مباشر

عاجل

راديو اينوما

الديار : انعكاسات الأزمة السياسية على القطاع المصرفي ومدى ‏تداخلها في أزمة الدولار أزمة الليرة والمصارف سياسية بامتياز وأبعادها تتخطّى ‏الأسس الإقتصادية الترويج للهيركت يدخل في خانة الهروب إلى الأمام ولن يكون ‏لها أي أفق

04-12-2019

صحف

 ‎أصبح من المعروف أن ملف تشكيل الحكومة عالق بين الرغبات الأميركية ومعارضة حزب الله. ‏فمن جهة يُطالب الجانب الأميركي بحكومة إختصاصيين لا يكون لحزب الله كلمة فيها، ومن جهة ‏أخرى يرفض حزب الله هذا الطرح بإعتباره إستهدافًا واضحًا للحزب يهدف إلى تحجيمه على ‏الساحة السياسية.‏ 



وهنا تظهر صعوبة تشكيل الحكومة التي قد تأخذ شهوراً طويلة في حال بقي كل طرف على ‏موقفه. لذا يأتي التأخير في الدعوة إلى الإستشارات المُلزمة وبالتالي التكليف، كخيار قام به فخامة ‏رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتفادي الوقوع في حكومة تصريف أعمال لا تستطيع مواجهة ‏تحدّيات الساعة.‏ 


الملف النفطي، ترسيم الحدود، النزوح السوري، اللاجئين الفلسطينيون، الوجود الإيراني في ‏سوريا... كلها ملفات فرضت نفسها (أو تمّ فرضها!) في عملية تشكيل الحكومة التي من المفروض ‏أن تكون أولويتها بدون أدنى شك الملف الإقتصادي والمالي.‏ 


هذا الإشتباك السياسي قسم الساحة السياسية اللبنانية بين قوى سياسية تؤيّد فكرة حكومة ‏إختصاصيين بعيدًا عن الأحزاب وأعلنت عدم مُشاركتها في الحكومة (القوات اللبنانية، الكتائب ‏اللبنانية، الحزب الإشتراكي؟، المُستقبل؟)، وقوى أخرى تؤيّد وجهة نظر حزب الله أي حكومة ‏تكنوسياسية لمواجهة التحدّيات السياسية التي تفرضها الملفات الآنفة الذكر (التيار الوطني الحرّ، ‏حركة أمل، المردة...).‏ 


الولايات المُتحدة الأميركية أعلنت بعدة قنوات أن خيار حكومة "موالية لحزب الله" سيكون له ‏تداعيات سياسية، إقتصادية، مالية وإجتماعية. ولعل تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ‏أحدّ أكثر القنوات الواضحة لخيار حكومة مواجهة، حيث أن التقرير قام بعملية وصف لما ستكون ‏عليه الأمور من خلال تحويل لبنان إلى "فينزويلا الشرق الأوسط". وبحسب هذا التقرير، حكومة ‏المواجهة ستؤدّي إلى عملية عزل للبنان من قبل الولايات المُتحدة الأميركية وذلك من خلال وقف ‏كل المُساعدات الأميركية والدولية إلى لبنان وبالطبع تشغيل أداة العقوبات التي تُشكّل سلاحًا أخطر ‏من السلاح التقليدي.‏ 


وما تصريح وزير الخارجية الأميركي بومبيو أول من أمس عبر قوله "إيران هي العامل ‏المشترك وراء الإحتجاجات في جميع أنحاء الشرق الأوسط... إنهم يريدون أن يخرج حزب الله ‏وإيران من بلادهم ومن نظامهم الذي يمثل قوّة عنيفة وقمعية..."، إلا دليل على التصميم الأميركي ‏على التضييق على حزب الله ومحاربة النفوذ الإيراني الذي ترى فيه واشنطن تهديدًا لها ‏ولمصالحها.‏ 


عمليًا التجاذبات السياسية تؤدّي إلى تأخير تشكيل الحكومة التي يعتبرها المُجتمع الدولي المُفاوض ‏الوحيد لأي طلب مساعدة. وفي ظل غياب هذه الحكومة، لا يُمكن بأي شكل من الأشكال الحصول ‏على مُساعدات خارجية. هذه الأخيرة هي ضرورة قصوى لدعم المالية العامة التي تُشكّل الخطر ‏الأول على الكيان اللبناني في الوقت الحالي.‏
فعقود من السياسات الإقتصادية "الفاشلة" ولّدت نظام إقتصادي "ساقط" يفتقد إلى أدنى مقومات ‏الإقتصادات الحديثة مع تعلّق بنسبة كبيرة جدًا بالإستيراد (أكثر من 85% من الإستهلاك الغذائي ‏مُستورد) مع حجم يفوق الـ 20 مليار دولار أميركي سنويًا. وهنا السؤال الأساسي: كيف يُموّل ‏لبنان دولارات هذا الإستيراد؟ 


حتى وقت قريب، كان مصرف لبنان من خلال السياسة النقدية هو من يستقطب الدولارات ويُموّل ‏هذا الإستيراد. فالصادرات اللبنانية، والسياحة اللبنانية (مداخيل بالدولار الأميركي) لم تكن كافية ‏في يوم من الأيام لتغطية الإستيراد الذي أخذ أبعادًا كبيرة بعد بدء الأزمة السورية وفرض عقوبات ‏على سوريا. وعزى البعض الزيادة في هذا الطلب إلى أن هناك 1.5 مليون نازح سوري ‏يستهلكون في لبنان بالإضافة إلى عمليات إستيراد بهدف تغذية السوق السوري الخاضع للعقوبات. ‏هذا الأمر دفع مصرف لبنان إلى زيادة إستقطاب الدولارات حيث أصبح عجز الميزان التجاري ‏يوازي 17 مليار دولار أميركي ويُشكّل خطراً وجيهاً في إنهيار النظام المالي اللبناني في أي ‏لحظة.‏ 


إذًا نرى مما تقدّم أن التعلّق اللبناني بالإستيراد وبتدفّق العملات أصبح مُطلّقاً. وبالتالي وبدون تدفق ‏دولارات من الخارج، من المُستحيل المُحافظة على الليرة اللبنانية وفي نفس الوقت تمويل ‏الإستيراد. هذا الأخير زاد بشكل مأساوي في الأشهر الست الأولى من العام 2019 مع إستيراد ‏محروقات بكمية تفوق إستيراد كل العام 2018! من هنا ضغط الأميركيون في إتجاه تقليص تدفّق ‏الدولارات إلى لبنان بالتوازي مع فرض عقوبات على جمّال تراست بنك مما سبب هلع المودعين ‏ودفعهم إلى تخزين أكثر من 4 مليار دولار أميركي في منازلهم!‏ 


أيضًا لعب الفساد المسشتري في لبنان دوّرًا سلبيًا جدًا في تردّي الأوضاع المالية مع زيادة العجز ‏بنسب تاريخية فاقت الـ 6.2 مليار دولار أميركي مع غياب أي إجراء إصلاحي مما زاد طلب ‏الدوّلة على الأموال بشكل غير مسبوق (15 مليار دولار أميركي للدّولة اللبنانية في العام ‏‏2019!!). وبالتالي يُمكن القول أن تحميل مصرف لبنان مسؤولية السياسة الإقتصادية هو خارج ‏السياق ويأتي من باب إيجاد "كبش محرقة" لا أكثر ولا أقلّ.‏ 


مما تقدّم نرى أن مُفتاح اللعبة كلها هو الدولار الأميركي الذي يعتمد عليه الإقتصاد اللبناني والمالية ‏العامة بشكل كبير. ويكفي للولايات المُتحدة الأميركية فرض عقوبات أو تضييق على مجيء ‏الدولارات إلى لبنان، ليُدّخل هذا الأخير في أزمة إقتصادية ومالية ونقدية وإجتماعية.‏ 


المصارف اللبنانية، وعلى الرغم من بعض التصرّفات غير المُبرّرة التي قامت بها، لا يُمكنها تلبية ‏كل الطلب على الدولار الأميركي بحكم أن تلبية هذا الطلب يعني من دون أدنى شكّ إنهيار النظام ‏المالي. كذلك الأمر لمصرف لبنان الذي إذا أراد أن يُلبي كل الطلب على الدولار، سيشّهد ‏إستنزاف لإحتياطاته من العملة الأجنبية وبالتالي سيؤدّي إلى إنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية. ‏ولم يُساعد المودعين في هذا الأمر، إذا تهافتوا على سحب ما يستطيعون من أموالهم من ‏المصارف وهو ما دفع إلى تقييد حركة الدولارات إلى الخارج وبالكاش.‏ 


من هنا يُمكن الإستنتاج أن تفاقم سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية لدى الصيارفة نابع من ‏مُشكلتين أساسيتين: الأول إنخفاض التدفقات الخارجية بالدولار الأميركي، والثاني الطلب الهائل ‏على الدولارات من قبل المودعين والتجار.‏
من هنا نطرح السؤال، هل ترويض القرار السياسي اللبناني يمرّ عبر خلق أزمة دولار؟
بفرضية أن خلق أزمة الدولار الأميركي في السوق اللبناني هو لترويض القرار السياسي اللبناني، ‏يُمكن القول أن القوى السياسية هي من يتحمّل مسؤولية إعطاء الخارج القدرة على التأثير وذلك ‏من خلال إعتماد الإقتصاد اللبناني على الإستيراد وعلى تدفق الدولارات. وكل قول مُخالف يدّخل ‏في خانة الدفاع لا أكثر ولا أقل. فبعد ثلاثة عقود على إنتهاء الحرب الأهلية، نرى الفساد ‏المُستشري في الكيان اللبناني الذي تحوّل إلى صورة عن الأحزاب السياسية وهذا يطال القطاع ‏العام والخاص. وبدل خلق ماكينة إنتاجية مُتطوّرة أخذت القوى المؤثرة (بغطاء سياسي) بخلق ‏محميات للإستيراد مع إحتكار يخضع لمبدأ "ستة ستة مكرّر"، وأصبح من شبه المُستحيل على ‏المستثمر الذي يُريد الإستثمار في لبنان من تخطي بدعة التراخيص التي شارك فيها السياسيون ‏بعض أصحاب النفوذ.‏ 


إذًا لم يكن بالأمر "الذكي" من قبل القوى السياسية تحدّي القوى العظمى من دون التمتّع بحدّ أدنى ‏من الإكتفاء الذاتي. وبالتالي نرى أن إحتمال إستخدام الدولار لترويض القرار السياسي هو أمر ‏سهل بالنسبة للخارج خصوصًا الولايات المُتحدة الأميركية.‏ 


أين المواطن من كل هذا؟ المواطن اللبناني هو ضحية اللعبة السياسية التي أوهمته على مرّ عقود ‏أنها تضع خططاً وتعمل لصالح الوطن والمواطن. هذا الأخير يتحمّل نتيجة خياراته في صناديق ‏الإقتراع والتجديد المتواصل للقوى التي لم تنجح على الصعد الإقتصادية والمالية والإجتماعية.‏ 


الواقع اللبناني اليوم يتّجه إلى الأسوأ مع إحتمال تصعيد واشنطن لعميلة التضييق على تدفقات ‏الدولار الأميركي إلى لبنان. وقد تطال هذه التضييقات، إجراءات للتضييق على تحاويل المُغتربين ‏اللبنانيين والذي يلعب الإعلام العالمي دورًا سيئًا فيه من خلال القول أن الأموال التي تُرسل إلى ‏لبنان يتمّ حجزها وأن ذوي المُغتربين لا يأخذون إلا قسماً من هذه الأموال وأن هناك هيركت على ‏هذه الأموال وغيرها من الأمور.‏ 


وبالحديث عن الهيركت (‏Haircut‏)، نرى أن هذا الإجراء هو "ضحك على الذقون" إذ يتوجّب ‏طرح السؤال التالي: إفترضنا أن المواطن اللبناني قبل بالهيركت لـ 50% من أمواله، ما هي ‏الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة اللبنانية بعد ذلك؟ الجواب لا شيء وبالتالي أي عملية هيركت ‏هي خيار سيء يُظهر أن صاحب القرار إما لا يعرف أو يُريد أخذ هذه الأموال لنفسه.‏ 


إن أي عملية هيركت مهما كان نوعها يجب أن تقترن بمواكبة دولية (مثل مواكبة صندوق النقد ‏الدولي) مع خطة واضحة على العشر سنوات القادمة لما يجب القيام به لتحويل الإقتصاد إلى ‏إقتصاد مُنتج مع المُحافظة على ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية لما لتعويمها من ضرر إجتماعي ‏قد يُوصل نسبة الفقر في لبنان إلى أكثر من 50%!‏
لذا رأفة بالناس يجب التوقّف عن نشر معلومات خاطئة للمواطن! المُشكلة التي يمرّ بها لبنان هي ‏مُشكلة سياسية بإمتياز وتتعلّق بخيارات لبنان السياسية. وبالتالي، هناك إحتمالين: الأول قبول ‏الرضوخ للإرادة الدوّلية وعلى رأسها الأميركية والمُشكلة ستُحلّ في ظرف يومين. والثاني رفض ‏الرضوخ للإرادة الدولية وهنا يتوجّب معرفة أن الثمن الإجتماعي سيكون مُرتفعًا إذا لم يكن لدى ‏الفريق المعارض من خطّة لتدارك تداعيات عقوبات أميركية على القطاع المصرفي اللبناني.‏

services
متجرك الإلكتروني في أقل من عشرة أيام!

انطلق من حيث أنت واجعل العالم حدود تجارتك الإلكترونية…

اتصل بنا الآن لنبني متجرك الإلكتروني بأفضل الشروط المثالية التي طورتها شركة أوسيتكوم؛ أمنًا، سعرًا، وسرعة.
اتصل بنا

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.