09-12-2019
مقالات مختارة
د. مازن ع. خطاب
د. مازن ع. خطاب
السّعي لصناعة رؤساء الحكومات
منذ استقالة الحكومة في ٣٠ الشّهر الماضي لم يُخفي جبران باسيل سعيه الى “صناعة رؤساء الحكومات”. وقد عيّن نفسه في دور “رئيس لجنة فاحصة” تُجري سلسلة “مشاورات” من أجل تحديد شخص “رئيس الحكومة المُفترض” تمهيداً لـ “تعيينه” من خارج الآلية الدستورية. كذلك سمح باسيل لنفسه بأن يُشرف، على تشكيل “حكومة الخطيب”، التي لن تُبصر النور، ووضع معاييرها وتوزيع حقائبها شروط عملها، بما ينتقص من صلاحية موقع رئيس الحكومة المكلّف لصالح رئيس الجمهورية بهدف تكريس هذه المُمارسة عُرفاً فيما بعد.
ومن خلال بدعة “المشاورات” اكّد السياسيّون وفي طليعتهم باسيل، لا زالوا يتعاطون مع شؤون الحكم كأن شيئا لم يتغير في البلد منذ السابع عشر من تشرين الاول الى اليوم. وذلك من منطلق أن المحاصصة الطائفيّة وتقاطع المصالح الشخصيّة ما زال قائماً، وان الحكومة القادمة ستكون شبيهة لسالفتها، وستضم عدداً لا بأس به من الاسماء الاستفزازية التي تثير غضب الناس ونقمتهم، وكل ذلك يدلّ على الاستخفاف وتجاهل مطالب المواطنين والشارع المُنتفض، لاسيّما حكومة إنقاذ مستقلّة وسياديّة من اختصاصيّين.
في حلقة الاتهامات
يجد جبران باسيل اليوم نفسه في موقع دفاعي أمام اتهامات شعبية قد تطيح بكل طموحاته الرئاسية، وهو الذي يُعد العدة لانتقال رئاسي لا يبدو أنه سيكون سهلاً، كما بدا للوهلة الأولى ما قبل انتفاضة ١٧ تشرين الأول. وكان لافتاً إجماع التظاهرات على الشعارات اللاذعة ضده والتي لم توفر توجيه الاتهامات له بأنه أكبر رموز الفساد في لبنان، إضافة إلى اتهامه بالتبعية لحزب الله واستغلال منصبه الوزاري لتنفيذ أجندات إقليمية تتناقض وموقع لبنان العربي.
كما عرّض باسيل نفسه الى الكثير من الانتقادات بسبب مواقفه واقواله، لا سيّما حين وضع باسيل نفسه وتيّاره في طلائع محاربي الفساد قائلاً “نحن متمسكون بمحاربة الفساد لا بأي كرسي في الحكومة […]”. فكيف يُحارب باسيل الفساد، وهو مهندس محاولة إيصال سمير الخطيب الى السراي، بعد ان كان شخصياً من أكثر الذين هاجموا الخطيب وشركته واتهموه بالفساد، ويكفي مراجعة كتاب “الإبراء المستحيل” الشهير، حيث ذُكر ان “شركة الخطيب وعلمي، وهي الشركة الاستشارية لهيئة الاغاثة متهمة بسرقات بمليارات الليرات”.
واليوم يحاول باسيل الانتقال من موقع الدفاع الى موقف الهجوم في الشارع متسلّحاً بدعم رئيس البلاد له، لكنّه يجد نفسه أمام خياريْن صعبيْن، فإمّا السكوت على التهجمات التي تضرِب سمعته وسمعة التيار يوماً بعد آخر، ما قد يؤدي الى أذيته والعهد. وإمّا تصعيد تياره في الشارع ما سيؤدي الى صدام مع الشوارع الأخرى يُسفر عن خسارة حتميّة لـ”العهد القوي”.
الشارع – الخصم الجديد
لم يُدرك جبران باسيل وزملاؤه السياسيّين الاشاوس تعاظُم دور خصمهم الجديد المُتمثّل بالشعب الرابط في الساحات وفي كل المناطق، والذي بات يشكل معادلة لا يمكن التغاضي عنها بالنسبة الى اركان السلطة التي ينبغي ان تحتكم الى مطالبه. والدليل على ذلك جواب الشارع المُنتفض برفض “صفقة” الخطيب، في ظلّ استنكار شديد بداع تجاهُل مطالبه، وسخط الشارع السُّني بعلة محاولة تطويق وتطويع المركز السُّنّي الأوّل في الدولة اللبنانيّة.
ولم يعُد بإمكان الطُّغمة السياسيّة الاستمرار في تجاهل الشارع والمعايير التي يطالب بها المنتفضين لأن ذلك سيُقرأ من منظور المواجهة والتحدّي. ويُمكن القول ان هذه الطُّغمة بدأت تُدرك أن الشارع المُنتفض لا يرغب بعودتهم وانّه سيعمل جاهداً على اسقاط أي حكومة جديدة تُشارك فيها شخصيّات سياسيّة نافرة كما سالفتها. كما انّ اعتماد الطُّغمة على عامل الوقت لاستنزاف واحباط الانتفاضة او تحويرها عن مطالبها هو هذيان سياسي ورهان خاسر خصوصاً وان المنتفضين قد ردّدوا في الساحات كافّة انهم لم يقوموا بتسليم البلاد لهذه السلطة مرة جديدة، وأن الناس اتّخذوا قرار الاستمرار في تصعيد التحرّكات حتى تحقيق المطالب.
في المحصّلة، يبدو أن الأيام القادمة ستوضح مجموعة من الجوانب العالقة منذ السابع عشر من تشرين الأول لناحية مواقف القوى السياسية الحقيقية وقدرة الانتفاضة على التعامل مع التطورات وقلبها في حال أرادت ذلك. ولكن المؤكد أن الانتفاضة اسقطت وَهم باسيل في «صناعة رؤساء الحكومات»!
أبرز الأخبار