14-12-2020
مقالات مختارة
جوني منير
جوني منير
خلال الاسابيع الماضية ساد اعتقاد على نطاق واسع أنّ موعد ولادة الحكومة سيحصل بعد دخول الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن الى البيت الابيض، وانّ الهدف من ذلك طرح الورقة الحكومية على الادارة الاميركية القادمة ونَيل ثمن ما في المقابل.
لكن هناك من هو اكثر تشاؤماً في قراءته الحكومية، فيعتقد أنّ الولادة الحكومية أضحت في عالم الغيب، وهو ما قد يطول اشهراً، ولم لا حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة بعد نحو سنة ونصف السنة، رغم انّ البلد سيتحطّم قبل ذلك بكثير. وبما معناه إنّ حكومة دياب قد تكون آخر حكومات «الجمهورية الثانية».
فوفق هؤلاء، فإنّ اتفاق الحريري مع رئيس الجمهورية، اذا حصل، لن يكون كافياً لتأمين الولادة الحكومية. فـ»حزب الله» قالها في وضوح على لسان المسؤولين الكبار فيه، انه سيكون له موقفه، وربما شروطه، ولكن بعد إنجاز التفاهم بين عون والحريري.
في اختصار لا يبدو انّ هنالك قراراً بولادة الحكومة، لكنّ الوضع المالي والاقتصادي خطير، والارتطام لم يعد بعيداً، وهو ما يعني تحطّم ما بقي من هيكل الدولة اللبنانية. وقد يكون هذا هو المطلوب، ولا بد من ترتيب الحسابات وفق هذا المنطق. فمع بدء تَسلّم ادارة بايدن مهماتها، سيدخل الشرق الاوسط مرحلة جديدة وفائقة الحساسة. والأرجح ان تشهد الأشهر الستة المقبلة رسائل ضغط متبادلة بين واشنطن وطهران بهدف ترتيب مسرح المنطقة للمفاوضات المنتظرة. وقد تقدم ايران على عمل أمني انتقامي لاغتيال كبير علمائها النوويين، فهي في حاجة لذلك. وسيَلي ذلك ترتيبات ميدانية سريعة في سوريا والعراق.
هي ضغوط ولكن لتحضير المفاوضات وليس للصدام، وصولاً الى الانتخابات الرئاسية الايرانية، والتي سيُسجِّل من خلالها تيار المحافظين انتصاراً مدوياً على أن تكون الظروف قد نضجت للشروع في المفاوضات التي ستتطرّق الى إعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة.
وخلال هذه المرحلة هنالك مصير التسوية في سوريا، والدستور الجديد وتركيبة الحكم. وانطلاقاً من كل ما تقدّم، هنالك من يحسب لضرورة إمرار نظام سياسي جديد في لبنان انسجاماً مع التبدلات الهائلة التي ستصيب الهلال الشيعي الممتد من ايران الى لبنان.
واستطراداً، فإنّ الذهاب الى نظام سياسي جديد يحتاج الى انهيار كامل يطيح بنيان الجمهورية الثانية، وهو ما قد يتكفّل به الانهيار المالي والاقتصادي الذي يخنق البلد. أضف الى ذلك الفراغ الحكومي، والذي سيمنع اي اجراءات إصلاحية تطالب بها فرنسا ومعها صندوق النقد الدولي، كشرط لتأمين المساعدات المطلوبة.
وحده «حزب الله» من بين القوى السياسية يعمل على تأمين متطلبات بيئته الحاضنة لإمرار المرحلة القاسية المقبلة بأقل الاوجاع الممكنة، ذلك انه يدرك أنّ مآسي الانهيار قد تنقلب ضده في حال جاعت بيئته الحاضنة.
وتشمل هذه التحضيرات شراء وتجهيز صيدليات في أماكن متنوعة لتأمين الدواء وبعضه مصدره ايران، إضافة الى تأمين مولدات كهربائية ضخمة لتزويد مناطق نفوذ «حزب الله» بالطاقة، ذلك انّ احتمال توقف معامل إنتاج الكهرباء في لبنان بات مرتفعاً في ظل صعوبة تأمين اعتمادات شراء الفيول.
وجرى ايضاً شراء مستودعات في مناطق مختلفة لتأمين المواد الغذائية بأسعار متدنية من مصادر ايرانية ايضاً، وكذلك الحال بالنسبة الى البنزين.
هذه الانهيارات المالية والاقتصادية ستدفع بالشارع الى الفوضى العارمة، وتحويل ما تبقى من بنيان الدولة اللبنانية حطاماً. هي صورة اكثر قساوة مما حصل في العام 1989، لكن في الوقت نفسه لا تبدو الدول الكبرى موافقة على منح «حزب الله» نفوذاً كبيراً من خلال تركيبة سياسية جديدة ستُعرف بالجمهورية الثالثة.
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي يزور لبنان للمرة الثالثة خلال 4 أشهر، يتسلّح هذه المرة بضوء اخضر اميركي وَفّرته له ادارة الرئيس جو بايدن. وهو قد لا يجد الكثير لقوله امام جدار التصلب الذي يواجهه. لكنّ تطور الوضع في لبنان الى مستوى خطير يطاول تغييرات جذرية على مستوى شكل النظام، دفعَ عواصم كبرى الى بدء مشاورات جانبية غير معلنة حول طريقة التعاطي مع ما هو مطروح.
ووفق معلومات دقيقة، ثمة افكار كثيرة يجري التداول بها على ان تجد طريقها من خلال الامم المتحدة. في اي حال، فإنّ المؤسسات الدولية التابعة للامم المتحدة تستعد هي بدورها لتأمين المساعدات الانسانية للشرائح اللبنانية كافة لمواجهة التداعيات المرعبة للانهيار الشامل.
هذا على الصعيد الانساني، امّا على الصعيد السياسي، فإنّ البعض يطرح فكرة إخضاع لبنان للوصاية الدولية المباشرة من خلال مجلس الامن الدولي بغية اعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، تماماً كما حصل في بعض البلدان الافريقية وعلى اساس فشل الدولة اللبنانية في القيام بمسؤولياتها تجاه المواطنين اللبنانيين، وهي الخطوة التي ستؤدي عملياً الى قطع الطريق على الذهاب الى الجمهورية الثالثة، وفي الوقت نفسه ستؤدي الى إدخال لبنان في مشهد سياسي جديد، خصوصاً أنّ المزاج اللبناني الداخلي يشهد تحولات جذرية.
ففي أحدث استطلاع اجرته مؤسسة «الباروميتر العربي»، وهي مؤسسة اميركية متخصصة بالبلدان العربية، ظهرت الهوة الهائلة بين الشارع والسلطة اللبنانية. ذلك انّ 41% من اللبنانيين يريدون تحقيقاً دولياً حول انفجار مرفأ بيروت ويتوزّع هؤلاء طائفياً على الشكل الآتي: 50% مسيحيين، 49% سنة، 45% دروز و21% شيعة.
امّا النظام المفضّل للحكم، فكان الاختيار للنظام المدني او العلماني بنسبة 56% موزّعين على: 72% مسيحيين، 57% دروز، 46% سنة و41% شيعة.
فيما حاز النظام الفدرالي الطائفي على 23% فقط. كما اعتبر 67% من اللبنانيين انّ الاهمال والفساد هما السببان في انفجار مرفأ بيروت، والاهم انّ اولوية مطالب اللبنانيين هي توفير شبكة أمان اجتماعي لهم وبنسبة 37%، وتَبع ذلك الذين طالبوا بإصلاحات مصرفية ومالية وبنسبة 32%.
لكن هنالك ما هو اشد خطورة، مع اعتبار اسرائيل انها معنية بالتحولات الجارية على الساحة اللبنانية، وهذا المزيج ما بين فقدان الامل داخلياً والفوضى العارمة اضافة الى أطماع اسرائيل، إنما هو مزيج قاتل. فخلال الاسابيع لا بل الاشهر الماضية عادت اسرائيل تعمل على تنشيط حركتها الامنية والعسكرية في لبنان، فتمّ اكتشاف غير مرة آثار تؤكّد وجوداً مباشراً لعناصر اسرائيليين في مناطق متفرقة من لبنان، وآخر ما اكتُشف كان منذ نحو اسبوعين عندما اقترب زورق عسكري اسرائيلي متطور من الشاطئ اللبناني، وأنزلَ بعض العناصر من الكومندوس الاسرائيلي في منطقة الجية، وقد تم اختيار هذه المنطقة لأنها قليلة الحركة وتتضمّن مناطق نائية.
ومَكثت عناصر الكومندوس على الشاطئ لبعض الوقت، قبل ان تغادر من حيث أتت. والواضح انّ هذه المجموعة الاسرائيلية كانت في مهمة استكشافية لهدفٍ لم يتّضِح بكامله.
وخلال الايام الماضية ايضاً، وفي إحدى الليالي، أجرى «حزب الله» استنفاراً واسعاً في الضاحية الجنوبية، بعد ورود معلومات ومؤشرات حول احتمال تسلل عناصر كومندوس اسرائيلية الى الداخل اللبناني في مهمة امنية.
في الواقع، إنّ «حزب الله» يدرك جيداً أنّ التحليق المكثّف للطائرات الاسرائيلية في الاجواء اللبنانية إنما يواكب في العادة مهمة أمنية يجري التحضير لها ميدانياً على الارض.
هذه المؤشرات جميعها تدلّ الى انّ اسرائيل تستعد لفتح الساحة اللبنانية امام مشاريع ليست واضحة كليّاً بعد، ولكن عندما ينضج التوقيت.
أخبار ذات صلة