.
ويستكمل لودريان الرسالة الفرنسية، حيث سيُنسّق مع قيادة الجيش المساعدات التي تحتاج إليها لتتمكّن من تجاوز هذه الفترة الخطرة بأقلّ أضرار ممكنّة.
وقد يرتفع منسوب الرسالة، إذا ما قرّر لودريان الإشادة بالقوات المسلّحة عموماً وبالجيش اللبناني خصوصاً، فيما يكون قد "نتف" ما تبقّى من "ريش" الطبقة السياسية.
ولن تتجاهل زيارة لودريان المجتمع الأهلي في لبنان، حيث سيتم تعزيز الدعم الذي بدأته باريس، على أكثر من مستوى أهلي وتربوي، وصل مع برنامح "نَفَس" الى الفنّانين اللبنانيين الذين ستتم استضافة مئة منهم ورعايتهم، في أكثر من منطقة فرنسية، على مدى سنة كاملة.
وخلافاً لما يمكن أن يعتقده بعض السلطويين الموهومين بقدرتهم على الإيهام بقوتهم الشعبية، فإنّ دخول فرنسا في سنتها الانتخابية الرئاسية، سيكون ضدّ مصلحتهم، لأنّ الأحزاب السياسية على اختلافها تعرف أنّ غالبية ساحقة من الفرنسيين من أصل لبناني أو من اللبنانيين من حملة الجنسية الفرنسية، يضغطون من أجل معاقبة الطبقة الحاكمة، بقسوة، وتالياً، فإنّ الإجراء الشعبي الذي يمكن أن يُكسب الرئيس إيمانويل ماكرون انتخابياً، يكون التشدّد، وليس "المسايرة".
تتطلّع باريس إلى أن تُسفر زيارة لودريان عن "إيجابيات" تُسقط العوائق التي تُقفل الطريق أمام تشكيل حكومة "فعّالة"، لأنّه، من وجهة نظرها، أجدى للبنانيين أن يجدوا ضوءاً في آخر النفق من أن يُحصوا عدد العصيّ التي ستنهال على رأس كل من "يمتنع عن إسعاف بلد في حالة الخطر".
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار