30-01-2021
محليات
على دارج عادتها، تقتل السلطة القتيل وتمشي في جنازته وتزاحم الناس في الندب والشجب فوق الأضرحة... هكذا بعد أن ضرب من ضرب وهرب من هرب على ساحة الأحداث في طرابلس، سارعت إلى نفض يدها من دماء الطرابلسيين وتجهيل المخرّبين بعدما أدوا مهمتهم على أكمل وجه في "حرق" التحركات الاحتجاجية وحرفها عن وجهتها المطلبية وترهيب المتظاهرين تحت طائل وصمهم بالإرهابيين والمندسين. وكالعادة أيضاً، الكل يشير بإصبعه إلى "جهة معلومة" تقف خلف الأعمال التخريبية لكنّ أحداً لا يفصح عن اسم ولا حتى عن رسم تشبيهي لهذه الجهة أو لأدواتها على الأرض، فتضيع مجدداً بوصلة التحقيق ويسود تمييع الحقائق وتمويه المعطيات لتكون النتيجة كما على الدوام، فعلاً ومفعولاً به بلا فاعل!
هي اللعبة الخبيثة نفسها التي تمرّست بها المنظومة الحاكمة واستخدمتها سلاحاً فتاكاً في مواجهة ثورة 17 تشرين هرباً من أي تغيير أو إصلاح في تركيبة الدولة، حتى باتت لعبة ممجوجة ومفضوحة أمام أعين الداخل والخارج، ليأتي تشخيص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد خبرة عن كثب مع أركان المنظومة، أبلغ تعبير عن طبيعتها، فوضع إصبعه على العطب البنيوي في النظام اللبناني القائم في تركيبته على تحالف مافياوي ميليشياوي نتج عنه "حلف شيطاني بين الفساد والترهيب"، مبدياً تعاطفه مع الشعب اللبناني وأسفه لكون قادته "لا يستحقون بلادهم".
وإذ أكد ماكرون أنه يعتزم زيارة لبنان للمرة الثالثة "بعد التحقق من أمور أساسية"، واضعاً القوى السياسية أمام حقيقة كونهم موجودين قبالة حائط مسدود لن يجدوا مهرباً ولا منفذاً منه إلا عبر "خريطة الطريق الفرنسية" التي لا بديل إنقاذياً للبنان سواها، أعرب مراقبون في المقابل عن خشيتهم من أن يستمر العناد الرسمي اللبناني عصياً على تنفيذ المبادرة الفرنسية، ربطاً بالموقف المتشدد الذي أبداه ماكرون أمس إزاء الملف النووي الإيراني، خصوصاً وأنّ طهران التي لم تتعاون سابقاً مع باريس في عملية الإفراج عن ورقة الحكومة اللبنانية وفضّلت انتظار مفاوضاتها المباشرة مع الإدارة الأميركية الجديدة، لا يبدو أنها ستقابل اليوم بارتياح كلام الرئيس الفرنسي حول وجوب أن يكون التفاوض النووي معها "صارماً جداً" هذه المرة، مع ضرورة تجنب تكرار الولايات المتحدة والدول الكبرى "خطأ عام 2015 عندما استُبعدت القوى الإقليمية عن الاتفاق مع إيران".
وبانتظار الضوء الأخضر الإيراني، وما سيعقبه من ضوء "أصفر" يليه "برتقالي" على الساحة الداخلية إيذاناً بولادة الحكومة، ستستمر عملية عرقلة التأليف فصولاً تحت ستار الدفاع عن الدستور والمادة 53 منه، وليس ثمة ما يشي بأنّ أياً من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، في وارد التراجع والاستسلام على حلبة الكباش الوزاري، بل على العكس من ذلك، دلّ تصاعد حدة التراشق الإعلامي على جبهتي بعبدا وبيت الوسط خلال الساعات الأخيرة على أنّ الأمور بدأت تسلك مسلك "نشر الغسيل" الحكومي وفضح المستور من نقاشاتهما خلال اجتماعات القصر الجمهوري.
وفي هذا الإطار، برزت جولة متقدمة من حفلة الردود والردود المقابلة بين عون والحريري عبر مكتبيهما الإعلاميين أمس، إثر كلام للأول اعتبره الثاني يختزن حالة من "الإنكار والتجني" ومواقف "وروايات غير صحيحة لا تستوي مع مكانة الرئاسة ومسؤوليتها الوطنية". فبعدما جاهر رئيس الجمهورية للمرة الأولى، كما نُقل عن لسانه، برفض صيغة الـ18 وزيراً التي رفعها إليه الرئيس المكلف وأنه من الآن وصاعداً لم يعد ليقبل ببحث أي تشكيلة وزارية ما لم تكن "عشرينية" بإضافة وزيرين درزي وكاثوليكي إلى تركيبتها، متهماً الحريري بأنه يعارض "التدقيق الجنائي"، بادر الأخير إلى "كسر صمته وتحفظه" إزاء مجريات النقاش الذي دار مع عون، ووجد نفسه مضطراً للرد وتصويب التسريبات الرئاسية على قاعدة "البادئ أظلم" وفق تعبير أوساط مواكبة للملف الحكومي، مشيرةً إلى أنّ "الإمعان العوني في إلصاق تهمة التعطيل بالرئيس المكلف لن يمرّ بعد اليوم مرور الكرام، وما جاء في الرد المفنّد "نقطة بنقطة" على الكلام المنسوب لرئيس الجمهورية ليس سوى غيض من فيض ما يمكن أن يقال في سرد الوقائع وكشف الحقائق وتبديد الفبركات منعاً لتضليل الرأي العام"، وصولاً إلى ذكرى 14 شباط، باعتبارها سقفاً زمنياً لإطلالة الحريري وموعداً مرتقباً لمصارحة الناس بالمسببات الحقيقية لتعطيل ولادة الحكومة التخصصية الإنقاذية استناداً إلى موجبات المبادرة الفرنسية.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار