26-07-2020
محليات
أضاف: "نسمع في إنجيل اليوم عن حادثتي شفاء، الأولى لأعميين، والثانية لأخرس. بداية، إذا تذكرنا حادثة شفاء المجنونين الخارجين من القبور، التي تحدثنا عنها منذ أسبوعين، نجد تشابها مع حادثة اليوم الأولى. هناك، اعترف المجنونان بأن المسيح هو ابن الله، وهنا الأعميان يسميان الرب يسوع "إبن داود". كان المجنونان يعيشان في ظلمة القبور، وهنا الأعميان يعيشان ظلمة عدم الإبصار.
ندرك من الحادثتين المذكورتين أن الظلمة ناتجة من عدم الإيمان. لقد أبصر الأعميان لأنهما آمنا. كانا من اليهود الذين لديهم شريعة يحفظونها منذ الصغر، مع هذا لم يوصلهم الحفظ الحرفي إلى الاستنارة الكاملة. طبعا، ككل سكان تلك المنطقة التي عبر فيها الرب يسوع، كان الأعميان قد سمعا عن المسيح، وأنه ربما يكون هو نفسه يسوع الناصري. إلا أن معلمي الشريعة لم يؤمنوا بهذا الأمر، فنقلوا عماهم وعدم إيمانهم إلى الشعب الذي كانوا مسؤولين عنه. هؤلاء قال عليهم الرب يسوع: "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس، فلا تدخلون أنتم، ولا تدعون الداخلين يدخلون" (مت 23: 13). إذا، الأعميان يمثلان كل الذين يتحررون من رباط الحرفية القاتلة، ويبحثون عن المسيح، فيتعرفون عليه، ويؤمنون به، وينالون الشفاء".
وتابع: "الإيمان ليس نتيجة الشفاء، بل الشفاء يأتي نتيجة للايمان. لهذا لم يبصر الأعميان إلا بعد أن آمنا، وليس العكس. هذا الأمر نجده ملتبسا لدى بعض المؤمنين الذين يطلبون الحصول على أعجوبة لكي يؤمنوا، أو لدى بعض الذين يبنون إيمانهم فقط على ما يسمعون به من العجائب. يقول الرسول بولس: "لأن اليهود يسألون آية، واليونانيين يطلبون حكمة، ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا، عثرة لليهود وجهالة لليونانيين" (1كو 1: 22-23). لقد تجسد ابن الله، وقدم ذاته ذبيحة على الصليب من أجلنا، ومات وقام، ومنحنا أعجوبة دائمة هي جسده ودمه الكريمان اللذان نتناولهما في كل قداس إلهي، ومع ذلك يطلب البعض الحصول على عجائب من بعض القديسين لكي يؤمنوا. عندما التقى تلميذا عمواس بالمسيح لم يعرفاه، لأنهما كانا بعد عالقين في الشريعة والعهد القديم، ففسر لهما كل ما يختص به مبتدئا من موسى (أي التوراة) والأنبياء، أي فسر لهما كل الكتب الشرعية التي يحفظها اليهود، لكن تلميذي عمواس لم يعرفا الرب يسوع إلا عندما بارك الخبز وكسره وناولهما "فانفتحت أعينهما وعرفاه" (لو 24: 13-32)".
وأردف عوده: "العجائب في كنيستنا هي لتشديد الإيمان الذي يكون موجودا أصلا، وربما يضعف بفعل بشريتنا، وليست العجائب ركيزة لإيمان غير موجود يبنى عليها. صخرة إيماننا هي الرب يسوع المسيح، الذي آمن به الأعميان فشفيا نفسا وجسدا. بالنسبة إلى اليهود، الخطأة هم الذين يمرضون، تاليا فإنهم يشفون إذا غفرت خطاياهم. أيضا، بالنسبة إلى اليهود، لا أحد يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده (مر 2: 7). إذا، عندما اعترف الأعميان بقدرة الرب يسوع على شفائهما جسديا، فإن اعترافهما هذا كان يحمل اعترافا آخر ضمنيا بقدرته على غفران خطاياهما، أي بألوهته.
لم يشف المسيح الأعميين أمام الناس، بل داخل البيت على انفراد، كذلك طلب منهما ألا يخبرا أحدا عنه. يعلمنا مسيحنا الرب أن نهرب من المجد الآتي من الجموع. هذا الأمر نفسه يتم خلال سر الاعتراف، عندما يدخل الكاهن بالمعترف إلى البيت (الكنيسة) حيث يمنحه الشفاء بالسلطان المعطى له من الرب: "من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو 20: 23).
خرج الأعميان من البيت ونشرا خبر شفائهما، صارا مبشرين بالمسيح. لقد علمنا السيد ألا نمدح أنفسنا، كما علمنا أن نهرب من مديح الناس لنا، وأن نعيد المجد لله. لم يقل الأعميان للناس إنهما أصبحا بارين فشفيا، بل شهرا الرب يسوع، بشرا بما صنعه معهما من عظائم. كثيرون منا ينسبون المجد لأنفسهم، وينسون الله الذي منحهم كل شيء. كثيرون يقودون الناس إليهم بدلا من توجيههم نحو الرب، حتى إن بعض الكهنة يقومون بهذا الأمر غير المبارك. مجدنا لا نحصل عليه من البشر، بل من الرب الذي يكللنا بإكليل المجد إذا رآنا مستحقين له. أما الشعبية التي يعمل البعض على بنائها، فلا توصلهم إلا إلى الهلاك، إلى موت الخطيئة، بسبب الكبرياء التي يعلمنا المسيح، في إنجيل اليوم، أن نتجنبها.
أما شفاء الأخرس الذي يخبرنا عنه المقطع الإنجيلي اليوم أيضا، فيشبه شفاء المخلع الذي أحدروه من السقف. لم يأت الأخرس إلى المسيح من تلقاء نفسه، لأنه ربما اعتقد أنه لن يستطيع أن يفسر للرب ما يريده، بسبب عدم قدرته على الكلام. إلا أن آخرين قدموا الأخرس إلى المسيح، فشفاه بسبب إيمانهم وثقتهم بأنه سيشفى. لقد ظن الشيطان أنه سيمنع الخلاص عن الإنسان إذا أصابه بالخرس، وتاليا يصبح غير قادر على إعلان إيمانه بالله. لكن الشيطان نسي أن البشر مخلوقون على صورة الله، أي ممتلئون من المحبة التي تهزم قوة الشياطين، وتوصل الإخوة إلى الخلاص. هذه المحبة جعلت رفاق الأخرس يقدمونه لينال الخلاص والشفاء فيصبح قادرا بدوره على إعلان إيمانه بالله والتبشير به بلسان طليق".
وقال: "كل الآيات والعجائب التي عاينها الفريسيون والكتبة لم تساعدهم على الإيمان. هذا برهان على أن العجائب ليست معيارا للايمان. عندما شفى الرب المجنونين طرده اليهود من بينهم، واليوم، بدلا من أن يعطوا مجدا لله لأن المرضى قد شفوا ونالوا الخلاص، نسمعهم يقولون على الرب يسوع: "إنه برئيس الشياطين يخرج الشياطين". يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "يستحيل على الشياطين، كما يقول السيد، أن تطرد الشياطين: فمن عادتها أنها تصفق للشيطان، لا أن تقضي عليه. لكن السيد لم يطرد الشياطين فقط، بل أيضا طهر البرص وأقام الأموات ولجم البحر وغفر الخطايا وبشر بالملكوت وجاء بالناس إلى الآب، وهي أمور لا يبتغيها إبليس، ويعجز عن القيام بها".
وتابع: "في إنجيل متى، يعود المسيح فيشفي إنسانا يجمع بين الجنون والخرس والعمى معا، فيقول عليه الفريسيون الكلام ذاته، عندئذ يجيبهم الرب: "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت" (12: 25). أليست هذه حالنا في لبنان؟ ألا نشعر بأننا في بيت منقسم على ذاته، في ساحة يتصارع فيها أطراف، كل يسعى إلى مصلحته وما يناسب عشيرته أو قومه أو حزبه؟ ويظنون أن الغلبة ستكون للأقوى، غير عابئين بمصير الوطن والمواطن ولقمة عيشه. لم لا نتعلم من التاريخ؟ لم لا نتعظ من الصراعات والحروب التي عاشها هذا الوطن؟ فلم لا نحمي وطننا بالنظر إلى الداخل لا إلى الخارج، وننصرف معا إلى بناء دولة موحدة قوية بأبنائها، غنية بطاقاتهم، فخورة بمحبتهم لها وانتمائهم إليها وحدها؟ لم لا نبعد أنفسنا عن كل ما يضر بنا وبوطننا؟
حرام تقديم المصالح الخاصة على مصلحة الوطن والشعب. اللغة العدائية مرفوضة في وقت علينا فيه الاتفاق والإلتفاف حول فكرة الوطن الواحد الحر المستقل، الحاضن لأبنائه كلهم. مطلوب من حكامنا التقليل من الكلام والنظريات، وعوض البكاء على ما وصلنا إليه، الإنصراف إلى العمل الدؤوب، والبدء بسلسلة إصلاحات تطمئن الشعب وتعيد ثقة الداخل والخارج بلبنان.
ِمحزن ما سمعناه من أحد المسؤولين الذي نصحنا بمساعدة أنفسنا كي يساعدنا الآخرون، وكأنه يقول لنا إعملوا شيئا لمصلحة وطنكم قبل استعطاء عطف الآخرين".
وختم عوده: "دعوتنا اليوم أن نؤمن بالمسيح، وألا نجرب الرب إلهنا بطلب العجائب. هو كلي الحكمة، ويعرف متى ومع من يصنع العجائب. جهادنا أن نحافظ على إيماننا ثابتا، رغم كل ما نمر به، والله قادر أن يمنحنا كل خير، لأنه كنز الصالحات ورازق الحياة. آمنوا بالله، إعترفوا به، أحسنوا إلى الآخرين، هكذا تكونون أنتم أنفسكم أعجوبة في هذا الدهر، إذا رآكم من ضعف إيمانه يتشدد بكم ومن خلالكم، فنصل جميعنا معا إلى الملكوت المنشود، آمين".
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار