مباشر

عاجل

راديو اينوما

النهار : ليلة بعلبك: هيبة العنوان ورهبة الزمان على جبين لبنان

06-07-2020

صحف

 ‎بين فخامة المكان وضخامة الموسيقى عزفًا وأَداءً، تعالت الأَصوات موحّدةَ في "صوت ‏المثابرة والصمود"، الاحتفال الاستثنائي المباشِر من معبد باخوس (أَوسَط معابد بعلبك ‏الثلاثة بين جو?ـيتر و?ـينوس) احتفت به الأُوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية بإِعداد ‏وقيادة للمايسترو هاروت فازليان منفِّذًا أُمسية رائعة نظَّمَتْها لجنة مهرجانات بعلبك الدولية، ‏مدينة الشمس التي زارها خيال جبران في مقطوعته "بين الخرائب" واستهلَّها بعبارة "وشَّح ‏القمرُ تلكَ الخمائل المحاطة بمدينة الشمس برقعًا لطيفًا…" (سمعناها إِلقاءً من رفيق علي ‏أَحمد مرافقًا موسيقى غبريال يارد‎).‎

‎ ‎
وبين سينوغرافيا جان - لوي منغي الجميلة، وبراعة إِخراج باسم كريستو الذكية، نقلت ‏الكاميرات التلفزيونية ظاهرةً فريدةً لم تعُد تكْفِيها مئاتُ المشاهدين كما كل عام، فانتشرت ‏على مئات الآلاف في العالم، شاهدةً على نهوض الفينيق الأُسطوري الذي كان يحترق في ‏هياكل بعلبك ويقوم من رماده أَقوى وأَجمل، وعلى مثاله قيامة لبنان من جحيمه الراهن‎.‎
‎ ‎
في غياب مقاعد الجمهور أَمام الهيكل، حضرَت داخل الهيكل قاماتُ أُوركسترا من 75 عازفًا، ‏و100 صبية وشاب من ثلاث فرق كورال (للجامعة الأَنطونية وجامعة سيدة اللويزة ‏و"الصوت العتيق")، إِحياءً الذكرى المئوية لإِعلان دولة لبنان الكبير (قصر الصنوبر - أَول ‏أَيلول 1920)، فكان طبيعيًّا أَن يرعى رئيس الجمهورية هذا الاستذكار الفني النبيل من فنانين ‏لبنانيين رسموا ليلة أَمس صورة للبنان بهيةً تؤكّد في وعي العالم أَن شمس لبنان الإِبداع لا ‏تحجبها غيوم الزمن العابر‎.‎
‎ ‎
بعد النشيد الوطني (توزيع هُتاف خوري)، وبعد شريطٍ عرضَ تواريخَ وعناوينَ وأَعمالًا كانت ‏شهدَتْها أَدراجُ بعلبك ومعابدها منذ 1956‏‎.‎
‎ ‎
‎ ‎
وفي أَداءٍ محْكَمِ الأَصوات مضبوطِ الإِيقاع، كانت الانطلاقة مع مقطوعة كارل أُورف (1895 ‏‏- 1982) "يا ربَّة القدَر"، وهي فاتحة الكانتاتا المسرحية (تأْليف للكورال والموسيقى) "كارمينا ‏بورانا" (وهي مجموعة 24 قصيدة مغنّاة من القرن الثالث عشر)، أَطلقها كارل أُورف سنة ‏‏1935 على مسرح أُو?ـرا فرانكفورت، وما زالت حتى اليوم، بعد 85 سنة، من أَكثر الأَعمال ‏الكلاسيكية الموسيقية المعزوفة في العالم‎.‎
‎ ‎
تلتْها موسيقى الأَخوين رحباني فاتحة مسرحيتهما الشهيرة "أَيام فخر الدين" (بعلبك 1966) ‏بتوزيع جديد من غدي وأُسامة منصور الرحباني فاستعادت أَرجاءُ الهياكل صوتَ فيروز ‏الأُعجوبي حين كانت "عطر الليل" شاهدة على مجد الأَمير فخرالدين (نصري شمس الدين) ‏فاستشهد كي يبقى لبنان حرًّا "أَنا شو بيهمّ بقِيْت أَو ما بْقِيْت، هوّي بْيِبقى. لبنان انبنى ‏وهلق المفاوضة صارت عليي أَنا". وتتالت أَمس مقطوعات أُخرى من ذاك العمل الرحباني ‏الرائع، الضخم الموسيقى الساطع الحوار، وهو بين أَقوى ما أَبدع عاصي ومنصور قبل أَكثر ‏من نصف قرن‎.‎
‎ ‎
ثم كانت معزوفة اللبناني العالمي غبريال يارد (مولود في بيروت 1949) من وحي جبراننا ‏الخالد، وضعَها خصيصًا لفيلم "النبي" الذي أَنتجته سلمى حايك ولعبَت فيه دور كاملة رحمة ‏والدة جبران، وكان عرضُهُ الأَول في مهرجان تورونتو السينمائي سنة 2014. وتخلَّل ‏المقطوعة حضور رفيق علي أَحمد ملقيًا بأَدائه المسرحي القوي مقاطع من نص جبران ‏‏"بين الخرائب" (في كتابه "دمعة وابتسامة" - نيويورك 1914)، فيما كانت تتماهى أَمامنا ‏على الشاشة صور تذكارية من جبران، أَضفت على النص روح صاحب "النبي" الذي غادر ‏لبنان يومًا لكن لبنان لم يغادره ولا أَيَّ يوم‎.‎
‎ ‎
تلتها معزوفة إيغور سترا?ـنسكي (1882 - 1971) باليه "طقوسية تكريس الربيع" التي ‏أَطلقها في ?ـاريس على مسرح الشانزيليزيه (أَيار 1913) وهي اليوم من أَشهر أَعمال الباليه ‏في القرن العشرين، تتالى على تقديمها أَعلام كبار بينهم موريس بيجار. ونسْختُها أَمس ‏كانت من توزيع هاروت فازليان‎.‎
‎ ‎
ومن توزيع فازليان كذلك عزفت الأُوكسترا مقطوعة "كشمير" من ليد زيبلين‎ Led ‎Zeppelinفرقة الروك البريطانية التي أَطلقتْها من لندن في شباط 1975، وهي اليوم، بعد ‏سنوات طويلة على إِطلاقها من أَبرز أَعمال هذه الفرقة التي تأَسست سنة 1968 وأَنتجت ‏ستة أَلبومات نابضة بموسيقاها التي ما فتئت تستعاد‎.‎
‎ ‎
وكانت لافتة كذلك مقطوعة جيوزيبي فيردي (1813-1901) "حلِّقي أَيتها الفكرة"، وهي ‏نجمة الفصل الثالث من أُو?ـرا "نابوكو" (نبوخَذْنَصَّر)، وضعها سنة 1842، وأَطلقها عامئذٍ ‏على مسرح سكالا ميلانو، مستوحيًا إِياها من المزمور 137 في الكتاب المقدس، عن أَسر ‏البابليين إِثْر هدْم أَول هيكل في أُورشليم‎.‎
‎ ‎
ويكون الختام مع بيتهوفن (1770 -1827) في رائعته "نشيد الفرح" (توزيع فازليان) وهي ‏خاتمة سمفونياه التاسعة التي أَطلقها في ?ـيينا سنة 1924 عن نص "نشيد الحرية" للشاعر ‏الأَلماني فردريك شيلر (1759- 1805) كان كتبه سنة 1785. ومن علامات مقطوعة "نشيد ‏الفرح" أَن الاتحاد الأُورو?ـي اعتمدَها نشيده الرسمي، لأنها تمجّد الوحدة والأُخوَّة الإِنسانية‎.‎
‎ ‎
معبد باخوس ليلة أَمس، كان نابضًا بعبقرية لبنان الثقافة والفنون‎.‎
‎ ‎
افتقَدَ تصفيق مئات الحضور أَمامه عند آخر كل مقطوعة، وفي نهاية الأُمسية؟ صحيح. لكنه ‏قطَفَ تصفيق آلاف القلوب في كل العالم، قلوب تخفق فرحًا للبنان الفرح، واعتزازًا بلبنان ‏الصمود، وفخرًا بلبنان الإِبداع الذي يعلو على آنيَّات السياسة العابرات كي يسجِّل للعالم أَن ‏نجمة بيروت لا تغيب عن النبض العاشق، وأَن عبقرية لبنان هي في مبدعيه الخالدين لا في ‏سياسييه العابرين‎.‎
‎ ‎
‎"‎علِّي صوت الموسيقى"؟
‎ ‎
نعم، وها نحن "علَّيناه" في ليل بعلبك الأَزرق، ليلةً خالدةً تماهت مع عصا القيادة في يد ‏هاروت فازليان المبدع أَفكارًا وتنفيذًا، ومع لجنة مهرجانات بعلبك التي حقَّقت رئيستُها نايلة ‏دو فريج حقيقةَ أَنَّ لبنان الفن العالي هو لبنان الحقيقي الذي يتردَّد في صوت عاصي ‏الرحباني: "… وازرعيهُن بالوعر أَرو وسنديان، ملوى الزمان، وقوليهُن: لبنان، بعد الله يعبدوا ‏لبنان‎".‎
‎ ‎
أَمس، في ليلة بعلبك، تناهَت الموسيقى والحناجر من كاميرات التلـ?ـزيون إِلى كل الدنيا ‏كي يعرف العالم كلُّه أَن لبنان لا يقاس بالديموغرافيا السكانية ولا بالجغرافيا السياسية بل ‏بالإِبداعوغرافيا الخالدة التي هي وحدها أَيقونة لبنان اللبناني‎.‎

services
متجرك الإلكتروني في أقل من عشرة أيام!

انطلق من حيث أنت واجعل العالم حدود تجارتك الإلكترونية…

اتصل بنا الآن لنبني متجرك الإلكتروني بأفضل الشروط المثالية التي طورتها شركة أوسيتكوم؛ أمنًا، سعرًا، وسرعة.
اتصل بنا

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.