15-08-2020
عالميات
من يُتابع تطورات العامين الأخيرين على مستوى الخطاب الإماراتي، لم يتفاجأ بالخطوة الثلاثية بين الإمارات وإسرائيل وأميركا والتي يسهلها طبعا عدم وجود نزاع جغرافي وحدودي بين الجانبين. لكن إقدام الإمارات على هكذا خطوة وفي هذا التوقيت، ينسجم مع مقاربة مختلفة لأزمات المنطقة والتهديدات الاستراتيجية وطبقا لهذه الخطوط:
1ـ هناك قناعة إماراتية بأن أسلوب المواجهة العسكرية ضد إسرائيل فشل بشكل ذريع منذ العام 1948 وكلف الجانب الفلسطيني خسارة فوق خسارة جعلت مما تبقى من أراضيه شريحة "جبنة سويسرية" كما وصفها الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش.
هذه القناعة عبر عنها وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش منذ عامين، وأعادها في يونيو الماضي في حوار مع اللجنة اليهودية الأميركية في واشنطن. النظرة الإماراتية تعتبر أن عسكرة النزاع زادت من التطرف من دون أن تعيد للفلسطينيين حقوقهم وأراضيهم، فيما المفاوضات التي قادتها مصر والأردن أعادت سيناء ومنحت عمان ضمانات أمنية وسياسية بعد اتفاق 1994. وعليه ترى أبوظبي أن أسلوب التفاوض مع الجانب الإسرائيلي قد ينجح حيث فشل الاقتتال، والدليل بنظرها هو تجميد إسرائيل خطة الضم بعد الضغط الإماراتي العلني وحتى من خلال صحيفة عبرية في مقال الوزير والسفير إلى واشنطن يوسف العتيبة.
2 ـ تبدل المعطيات الإقليمية: الصورة الجيوسياسية تغيرت إقليميا وداخل الإمارات التي شهدت داخليا نهوضا اقتصاديا وتكنولوجيا وأمنيا ما جعلها لاعبا إقليميا في العقدين الأخيرين. في هذا الملعب، التهديدات للإمارات ليست من النزاع العربي ـ الإسرائيلي بل من قبل قوى إقليمية لا تشاطر الإمارات رؤيتها ضد الإسلام السياسي. وتجلس تركيا على رأس هذه القوى اليوم، وهي التي يمتد نفوذها الإقليمي من طرابلس لبنان إلى طرابلس الغرب في ليبيا.
هناك أيضا إيران الداعمة لمجموعات وميليشيات تهدد استقرار الخليج وتتبنى مبدأ الإسلام السياسي. طهران تشكل أيضا تهديدا أمنيا مباشرا للخليج بعد اعتداءات العام الفائت والتي طالت مرفأ الفجيرة ومصافي النفط في السعودية.
كل هذا غير بوصلة الإمارات الإقليمية وفتح الباب أمام تعاون أمني ودفاعي وتكنولوجي مع إسرائيل من دون التنازل عن حق الفلسطينيين ورؤية حل الدولتين.
3 ـ الصورة الداخلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين والفشل المتكرر في الوصول لحل، إلى جانب العلاقة المتردية بين الإمارات والسلطة ورفض القيادة الفلسطينية مرتين المساعدات الإماراتية عبر إسرائيل، ساهم أيضا في الوصول للاتفاق الثلاثي من دون إبلاغ المسؤولين الفلسطينيين في رام الله.
4 ـ الصورة الأميركية وأهمية هكذا اتفاق بالنسبة للحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة. فالترحيب جاء من الرئيس دونالد ترامب كما من منافسه جوزيف بايدن وأعضاء في الكونغرس من الحزبين.
هكذا واقع يفتح الباب بشكلٍ أوسع أمام الإمارات في العاصمة الأميركية كما فتح الباب أمام أنور السادات والملك حسين بن طلال ومهد الطريق لضمانات ومساعدات أمنية واقتصادية من واشنطن للجانبين.
الإمارات ليست بحاجة اليوم إلى مساعدات اقتصادية بل تعتمد سياسية الانفتاح مع معظم القوى الدولية بينهم أميركا وفرنسا وروسيا والصين. هذا الاتفاق لا يؤذي أي من هذه العلاقات لا بل يعزز معظمها.
المسؤولون الأميركيون يتوقعون أن تلحق دولا عربية أخرى خطوة الإمارات بفتح علاقات رسمية مع إسرائيل. إنما حتى من دون ذلك، فإن الاستراتيجية الإماراتية تستند اليوم إلى مقاربة مختلفة للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وتبدل التهديدات الإقليمية عما كانت عليه في 1967 وبناء تحالفات دولية من خلال رؤية مغايرة لأزمات المنطقة.
الاتفاق الإسرائيلي ـ الإماراتي هو منعطف من خلال المقاربة الإقليمية للنزاع مع إسرائيل لكن هو أيضا نتاج متوقع لانتكاسات وتحولات جمة في الداخل الفلسطيني والإسرائيلي وفي الخليج
أخبار ذات صلة