27-01-2020
محليات
مفارقةٌ جديدة مثيرة للدهشة تباغت اللبنانيين عشية اثنين إطلالة حكومة الرئيس حسان دياب على البرلمان اليوم، ليس لتنال ثقتَه الشَرْطية ليكتمل نصابها الدستوري، بل كـ”حكومة تصريف أعمال”، في عملية تَحايُل جرت حياكتها في ملاقاة سابقة لم يشهدها لبنان في تاريخه وتتمثل في إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على أن تَمثُل الحكومة غير كاملة المواصفات الدستورية أمام البرلمان لتَبنّي “ترْكة” الحكومة “الراحلة” أي مشروع قانون موازنة 2020 الذي تُعقد الجلسة التشريعية لإقراره.
وإذ يؤشر هذا التطور في بُعده السياسي العام إلى أن الحكومة “تنطلق عرجاء” ومن حيث انتهتْ الحكومة السابقة التي انفجرتْ في وجهها “ثورة 17 تشرين الأول”، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع ترى عبر “الراي” أن “الشُبهة وأكثر” حيال دستورية وقوف الحكومة أمام مجلس النواب قبل نيْلها الثقة وفق بيانٍ وزاري ما زال قيد الإعداد، يُلاقيها جانب لا يقلّ إشكالية يتمثل في اضطلاع هذه الحكومة بمهمة الدفاع عن موازنة ليس لها أي يد فيها وتشكّل امتداداً لنهجٍ مالي – اقتصادي انتفض الشارع في وجهه، ناهيك عن أنها تعبّر عن أرقام يرجّح خبراء أن التطورات المتسارعة في لبنان وبدء تدحرج الانهيار قد تجاوزها.
وبحسب هذه الأوساط، فإن استدراج الحكومة الجديدة إلى “جلسة الموازنة”، وبمعزل عن محاولات “تجميله” بمبررات من نوع “القضاء والقدَر” أو “أهون الشرور” تَفادياً للعودة إلى الصرف على القاعدة الاثني عشرية، فهو يعكس مضيّ الفريق الذي صنع الحكومةَ العشرينية في النمطِ نفسه من الأداء الذي استجرّ استفاقة الشارع وسخطَه بعدما أوْصل البلاد إلى القعر الذي لا قعر تحته.
وإذ تخشى الأوساط أن تكون الدعسة الناقصة في أول مشوار الحكومة إشارةً سلبيةً برسْم الخارج الذي يضعها تحت المراقبة اللصيقة لتبيان مدى جديتها في التزام وضْع وتطبيق إصلاحاتٍ شَرْطية لمدّ يد المساعدة الدولية للبنان، استوقفها ما بدا أنه إرباكٌ في محاولة تغطية العيْب الدستوري في جلسة اليوم عبر توريط وزير المال غازي وزني في فذلكة جديدة جرى تعميمها على أنه هو مَن أرسلها إلى البرلمان، لينفي الأخير ذلك بشدة وتبقى الأوراق الثلاث التي باتت في أيدي النواب لقيطة.
وفي موازاة هذا البُعد للجلسة التشريعية، تتجه الأنظار إلى جانبيْن بالغيْ الأهمية:
* الأوّل إذا كان المُنْتفضون، الذين أكملوا أمس تحرّكاتهم وتلقّوا جرعة دعم من لبنان المنتشر الذي لاقاهم تحت شعار “معكن للآخر” في 26 مدينة حول العالم، سيَنْجَحون في منْع انعقاد الجلسة على غرار ما حصل في 19 تشرين الثاني الماضي، ولا سيما بعدما أظهرت القوى الأمنية حزْمَها في تحويل وسط بيروت “مناطق معزولة” بالجدران ومكعبات الاسمنت والأسلاك الشائكة التي زنّرتْ ساحة النجمة وصولاً إلى السرايا الحكومية التي صارتْ ابتداءً من أول من أمس “هدفاً” للمحتجّين الداعين لاستقالة دياب وقيام حكومة اختصاصيين مستقلّين تمهّد لانتخابات نيابية مبكرة، والذين دارت بينهم وبين قوة مكافحة الشغب مواجهاتٌ على تخوم السرايا بعدما نجحوا في “اقتلاع” إحدى بوابات الحماية، الأمر الذي استدعى أمس إكمال “حائط الدفاع” الاسمنتي.
* والثاني حجم الحضور النيابي في الجلسة وإذا كانت ستشهد مقاطعةً من قوى سياسية وازنة باتت خارج الحكومة (تيار المستقبل بقيادة الرئيس سعد الحريري والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي)، باعتبار أن أي سلوكٍ في هذا الاتجاه سيشكّل مؤشراً مبكراً إلى ما ينتظر “حكومة نصف لبنان” – التي يُعتبر حزب الله وفريق الرئيس ميشال عون (التيار الوطني الحر) رافعتها الأساسية – في المقلب السياسي الداخلي، وهو البُعد الذي بدأ يحضر علناً في مواقف خارجية ولا سيما أميركية كان آخِرها وصْف مساعد وزير الخارجية السابق جيفري فيلتمان الحكومة الجديدة بأنها “الأقرب إلى سورية وإيران وحزب الله منذ حكومة عمر كرامي العام 2005”.
وفي الوقت الذي بدا واضحاً، وفق الأوساط المطلعة، أن رمي الخارج أي طوق نجاة للبنان لـ “الإفلات” من المأزق المالي – الاقتصادي يرتبط توازياً بالإصلاحات والتموْضع السياسي للحكومة وتحديداً في سياستها الخارجية (النأي بالنفس)، لم يتوانَ حزب الله عن تظهير “هوية” الحكومة عبر تحديده “خريطة طريق” هذه السياسة الخارجية التي تبدأ باستعادة العلاقة مع النظام السوري والتمتْرس بوجه الولايات المتحدة وصولاً إلى رفْع “حائط صدّ” أمام أي حلول للأزمة المالية – المصرفية – النقدية – الاجتماعية تُستمدّ من برامج دولية خصوصاً صندوق النقد، بما يؤشر إلى “حقل الأشواك” الكبير الذي سيمرّ به مسار الإنقاد الذي بات يسابق الساعات في ظل دخول “المؤشرات الحيوية” للجسم اللبناني “المنطقة الحمراء”.
أبرز الأخبار