29-08-2020
مقالات مختارة
ابراهيم حيدر
ابراهيم حيدر
أياً يكن مضمون قرار مجلس الأمن الدولي التجديد لقوات "اليونيفيل" الدولية العاملة في جنوب لبنان، فإنه لن يحدّ من المواجهة المحتملة بين "حزب الله" وإسرائيل في المنطقة الحدودية اللبنانية، المتصلة أيضاً بالجولان السوري المحتل ومزارع شبعا في مرتفعات جبل حرمون، انطلاقاً من أن "الحزب" أعلن أنه سيرد على سقوط أحد عناصره في غارة إسرائيلية في سوريا. لكن القرار الدولي الجديد للتجديد الذي أرادته واشنطن تغييراً في مهمة القوات الدولية، ومهما كانت التعديلات الفرنسية الطفيفة عليه، سيفتح مرحلة جديدة من التعامل الدولي مع لبنان، وسيسعى إلى ضبط المنطقة مع تقييد نسبي لحركة "الحزب" الذي لن يتمكن، وفق مصادر سياسية متابعة، من الردّ علناً في منطقة الخط الأزرق الذي حددته القوات الدولية للحدود.
ما حدث خلال الأسبوع الماضي في منطقة عمل القوات الدولية على الحدود اللبنانية، من قصف إسرائيلي لمناطق في الداخل اللبناني، قيل إنه استهدف مواقع لإحدى جمعيات "حزب الله"، كان اختباراً لما يمكن أن يكون عليه الوضع عند حدوث مواجهة مباشرة، وما يمكن أن تتركه من تداعيات على الوضع اللبناني عامة وعلى المنطقة، وخصوصاً سوريا. وقد تبين أن "حزب الله" لم يرد على الاعتداء الإسرائيلي الذي بررته إسرائيل بأنه جاء لمنع تسلل مجموعات من "الحزب"، ما يعني أن هناك اعتبارات يأخذها "حزب الله" لجهة أن الردّ يمكن أن يفجّر معركة في الجنوب اللبناني لا يحتملها لبنان، خصوصاً في ظل الاندفاعة الدولية لمساعدة البلد بعد انفجار مرفأ بيروت المروّع، حيث يمكن أن يتحوّل الموقف ضده في هذا الوضع الصعب مع الانهيارات المتتالية لمؤسسات الدولة في لبنان. لكن النقطة التي لا يتنبّه لها "الحزب" تكمن في أن أي مغامرة وردّ من منطقة الجنوب اللبناني، قد يضع لبنان أمام وضع لا يُحسد عليه، خصوصاً أن الأجواء الداخلية اللبنانية ليست اليوم مع "الحزب" بفعل التفكك الذي أصاب تحالفاته، وخسارته الكثير في البيئات الطائفية الأخرى، فضلاً عن أن غالبية اللبنانيين اليوم هم ضد السلاح، وبالتالي أي انفجار على الحدود سيحمل "حزب الله" مسؤوليته وإن كان ضد الاحتلال الإسرائيلي.
لكن ما حدث في الجنوب لا ينفصل عن كل التطورات التي يعيشها البلد، إضافة الى استحقاقات كثيرة تتعلق بالوضع الداخلي، ومن بينها تأليف الحكومة، إلى الضغوط الدولية على لبنان، فضلاً عن المبادرة الفرنسية التي تسعى إلى إنتاج تسوية لبنانية وتشكيل الحكومة. ووفق المعلومات، فإن التشكيلات القتالية لـ"الحزب" في حال استنفار دائم في الجنوب، وصولاً الى المناطق المحاذية لمزارع شبعا والجولان السوري، ليس استعداداً لحرب محتملة فحسب، بل للرد على مقتل أحد عناصره في سوريا. وتثبت الحوادث الأمنية والقصف الإسرائيلي الذي حدث الأسبوع الماضي، وكذلك قبل نحو شهر في منطقة كفرشوبا ومزارع شبعا، أن عناصر "حزب الله" المستنفرين يعملون منذ شهر ونصف شهر على المراقبة وتحديد المواقع المناسبة للرد على العملية الإسرائيلية التي استهدفت مقاتلين للحزب في سوريا، وذلك لاختيار الهدف والرد مباشرة من دون التورط بالقصف والقصف المتبادل. وتتحدث المعلومات أن مجموعات من الحزب كانت تتحرك على الحدود في منطقة مواجهة لمستوطنة المنارة الإسرائيلية، اشتبه بها الإسرائيليون كما اشتبهوا سابقاً بمجموعات في منطقة مزارع شبعا لتنفيذ عملية رد ضد الجيش الإسرائيلي، الذي قصف بعنف مناطق لبنانية في محاولة لإفشال أي رد عسكري من "حزب الله" وانتهى الموضوع عند هذا الحد.
يظهر في المقابل أن التطورات في الجنوب مرتبطة بملفات عدة. فبعد التجديد للقوات الدولية "اليونيفيل"، ستكون الأمور مفتوحة على مواجهات قد تحدد مصير أي مفاوضات حول الاستحقاقات المعلقة. ووفق المصادر السياسية، فإن "الحزب" ينتظر التجديد للقوات الدولية كي يحدد مسار حركته في شكل مختلف عن السابق، خصوصاً أنه يستعجل لإنجاز اتفاق مع الفرنسيين في سياق مبادرتهم السياسية، علماً أنه يمكن أن يقدم تنازلات في الملفات الداخلية تقيه الكثير من التعقيدات والانهيارات في البلد، إذ إن التسوية المحتملة، إذا خافت على التركيب السياسي للسلطة، تجعل "الحزب" مرتاحاً وتشكل له متنفساً جديداً، على رغم أنه غير مستعد لتقديم تنازلات في ما يتعلق ببنيته القتالية وسلاحه وفي دوره الإقليمي وتورطه في المنطقة.
ستكون الأمور مختلفة بعد التجديد لـ"اليونيفيل". فالذي سيتغير هو أن القوات الدولية قد يصبح بإمكانها الدخول إلى مناطق لم يكن يسمح بها "حزب الله"، وهذا الأخير سيسعى إلى طرح معادلة جديدة في قواعد الاشتباك مع إسرائيل، ما قد يحوّل الجنوب اللبناني إلى خط تماس مشتعل، قد يكون جزءاً من مشاريع حسم ملفات في المنطقة، لكنه يعرّض لبنان أيضاً إلى مزيد من الانهيار...
أخبار ذات صلة