19-04-2021
مقالات مختارة
رضوان السيد
رضوان السيد
حفلت الأيام الأخيرة في لبنان بظواهر بارزة تشير كلها إلى تفاقم الاختلال والفوضى المتصاعدة في خمسة اتجاهات:
الأول: لهفة الناس في التماس الغذاء والدواء، والطاقة والكهرباء، وإظهار المؤسسات والجهات الخيرية والمدنية تصميماً على التعويض والمواجهة لسدّ الاحتياجات العاجلة بقدر الإمكان. وتوجّه حزب الله إلى اتّباع خطة خاصة في تلبية احتياجات بيئته المباشرة.
الثاني: ازدياد الاضطراب من جانب وزارة المال وحاكم المصرف المركزي في تحديد التوجه للتصرف في رفع الدعم عن السِلَع الأساسية (الغذاء والطاقة والدواء) مع عدم القدرة على ضبط مزاريب الهدر والتهريب، وفي الوقت نفسه تيئيس المواطنين من إمكان استعادة ودائعهم حتى في الزمن المتوسط والبعيد.
الثالث: تصدُّع المؤسسة القضائية وانهيارها سواء لجهة تراتبية السلطات، أو لجهة القدرة على استعادة ثقة المواطنين في اللجوء إليها، كما بدا في التحقيقات بشأن انفجار المرفأ، وكما يبدو الآن في تصرفات القاضية غادة عون.
مخاض الرئاسة اللبنانية فقد بدأ وهو مستمرٌّ لعامٍ وأكثر. وكما لم يسمح عون بانتخاباتٍ رئاسةٍ لغيره عام 1988-1989، إلى أن استطاع حافظ الأسد طرده من لبنان بموافقة الدوليين، فإنه سيحاول أن لا يسمح برئيسٍ غير جبران باسيل بعده عام 2022، إنّما من سيطرده هذه المرة؟!
الرابع: ازدياد الاختلال في السياسة الخارجية للبنان، كما بدا في تصرفات رئيس الجمهورية وصهره في ملف ترسيم الحدود البحرية سواء مع إسرائيل أو مع سورية.
الخامس: العجز المتفاقم في ملفّ أو موضوع تشكيل الحكومة، وهي عماد السلطة التنفيذية، التي من المفروض في حال تشكيلها أن تعمل على وقف الانهيار في كل المجالات، وأن تتصدى للاختلالات البنيوية بالإصلاحات الجذرية، وأن تتمكن من التوجُّه نحو المجتمع الدولي طلباً للدعم والمساعدة.
كل هذه الظواهر والمظاهر للعجز والاختلال والإنكار، مصدرها في الشهور الأخيرة أمران اثنان:
الأول: تصعيد حزب الله للمواجهة مع العالم الغربي وفي طليعته الولايات المتحدة، من أجل الضغط في الملف النووي، بإظهار أنّ الحزب يرتهن لبنان في سياساته وقطاعاته إلى أن تمشي المفاوضات بين أميركا وإيران على النحو الذي ترغب فيه جمهورية الملالي. وما يفعله الحزب في لبنان تفعله الميليشيات التابعة لإيران في العراق وسورية واليمن.
الثاني: إصرار رئيس الجمهورية على استعادة الزمام لصالح صهره جبران باسيل بالتعطيل والخروج على الدستور، ومنع تشكيل الحكومة ما لم يكن هو وصهره مسيطرين عليها. وقد كان عون مصراً دائماً على السيطرة على كل شيء، لكنه اليوم ومع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة وتضاؤل حظوظ صهره إلى حدودٍ بعيدة، صار أمر باسيل شغله الشاغل أو الأوحد.
أما أسلوب حزب الله في الدفش باتجاه الانهيار، أو التهديد به، فيتمثل في منع كل توجهٍ لإعادة السيطرة على الأزمة من جهة، ومن جهةٍ أُخرى إظهار أنّه يملك "حلاً خاصاً" لجماعته وأنصاره، وذلك من أجل "تصبيرهم" لحين يأتي هو بالفرج عندما يؤون الأوان، وبعد أن يسقط الجميع، وتفوز إيران فيما بين طهران والصين.
في حين يتمثل أسلوب الرئيس وصهره في التعطيل التخريبي لكل ما يقع تحت يده أو لا يقع، ومن جهةٍ ثانيةٍ: ممارسة الإنكار والضرب بالمباشر مثل المنع من تشكيل الحكومة، وتصديع القضاء، وتخريب ملف ترسيم الحدود البحرية، وكل ذلك وكما سبق القول: بالمباشر. ومن ذلك تلك الحملة على حاكم المصرف المركزي، ونصرة خريطة الجيش لترسيم الحدود البحرية، ثم التراجع عنها مع هيل، رجاء خدمة الصهر.
هناك حرب جديدة، على مستوى الجمهور واحتياجاته، وعلى مستوى النُخَب السياسية المعنية بالرئاسة. لكنّ أحداً لا يستطيع الجزم بالأدوات المستخدمة أو التي ستُستخدم
هل هناك تنسيق بين الحزب والرئيس؟
هناك تنسيقٌ عامٌّ بالطبع، بل إنّ الرئيس وزعيم الحزب يتبادلان أحياناً وظيفة وأعمال البارافان، أحدهما للآخر. بيد أنّ هناك تفاوتاً في الأولويات. فمصالح جبران باسيل لا تهم الحزب بقدر ما تهمّ عون. وعون مضطر لمجاملة الأميركيين والفرنسيين، والحزب يريد مغالطتهم الآن. لكنّ التفاوض مع هؤلاء يبقى بيد إيران وليس بيده على أي حال.
مخاض التفاوض بين الإيرانيين والأميركيين واعدٌ للإيرانيين، لكنّه مخاض طويل. إنّما حتّى لو تقدم التفاوض، فإنّ التحدي الإسرائيلي لن يتضاءل، وهوعبءٌ يتحمله الحزب وحده في الظاهر على الأقل، ومن وراء لبنان واللبنانيون.
أما مخاض الرئاسة اللبنانية فقد بدأ وهو مستمرٌّ لعامٍ وأكثر. وكما لم يسمح عون بانتخاباتٍ رئاسةٍ لغيره عام 1988-1989، إلى أن استطاع حافظ الأسد طرده من لبنان بموافقة الدوليين، فإنه سيحاول أن لا يسمح برئيسٍ غير جبران باسيل بعده عام 2022، إنّما من سيطرده هذه المرة؟!
المخاض إذن طويل، ويتجاوز العام الواحد، وبالطبع فإنّ زعيم الحزب وفخامة الرئيس يستطيعان التحمل، بخلاف الأوساط الشعبية والسياسية. لكنّ الزعيم والرئيس نافدا الصبر أيضاً. زعيم الحزب هدَّد بالحرب الأهلية أو أنذر منها. ورئيس الجمهورية قال إنّنا ماضون إلى جهنم إن لم نسلّم بحلوله، ولا حلَّ في نظره غير صهره.
نعم، هناك حرب جديدة، على مستوى الجمهور واحتياجاته، وعلى مستوى النُخَب السياسية المعنية بالرئاسة. لكنّ أحداً لا يستطيع الجزم بالأدوات المستخدمة أو التي ستُستخدم. فالطائفية التي يريد الرئيس استخدامها ليست هذه المرة سلاحاً فعالاً بسبب مواقف البطريرك بشارة الراعي المغايرة لمواقفه والمناقضة لها، وبسبب وعي جميع اللبنانيين بالمخاطر المحدقة بالجميع. أما السلاح للتشبّه بالحزب فليس أداةً متاحةً رغم زعم زعيم الحزب بإمكان ذلك.
وهكذا لا يبقى للاستخدام إلاّ التعطيل والتفخيخ وضرب المؤسسات، والدور على الأجهزة الأمنية والعسكرية بعد الجهات المالية والمصرفية. وللأسف فإنّ الإعلام ووسائل التواصل ستتغذى يومياً بخروجات الرئيس وصحبه، وسيقلُّ تركيزها على الحزب وتصرفاته. إنّما وكما سبق القول: ستظلّ الحرب قائمةً على قدمٍ وساق كما يقال.
لكنْ هل هي حربٌ أهلية؟ أم أنها حربٌ على ما تبقى من الدولة ومؤسساتها، يُدفعُ إليها الجمهور تارةً، وتُدفع إليها المؤسساتُ تارةً أخرى؟
وإن لم نصدّق فلنستمع إلى نصيحة وزيرة العدل العظيمة التي لا تريد إيقاف مدّعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون عند حدّها، بل تريد: أن يثور القضاء على نفسه.
و"غادة عون هي الثورة المطلوبة بذاتها"(!).
إنّنا إذن بالفعل بين جحيم الرئيس، وبين عصفورية غادة عون الثورية الكاسحة.
وتتساءلون: كيف ستكون هناك حرب؟!
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه
أبرز الأخبار