04-12-2020
مقالات مختارة
شارل جبور
شارل جبور
تعدّ طهران الأيام والساعات من اليوم وحتى 20 كانون الثاني، وقد ظهر بالمَلموس منذ اغتيال قاسم سليماني في العراق، وصولاً إلى اغتيال العالم النووي محسن زاده في طهران، وما بينهما الغارات الإسرائيلية المتواصلة على مواقع للحرس الثوري في سوريا، بأنّ قوتها دعائية لا فعلية، فعَدا عن تجَنّبها الردّ الذي وضعها في موقف مُحرج للغاية وينمّ عن ضعف وخوف، فإنها مكشوفة في سوريا، وسهلة الاستهداف في العراق، ومُخترقة، وهنا الكارثة، داخل حدودها وفي قلب عاصمتها. وبالتالي، إنّ الصورة التي رُسمت عن قدراتها العسكرية والأمنية ليست دقيقة وفي غير محلها.
وتدرك طهران انّ هدف واشنطن من وراء تسعير المواجهة معها قبل دخول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض يَكمُن إمّا في تغيير المعادلة وقلبها رأساً على عقب قبل حلول هذا الموعد، وإمّا من خلال فرض وقائع جديدة يستحيل على بايدن تَجاهلها، واضطراره إلى التعامل مع المعطيات التي فرضت نفسها، فيما كل العمليات الأمنية التي تحصل تُنبِئ بمزيد من التطورات على هذا المستوى، وتؤشّر إلى كونها عمليات غير معزولة ولا انتقامية، إنما تندرج ضمن سياق مخطط مبرمج يرمي إلى منع عودة مسار الوضع في المنطقة إلى ما كان عليه قبل إدارة ترامب.
وأكثر ما يُقلق طهران في هذه المرحلة انها تجهل الهدف الذي تعمل عليه واشنطن، واستطراداً تل أبيب: فهل ستدمِّر النووي في قلب إيران؟ وهل ستشنّ حرباً على «حزب الله» في لبنان؟ وهل ستُضاعف حصارها على النفوذ الإيراني في العراق عن طريق مواجهة الميليشيات الإيرانية والتضييق عليها إلى حد الاختناق؟ وهل ستختار سوريا كهدف سهل واستراتيجي في آن معاً؟
فأزمة طهران انها لا تدرك وجهة الضربة التي ستتلقّاها أكانت إيرانية أم عراقية أم سورية أم لبنانية، وبالتالي تجد نفسها في موقع مَن يُحصي الضربات من دون رد الفعل، وهي تتمنى أن تبقى هذه الضربات، على رغم ضخامة حجمها وارتداداتها، ضمن هذه الحدود، لا سيما انها تتلافى إعطاء واشنطن وتل أبيب الذريعة لجَرّها إلى مواجهة غير متكافئة، الأمر الذي جعلها تعوِّل على السياسة الانتظارية.
فإذا بقيت الضربات الأميركية والإسرائيلية ضمن حدود الاغتيالات المحدودة واستهداف مواقع الحرس الثوري، يمكن لطهران أن تجتاز هذا الاختبار حتى التسليم والتسلُّم في البيت الأبيض، ولكنها تخشى من عملٍ ما يؤدي إلى تغيير في موازين القوى ولا يعد ينفع معه انتظار نيات الإدارة الأميركية الجديدة وتوجهاتها، فيما يتركز الحديث في الأروقة الديبلوماسية على 3 سيناريوهات أساسية محتملة:
السيناريو الأوّل: تدمير شامل لكل المنشآت النووية الإيرانية في عملية فريدة من نوعها وغير مسبوقة تُعيد طهران على المستوى النووي عقوداً إلى الوراء، وتَشلّ كل قدراتها وتعطِّل إمكاناتها وتحول دون استعادتها لمقوماتها النووية لسنوات عدة، الأمر الذي يضعها أمام أمر واقع تفاوضي لا مفرّ منه.
السيناريو الثاني: تكليف تل أبيب بشن حرب خاطفة وسريعة ضد «حزب الله» في ظروف غير مواتية للحزب إقليمياً بسبب طهران المكبّلة والمحاصرة وغير القادرة على الرد، وسوريا الأسد التي خرجت من المعادلة الإقليمية والسياسية. كما انّ ظروف «حزب الله» غير مواتية داخلياً مع الانهيار المالي والغضب الشعبي والحصار الدولي وغياب أي مقومات صمود داخلية، فتشكّل الضربة مقدمة لوضع يدٍ دولية على لبنان من باب تنفيذ القرارين 1559 و1701 بشكل حرفي ودقيق بعيداً عن أي اجتهاد كما حصل مع اتفاق الطائف والقرار 1701، خصوصاً انّ الظرف أكثر من موَاتٍ للتخلُّص من ورقة الحزب.
السيناريو الثالث: إسقاط بشار الأسد بما يُنهي تلقائياً كل النفوذ الإيراني في سوريا ويعزل «حزب الله» عن إيران من خلال إسقاط الجسر السوري الذي يربط بين الطرفين، وبما يخرج سوريا من محور الممانعة ويعيدها بالتفاهم مع موسكو إلى الشرعية العربية، ويُهيّئ الظروف لتوقيع السلام بين دمشق وتل أبيب.
وفي حال اعتماد هذا السيناريو يصبح «حزب الله» للمرة الأولى منذ تأسيسه من دون عُمق سوري، ومحاصراً من أكثر من جهة: إسرائيل، الوضع الناشئ في سوريا، المحور الأميركي والسعودي، والوضع الداخلي الذي أغرقَ الحزب في وحول الأزمة المالية التي لا يمكنه الخروج منها من دون المجتمع الدولي، وأقصى ما يمكنه القيام به يتمثّل في الانكفاء إلى المربّع الشيعي.
فالترقُّب في هذه المرحلة هو سيد الموقف ليس فقط لبنانياً، إنما إقليمياً ودولياً، لأنّ الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، واعتماد اي سيناريو من السيناروهات أعلاه سيؤدي إلى خلط أوراق واسع وكبير جداً في الشرق الأوسط، خصوصاً انه لا يمكن لأي جهة سياسية ان تؤكد او تنفي ما يمكن ان يُقدم عليه ترامب الذي تميّز عهده بعنصر المفاجأة وعدم استبعاد اي قرار يمكن ان يتخذه.
ومن هذا المنطلق، يمكن فهم السياسة الانتظارية المعتمدة من قبل أكثر من فريق لبناني ريثما يدخل بايدن إلى البيت الأبيض، لأنّ المرحلة الفاصلة عن دخوله قد تحمل ليس فقط المفاجآت، إنما التحولات في المشهد السياسي برمّته، وهذا ما يفسِّر المراوحة في تأليف الحكومة التي لا يبدو انّ الرئيس المكلّف سعد الحريري في وارد أخذ قرار تأليفها على عاتقه قبل ان يضمن الضوء الأخضر من الرئيس إيمانويل ماكرون، هذا الضوء الذي لا يمكن تأمينه قبل ان يستلم بايدن رسميّاً.
وقد دَلّت المواقف الصادرة عن «حزب الله»، على لسان الشيخ نعيم قاسم وغيره، على انّ الحزب يتبنّى وجهة نظر رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بأنّ المعبر للتأليف هو الحوار مع رؤساء الكتل النيابية، والتمسُّك بالعُرف المُتّبع لجهة تسمية الكتل للوزراء وفق حجمها ربطاً بما أفرزته الانتخابات النيابية، ما يعني انّ حكومة مستقلين اختصاصيين لن تكون واردة مع الأكثرية الحاكمة، وأقصى ما يمكن تأليفه هو حكومة على غرار الحكومة المستقيلة. لكنّ الحريري لن يجازف بتشكيلة من هذا النوع لا مَهرب منها سوى بعد دخول بايدن إلى البيت الأبيض وتَوَسُّط ماكرون معه لتشكيل الحكومة اللبنانية لمرحلة انتقالية بحجّة انها ستكون أفضل من الفراغ وانعاكاساته، وذلك بانتظار ان تتبلور الرؤية الأميركية الجديدة للمنطقة.