20-10-2020
مقالات مختارة
د. مازن ع. خطاب
د. مازن ع. خطاب
انتُخب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة على إثر «تسوية» قامت على اختلال فادح في الموازين السياسية في ظلّ غلبة فريق على آخر، فوُلِد هذا العهد من رحم التعطيل بفعل احتجاز قسريّ للدولة، وضع القوى السياسيّة أمام معادلة «امّا عون رئيساً او الفراغ». وعند انتخابه ادّى يمين القسم امام مجلس النواب بالحفاظ على الدستور واحترامه والدفاع عنه، وحماية «وثيقة الوفاق الوطني»، الّا انّه أخذ يُمعن منذ ذلك الحين في تمزيق «الطائف» دستوراً وروحاً تحت راية «استعادة حقوق المسيحيّين» وتحديداً الامتيازات المارونية، ما يعني عملياً تعطيل أسس إدارة الدولة وفصل السلطات وتوزيع الصلاحيات وفي علاقات الجماعات اللبنانية فيما بينها، وهو الذي تمرّس في لعبة الاستفزاز السياسي والتحريض ضد الخصوم، وادعاء الطهارة السياسية. ولم يسبق ان شهدت الجمهوريّة في تاريخها انطلاق معركة خلافة أي رئيس دولة في بداية ولايته كما هو الحال مع عون الذي يخوض معركة خلافته منذ اليوم الأول لصالح صهره جبران باسيل.
عقدة رئاسة الجمهوريّة
لم تفارق عقدة رئاسة الجمهورية ميشال عون الذي عاد الى لبنان على وقع دمّ الرئيس الشّهيد رفيق الحريري في العام ٢٠٠٥ بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان. هدفه الوحيد في الحياة ان يكون رئيساً للجمهورية الى نهاية عهده حتّى لو كان ذلك على أشلاء لبنان، وهو يسعى الى تكريس صهره جبران باسيل خلفاً له. وقد شهد اللبنانيّون على مواقفه الحادّة والمزاجية التي لم تخلو من تمجيد للذات بأنه الزعيم الأوحد، وتمسّكه بآرائه التي يعتقد بأنها غير قابلة للنقاش أو التشكيك وهو الذي قال ذات مرّة أنّ «ليست عجيبة ان يكون شخص بمفرده على حق والآخرون غلط». وهو دوماً يشعر أنّ هناك من يريد لصق صفة «الفشل» على عهده وتحميله اوزار الاعباء الماليّة الضخمة التي تترتّب على الدّولة، وهذا ما يدفعه الى تصعيد الخطاب والشعار والتعبئة الطائفيين إلى الحد الأقصى.
تمزيق الدستور ووثيقة الطائف
أخطر ما يُسجّل على رئيس العهد هو محاولاته استرجاع «صلاحيات رئيس الجمهورية» عبر تطويق رئيس الحكومة في عدّة محطّات منها بيان رئاسة الجمهوريّة الذي تناول في معايير جديدة لتشكيل الحكومة، والتهديد بسحب تكليف رئيس الحكومة المُكلّف، وتوقيع وزراء «العهد» استقالاتهم مسبقاً ووضعها بتصرُّف رئيس «التيار الوطني الحر»، وتفويض جبران باسيل ليقوم بمهام رئيس الجمهوريّة لجهة التشاور والتعاطي مع رئيس الحكومة، واجتماع وزراء «التيار» في مقر وزارة الخارجية في الوقت ذاته لموعد عقد جلسة مجلس الوزراء.
وقد كرّس نفسه طرفاً سياسيّاً خلافاً لموجبات الدستور الذي نصّ في المادة ٤٩ منه على دور رئيس الجمهورية في حماية الوحدة الوطنية وميثاق العيش المشترك، بعيداً ومنزهاً عن الخلافات والتباينات التي تحكم طبيعة المجتمعات المتنوعة، بصفته «رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن».
كذلك سُجّل عليه تجاهل وجود حكومة تقوم بتصريف الاعمال في موضوع تشكيل الوفد المفاوض على ترسيم الحدود مع العدوّ الصهيوني، مخالفاً بذلك المواد ٥٢ و٥٤ و٦٠ من الدستور. كما انّه يحاول ترسيخ بدعة «التأليف قبل التكليف» من خلال مشاورات يجريها مع الكتل النيابيّة للاتفاق سلفاً على شخص الرئيس المُكلّف، او وضع الشّروط عليه قبل تسميته، وشكل الحكومة وعدد حقائبها و«حصّة رئيس الجمهوريّة» منها، وتمثيل «التيار» وجبران باسيل فيها، وذلك قبل الدّعوة للاستشارات النيابيّة.
من حَكَم الى طرف.. «كرمال الصّهر»
في كلّ محطّة تاريخية وضعت فيها الرئاسة الأولى نفسها موضع الطرف السياسي كانت النتيجة فشلها في تحقيق أي نتائج محمودة للبلاد، وهذا ما يحصل مع الرئيس عون الذي لم يعد أهلاً ليكون حكماً في حل النزاعات بين اللبنانيين لأنّه أصبح طرفاً داعماً لتياره السياسي ورئيسه باسيل الذي يتمتّع بتغطية حميّه وقوّه دفعه له من موقع الرئاسة الأولى، فضلاً عن الإمكانات الهائلة التي يسخّرها له. وقد ظهر الامر جلياً بعد حادثة «البساتين» عند دخول عون على خطّ القضية مستبقاً نتائج التحقيقات والأحكام القضائية، وكذلك الأمر في الملاحقات التي حصلت للعديد ممن انتقدوا الصهر في وسائل التواصل الاجتماعي، او في المواكبات التي تجندت خلال تجواله في المناطق، وغيرها.
وبعد دعوة عون مجلس النواب لإجراء الاستشارات المُلزمة يوم الخميس الفائت لتسمية سعد الحريري رئيساً مكلّفاً تشكيل الحكومة الجديدة، قرر تأجيل الاستشارات اسبوعاً كاملاً مبرراً ذلك بالسعي إلى الحصول على تأييد مسيحي أوسع للحريري، وهو لا شكّ يقصد به صهره باسيل بما انّ حزب «القوات اللبنانيّة» حسم موقفه بضرورة تأليف حكومة اختصاصيين من رئيسها إلى أعضائها.
وعلى الرغم من أنّ الحريري كان سينال اكثرية نيابيّة كافية لتكليفه، الّا أنّ عون تذرّع بأن نتائج الاستشارات النيابيّة ستفتقر الى «عصب الميثاقية المسيحية»، وهو بذلك يقول ما معناه «الحريري وباسيل في الحكومة وإلاّ فلا تكليف للحريري»، وقال قبل ذلك «كرمال عيون صهر الجنرال عمرها ما تكون لا حكومة وعمرو ما يكون بلد». وهذه المغامرة كادت أن تقحم البلد في دورة جديدة من الاشتباكات السياسية، بدلاً من الإسراع في توفير الشروط لولادة حكومة جديدة تباشر بإنقاذ لبنان من الزوال بعد أن بلغ الانهيار ذروته على المستويات كافة.
نهاية عهد عون وإلا نهاية لبنان
لبنان لم يعد قادراً على تحمّل تبعات ما تبقّى من «العهد القوي»، واغلب الشعب اللبناني كفر به وطرح عنه المشروعيّة. هذا العهد الذي وضع البلاد أمام المزيد من الانقسام الداخلي والعزلة الدوليّة والعربيّة، وانهيار البلد على الصعد كافّة، لا يجوز استمراره على حساب بقاء لبنان.
ورئيس العهد لم يعد أهلاً ليكون حكماً في حل النزاعات بين اللبنانيين لأنّه أصبح طرفاً فيها، وهو الذي اعتمد الاستنسابيّة في التعاطي مع الدستور، فتارة يكون الدستور، الذي وصل به الى سدّة الرئاسة، سيئاً وبحاجة الى تعديل، وتارة أخرى يكون مقدّساً فيتحجّج بمواده كلّما أراد التذكير بصلاحيات موقع رئاسة الجمهوريّة او أراد التعدّي على صلاحيات رئاسة الحكومة.
في الخلاصة، لا يحتاج هذا البلد حكومة جديدة لا تخضع لمقياس عون وصهره وتباشر بإنقاذ لبنان فحسب، بل هو بحاجة ماسّة الى رئيس دولة لديه حضور وفعالية أكبر بالسياسة على المستوى الداخلي والدّولي وقادر على مواكبة المرحلة بطريقة أكثر نشاطاً وفي حدود الدستور ووفق تطلعات اللبنانيين.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه
أبرز الأخبار