28-08-2020
صحف
ففي الوقت الذي تقود فيه فرنسا ما يشبه حملة عالمية لإغاثة لبنان عقب انفجار 4 آب، وفيما تزج باريس بكل إمكاناتها وثقلها لدفع السلطة والطبقة السياسية في لبنان نحو انجاز الاستحقاق الحكومي بسرعة على قاعدة التزام الإصلاحات المطلوبة داخليا ودوليا، تتصاعد معالم الاهتراء الداخلي على مختلف المستويات وفي كل الاتجاهات في سباق جهنمي بين الجهود لفرملة الانهيارات وتسارع معالم الاهتراءات الداخلية. ولم يكن ادل على ذلك امس تحديدا من تجدد ظواهر التفلت الأمني المتفاقم في الآونة الأخيرة حيث اندلعت اشتباكات ميليشيوية وعشائرية ومذهبية في خلدة أدت الى سقوط قتيلين وثمانية جرحى، فيما سجل الانزلاق الأسوأ نحو اتساع الكارثة الوبائية مع تسجيل عداد إصابات كورونا الرقم القياسي الأعلى حتى الان بـ 689 إصابة وسبع حالات وفاة في يوم واحد .
والواقع ان مجمل المعطيات العلنية والضمنية عكست تصاعد الضغوط الفرنسية على لبنان الى الذروة من اجل استجابة السلطة والسياسيين لموجبات الإنقاذ عشية عودة الرئيس ماكرون الى لبنان في مطلع الأسبوع المقبل الى درجة ان مصادر معنية واسعة الاطلاع أبلغت "النهار" ان الأهمية الكبيرة التي يكتسبها حضور الرئيس الفرنسي الى بيروت في الذكرى المئوية الأولى لاعلان لبنان الكبير، قد تغدو اقل أهمية امام الجانب الاخر من الجهود التي سيبذلها الرئيس الفرنسي والفريق الذي يرافقه خصوصا بعدما تردد ان الاحتفال باحياء المئوية قد يلغى بسبب جائحة كورونا بما يحصر زيارة ماكرون بالجانب السياسي والإنساني. ولعله ليس ادل على الطابع الاستثنائي الذي سيكتسبه الجانب السياسي والديبلوماسي والإنساني لهذه الزيارة مما نقله الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو على صفحته عن مصادر ديبلوماسية من ان ستة وزراء سيرافقون الرئيس ماكرون الى بيروت من بينهم وزراء الخارجية والجيوش الفرنسية والصحة والاقتصاد والمال. وهذا يعكس طبيعة الاستعدادات التي تجري لهذه الزيارة والمحادثات التي يمكن ان تتخللها.
وبازاء ذلك برز ما يمكن ان يشكل ظاهرا استجابة من جانب الحكم للدفع الفرنسي الكبير نحو حل سريع وملح لتشكيل حكومة جديدة من خلال تسريبات حول اجراء الاستشارات النيابية الملزمة قبل وصول ماكرون أي ما بين السبت والاثنين. اما الجانب المستتر الاخر لهذا الاتجاه فيشكل واقعيا مناورة مكشوفة يراد عبرها ان يقال ان الحكم قام بما عليه، فيما تقع على الاخرين تبعة عدم نجاح الاستشارات في حال تعذر حصولها قبل وصول ماكرون او في حال اجرائها وعدم بلورة اسم الشخصية التي ستكلف تأليف الحكومة لتعذر حصول أي اسم على أكثرية نيابية. ولعل الاحتمال الثاني بدا مرجحا بقوة نظرا الى مجموعة معطيات ابرزها ان التمادي في تحديد الاستشارات كل هذه الفترة ومن ثم الاتجاه الى اجرائها عشية وصول ماكرون او حتى في يوم وصوله لا يخفي الطابع المناوراتي الذي يتظلله الحكم بغية الباس سائر القوى الأخرى تبعة عدم التوافق على تسمية الرئيس المكلف وغسل يديه من تبعة التأخير الذي يتحمل مسؤوليته منفردا. ثم ان ما سرب على نطاق واسع عن تزكية مزعومة من رؤساء الحكومات السابقين لزميلهم الرئيس تمام سلام كمرشح أساسي للتكليف تبين انه كان من ضمن المناورات أيضا. فقد علمت "النهار" من الأوساط القريبة من الرئيس سلام انه ليس في وارد الترشح اطلاقا لرئاسة الحكومة لا من قريب ولا من بعيد وان كل ما اثير في هذا السياق كان مختلقا ولا صحة له. اما العامل الثالث الذي برز في سياق المناورات فوضعت حدا له أيضا الأوساط الوثيقة الصلة بالرئيس سعد الحريري التي شددت على ان الحريري قال كلمته الحاسمة والنهائية حين طلب سحب اسمه من التداول ولا موجب اطلاقا لاعادة اثارة هذا الامر لاي اعتبار كان. وبدا واضحا ان لا الحريري ولا رؤساء الحكومات السابقين في وارد تسمية أي مرشح قبل تحديد موعد الاستشارات الملزمة رسميا وحينها يمكن ان يتفقوا على تسمية مرشحهم.
لذا فان الاتجاه الى تحديد موعد محتمل للاستشارات سواء ثبت في الساعات المقبلة او ارتؤي تأجيلها الى ما بعد زيارة ماكرون لا يسقط المأزق القائم حول تسمية الرئيس المكلف. وفي انتظار ما ستحمله الساعات المقبلة برزت المعلومات الأولية عن برنامج زيارة ماكرون مع ان الترتيبات لا تزال تخضع لتعديلات. اذ أفيد ان ماكرون الذي يصل مساء الاثنين سيمضي يوم الثلثاء بكامله في لقاءات وزيارات وانه تم صرف النظر عن الاحتفال بالمئوية الأولى لاعلان لبنان الكبير بسبب وباء كورونا. وسيجري ماكرون محادثات في بعبدا مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ثم يعقد لقاء مع القيادات السياسية في قصر الصنوبر ولم يعرف ما اذا كان سيلتقي كلا منهم على حدة او في لقاء جامع كما في المرة السابقة. كما علم ان ماكرون سيقوم بجولة ميدانية تشمل زيارة لحاملة الطوافات الفرنسية الراسية في مرفأ بيروت. ويختتم زيارته بمؤتمر صحافي في قصر الصنوبر .
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان جدد امس في حديث إذاعي دعوته لبنان الى تشكيل حكومة سريعة واعتماد إصلاحات عاجلة محذرا من انه اذا لم يتم ذلك فان البلاد تواجه خطر الزوال . وذهب الى القول "ان الخطر اليوم هو اختفاء لبنان بسبب تقاعس النخبة السياسية التي يتعين عليها تشكيل حكومة جديدة سريعا لتنفيذ الإصلاحات الضرورية للبلد". وحمل بشدة على السياسيين قائلا "انهم يدمرون انفسهم بعضهم بعضا لتحقيق اجماع على التقاعس عن العمل . لم يعد هذا ممكنا ونقول ذلك بقوة". وذكر بان "المجتمع الدولي لن يوقع شيكا على بياض اذا لم تنفذ السلطات الإصلاحات ".
سلامة
وبرز وسط هذه الأجواء اعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان البنك المركزي يريد من المصارف زيادة رأس المال بنهاية شباط المقبل "والا سيكون عليها الخروج من السوق". وقال لوكالة رويترز ان "خروج البنوك من السوق سيكون بإعطاء أسهمها الى البنك المركزي مع صون الودائع ولن تكون هناك إفلاسات". وأضاف ان "لبنان ليس في صدد تعويم العملة واحتياطات مصرف لبنان من النقد الأجنبي 19.5مليار دولار والاحتياطي الإلزامي 17.5 مليار دولار" . وقال "لا يمكن القول الى متى سيظل مصرف لبنان قادرا على دعم الواردات الضرورية".
التفلت المسلح
وسط هذه المناخات انفجرت اشتباكات مسلحة عنيفة في خلدة امس اتخذت طابعا مذهبيا على خلفية نزع لافتات تحمل شعارات دينية . وشهدت خلدة امتدادا الى دوحة عرمون اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والقاذفات بين عشائر عرب خلدة وانصار "حزب الله". وذكر انها أدت الى سقوط ثلاثة قتلى بينهم فتى في الـ 14 من عمره ونحو ثمانية جرحى وتدخل الجيش بكثافة ومع ذلك استمر التوتر حتى ساعات الليل وجرى احراق وتكسير محال وسوبرماركت . ثم تمدد التوتر ليلا الى منطقة الطريق الجديدة كما الى مناطق أخرى شهدت قطع بعض الطرق لبعض الوقت. ودعت قيادة "تيار المستقبل" ليلا عشائر العرب الى "التزام اقصى درجات ضبط النفس والتعاون مع الجيش والقوى الأمنية لضبط الامن وعدم الانجرار وراء الساعين الى ضرب السلم الأهلي.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار