04-12-2019
محليات
نوال تصر
نوال نصر
مساكين… أضرموا النيران في أجسادهم، أو شنقوا أنفسهم، أو ماتوا “فقعاً” كرمى لأطفالهم! فماذا فعلنا بهم؟ ماذا فعلنا لهم؟ مسحنا دمعة نزلت ساخنة، وسرعان ما عادت وبردت، وأدرنا ظهرنا ومشينا؟ هو ضعيفٌ من يحرق نفسه؟ هو مريضٌ من يشنق نفسه؟ هو مقهورٌ كثيراً وقلقٌ كثيراً وفقيرٌ كثيراً كُلّ من يُفكّر بالإنتحار أم هو قدره أن يكون قد وُلد في لبنان الكبير المخنوق بملفاتِ فساد رجال ظنناهم “كباراً”! يا لبنان دخل ترابك… يا للبنان الجميل في الأغنيات! يا للبنان التعيس التعيس حتى الموت! يا لحزنِ جورج وجورج وناجي! ويا لكم من مسؤولين، غير مسؤولين، في بلادنا الحزينة! حالة إنتحار واحدة في العالم كلّ 40 ثانية! حالات الإنتحار تتكرر في لبنان وفي غيره، قبل اليوم وبعد اليوم، لكن، أن يقف إنسان، في عزّ أزمة ويقرر، أمام عيون أطفاله وكل الأطفال، حرق أو شنق نفسه، فهذا يستدعي التمهل، التوقف، والسؤال.
في علمِ النفس يُقال إن للقلق أعراضاً. الهلع الشديد عارض. عدم القدرة على التحكم بالوساوس الفكرية عارض. تصبّب العرق عارض. ضربات القلب السريعة عارض… الشعور، يا عالم، بعدم الأمان أمر غير بسيط. ليس سهلاً على إنسانٍ أن ينام ويستيقظ وهو يحسبُ الدولار، ويقسمه على اللبناني، ويحسب ربطات الخبز التي قد يحتاج إليها أسبوعياً، والمال الضائع والوقت الضائع والعمر الضائع
ناجي الفليطي انتحر بسبب دينٍ قلّ عن مئتي دولار. شنق نفسه لأنه عاجزٌ عن إعطاء ابنته ألف ليرة. فهل هذا عدل؟ هل هذه عدالة؟
زمان، كنا ننتظر الأخبار الجميلة وأصبح يكفينا أن لا أخبار سيئة.
فلنتابع الموضوع.
الإنسان الذي يشعر بالخطر في كلّ لحظة، وهو ذاهب الى العمل، وعائد من المدرسة، ويستعدّ للسفر، ويصلي، ويتناول فطوره، حتى وهو في فراشه، يُصاب بمرضٍ يزيد خطورة عن القلق. يُصاب بالإكتئاب النفسي.
ضحايا الإكتئاب من كلِ الأعمار والطبقات ومن الجنسين. وقد نكون نحن وأنتم من ضحاياه أيضاً ونحن لا نعرف. لِمَ لا ما دمنا نعيش في زمن اللاثقة بكلِ شيء. والسؤال، هل من يزرع الثقة؟ هل من ينصت الى المتألم واليائس والقلق؟ في السياسة فالج. السياسيون لا ينتبهون الى وجع الناس. ماذا عن المجتمع المدني؟ جمعية
Embrace وضعت خطاً ساخناً للإنصات الى من يتألمون من اللبنانيين ومن فكروا، أو قد يفكرون، بالإنتحار. نطلب الرقم 1564 فنسمع على الخط الآخر إجابة: أهلا بكم عبر خط الحياة. الجمعية تعجّ بالإختصاصيين النفسيين الحاضرين دائما لانتشال “القلقين” من الحال الصعبة. وهي تُعدّ محاضرات دورية، في زمن الثورة، في ساحة رياض الصلح تحت عناوين: “كيف يمكن الإعتناء بالذات في الازمات”. و”التعايش مع عدم اليقين”. و”ما بين الفعل وردّ الفعل”. اللبنانيون الذين اختاروا الثورة على كل أشكال الفساد يتشاركون القلق على الحرية وعلى لبنان وعلى الذات، بصوتٍ عالٍ، في جلسات حوارية. تُرى، لو شارك ناجي الفليطي في هكذا جلسات لكان تراجع عن قرار الإنتحار؟ ليا زينون، المديرة التنفيذية للجمعية، تلفت الى أفكار إنتحارية قد تخطر في بال البعض بسبب مشاكل كثيرة تجتاحهم. تستقبل الجمعية إتصالات من كل الفئات العمرية. وهناك أولاد، بين سن العاشرة والثامنة عشرة، يتصلون في هذين اليومين وهم في غاية القلق. الأولاد يشعرون بوجع أهاليهم. يسمعونهم وهم يتحدثون عن إنقطاع السلع الغذائية وعن عدم سداد قسط المدرسة وعن الخوف من فقر وفاقة. الأولاد يشعرون بذات القلق، كما الكبار، لكن لا يفكرون بنفس الطريقة التي يُفكّر بها الأهالي. بمعنى أن الأهالي يقلقون لعدم قدرتهم على سداد القسط بينما الأولاد يقلقون لإمكانية أن يخسروا سنتهم الدراسية.
في الإحصاءات الرسمية، حصلت بين شهري كانون الثاني وآب 2019: 126 حالة إنتحار. والفئة العمرية بين 18 و29 عاما تحلّ في أعلى الفئات التي تشهد حالات إنتحار، تليها حالات الإنتحار ضمن الفئة العمرية بين 30 سنة و39 سنة.
اللبنانيون ينتحرون لأسبابٍ تُعدّ في أذهان البعض سخيفة، غير أنها في الواقع، منهكة. فليس أسوأ من أن يعاني إنسان، شاباً كان أم كهلاً، من متاعب الحياة التي تقذفه الى الإنتحار ولا يجد كتفاً يستند إليه. لهذا، إسألوا بعضكم بعضاً حين تلتقون: كيف الأحوال؟ السؤال يساعد. الإهتمام بالآخر يساعد هذا الآخر على تخطي الأيام الصعبة. “الحكي بيطوّل العمر”. وليقل المدير أو صاحب المؤسسة الى العامل المرهق القلق الخائف: يعطيك العافية. الكلمة اللطيفة لها وقعٌ كبير.
هذا في علم النفس غير أن ما يحصل في الواقع أن الموظف ينتظر بدل الكلمة اللطيفة الإستغناء عنه. فهل تتصورون معاناة موظف يعيش في دائرة الخطر هذه؟ وماذا لو لم يكن موظفا من الأساس؟
شخصٌ من كل أربعة أشخاص معرّض للإصابة بأمراضٍ نفسيّة. اللبناني، الذي يُحبّ الحياة، ليس معرضاً وحده للقلق والكآبة والإنتحار، لكن إذا كان الإنتحار في العالم سببه إضطراب نفسي مرضي فإن كثيراً من اللبنانيين ينتحرون لأسبابٍ لها علاقة بالضائقة الإقتصادية. ثمة كثيرون يطلبون الرقم 1564 ويعبّرون عن قلقهم على نفسهم من تطور حالهم من القلق الى الإنتحار. لكن هل يتكلم من يريد أن ينتحر؟ هل يُعبّر؟ ألا يُقال إن من ينتحر عملياً لا يقول سأنتحر؟ تجيب زينون: هناك أناس آلامهم لا تحتمل لكن إيمانهم يمنعهم من الإقدام على خطوة الإنتحار لهذا يتصلون خوفا من أن يقعوا فريسة القلق ويترجموه، في لحظة تخلّ، الى انتحار.
هل تقدم المرأة كما الرجل على الإنتحار؟ هل يمكننا أن نرى امرأة تحرق نفسها؟ هل تجرؤ امرأة على هكذا تصرّف حتى ولو سقطت بين براثن الإكتئاب الهائل؟ يبدو، بحسب دراسة أعدتها “إيمبريس”، أن وسيلة الإنتحار تختلف بين الرجال والنساء. الرجال يختارون وسائل الإنتحار العنفية مثل الحرق والشنق وإطلاق الرصاص على أنفسهم في حين تختار النساء الإفراط في تناول حبات الدواء لذا يكون نجاح هكذا خطوة نسائية أقل من نجاح انتحار الرجال. وفي النسب، تنتحر النساء في لبنان بمعدل مرتين أكثر من الرجال ويموت الرجال بمعدل مرتين أكثر من النساء.
مشكلتنا في لبنان، كما في كثير من المجتمعات العربية، هي عدم القدرة على التشخيص الجيّد في اللحظة الحاسمة. فنحن لا ننتبه الى أن الأرق له سبب. وأن كثرة النوم لها سبب. وأن الشهيّة الهائلة للطعام لها أيضا سبب. وهناك من يضع القلق الكبير في خانة “ربع جنون” والإكتئاب الشديد في خانة “نصف جنون” اما الإعتراف بالقلق والإكتئاب فهو “جنون كامل”.
قد يحلو للبعض، ممن يرغبون باستبعاد مسؤولياتهم من شواء جسد جورج زريق ومن الحبل الذي لفّ رقبة ناجي الفليطي، إدراج حالات الإنتحار في خانة “الحالات المرضية” لكن هل لهؤلاء أن يسألوا: لماذا ليس في جيب ناجي، ابن عرسال، ألف ليرة ولماذا ليس في قدرة جورج، ابن بكفتين الكورة، أن يحلم؟ جورج وناجي ماتا ليرتاحا. هناك ما هو أخطر من كل هذا، وهي المعلومات التي ضمنتها دراسات أشارت الى أن 15 في المئة من الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 عاماً و15 عاماً فكروا جدياً بالإنتحار. فانتبهوا جداً الى هذه النقطة. وهناك شخص يموت كل ثلاثة أيام في لبنان بسبب إقدامه على الإنتحار.
إنتهى الموضوع. مهلا. خبرٌ جديد. أهالي البيرة يحاولون إقناع اللبناني م. م. كي لا يحرق نفسه بسبب الأوضاع النفسية. هل علينا أن ننتظر بعد من تكون نهاياتهم كما نهاية جورج وناجي؟ الإنتحار يا جماعة ما عاد مجرد ظاهرة.
علامات الضغط النفسي على الأزمات
غثيان وفقدان للشهية وآلام ليس لها سبب واضح.
الشعور الدائم بالقلق والخوف.
الغضب أو العصبية المفرطة.
الانعزال أو الإنسحاب من المواجهات والتوقف عن الكلام.
الشعور بالحيرة والذنب وعدم القدرة على الإهتمام بالذات وبالآخرين.
عدم القدرة على اتخاذ القرارات حتى البسيطة.
ثورة؟ هكذا تهتمون بأنفسكم – لديكم أسئلة كثيرة وعلامات استفهام ومخاوف وتوجسات وكثير كثير من القلق؟ شاركوا بمساحات النقاش واطرحوا كلّ ما تشاؤون وتشاركوا في البحث عن الحلول مع من يشاركونكم نفس القلق والغضب.
– إبتعدوا قليلا عن صفحات التواصل الإجتماعي وعن كل من يبث فيكم ذبذبات سلبية. ساعتان أو ثلاث من دون هاتف «رح تغيّر كتير».
– أطفئوا هواتفكم. أطفئوا أجهزة التلفزيون. وناموا. النوم العميق يساعد في توازن المزاج.
– تتبعون ريجيماً غذائياً صارماً؟ هذا ليس وقته. تناولوا ثلاث وجبات منتظمة متوازنة. هذا سيساعدكم أيضاً.
– تذكروا أنكم قادرون على مساعدة من حولكم، مهما كان القلق الذي يجتاحكم. إستعينوا ببعض الكلمات اللطيفة مثل: شكراً. يعطيكم العافية. لو سمحتم. عن إذنكم. الكلمات اللطيفة في هذه الأوقات لها وقع كبير.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار