20-11-2019
محليات
عماد مرمل
عماد مرمل
تُبيّن مراقبة سلوك «حزب الله» في مواجهة استحقاقات ما بعد 17 تشرين الاول وقبله، أنه يحاذر الانفعال في خياراته، ويسعى الى المواءمة قدر الامكان بين صلابة تمسّكه بثوابته على المستوى الاستراتيجي والمرونة الضرورية في التعامل مع الواقع اللبناني وتعقيداته.
ويتوقف المطلعون على نمط تفكير «الحزب» عند مجموعة من المحطات التي تعكس براغماتيته، خلافاً لِما توحي به «ثيابه المرقطة»، معدّدين بعض الأمثلة على ذلك، ومن بينها:
- إستقالة الرئيس سعد الحريري: على الرغم من أنّ الحريري «خَذل» شركاءه في التسوية وأسقط الحكومة الائتلافية بالضربة السياسية القاضية عبر استقالته المفاجئة التي خلطت الاوراق في لحظة داخلية وإقليمية شديدة الحساسية، ولا تتحمل ترف الانقلابات حتى لو كانت «ناعمة»، فإنّ «الحزب» استوعَب «حراك» الحريري ولم ينزلق الى معركة جانبية معه، متجاوزاً مآخذه على خطوته المباغتة بقلب الطاولة وما أفرزته من علامات استفهام وتعجب.
أكثر من ذلك، ومع بدء مفاوضات التكليف، بَدا أنّ الحريري هو مرشح الحزب المفضّل الى رئاسة الحكومة المقبلة، وخياره المتقدم على الأسماء الأخرى، فقدّم له أقصى التسهيلات الممكنة لتحفيزه على العودة الى السراي، وصولاً الى القبول بتشكيلة حكومية يكون ثلثا أعضائها من التكنوقراط، لكنّ الحريري أصرّ على رفض هذا الطرح مشترطاً ان تتشكّل أيّ حكومة برئاسته من الاختصاصيين حصراً.
- تفادي الفتنة: يعتبر القريبون من «الحزب» أنه تعامل بكثير من ضبط النفس مع ظاهرة استسهال قطع الطرق أخيراً، خصوصاً الدولية منها، كأوتوسترادي الجنوب والبقاع اللذين يشكلان بالنسبة الى بيئته شرياناً حيوياً لا يمكنه أن يتحمّل انسداده، مشيرين الى انّ الحزب «صَبر على الضغوط التي تعرض لها العابرون، وتفادى أيّ رَد فعل قد يهدد بالتدحرج نحو الفتنة، لاسيما انّ الذين تولّوا إغلاق الطرق ينتمون الى بيئات مذهبية وسياسية مغايرة».
- مكافحة الفساد: يلاحظ المحيطون بالحزب انه «يلحّ على الاحتكام الى القضاء والتشريعات في معركة مكافحة الفساد، واستعمال «المعابر القانونية» للوصول الى الحقائق المتعلقة بالارتكابات المالية، مخالفاً بهذا المنحى المؤسساتي ما يتمنّاه المستعجلون والمتحمّسون ممّن يحرّضونه على استخدام فائض قوته لمحاسبة الفاسدين، ويأخذون عليه أنه لا يحقق انتصارات حاسمة على هذه الجبهة الداخلية، كما كان يفعل في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي».
- الحراك الشعبي: يلفت القريبون من «الحزب» الى أنه «يبدي في أدبياته حرصاً على تَفهّم الحراك الصادق ودوافعه المطلبية المشروعة، وبالتالي هو يتجنّب تحويل الانتقادات لبعض مظاهره وشعاراته الى عدائية لكل الجسم المنتفض، مفرّقاً بين المحتجّين العفويين وأولئك المندسّين في التظاهرات والساعين الى استثمارها لتحقيق أجندات سياسية».
ويعتبر هؤلاء انّ «رباطة الجأش» التي طبعت سلوك عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي عمّار أمس، بعد مبادرة مجموعة من الحراك الى منعه من الوصول الى مقر مجلس النواب، تُترجم قرار الحزب باستيعاب ما يجري في الشارع وتفادي الانزلاق على «قشور الموز»، «علماً انّ عمار معروف بأنه «سريع الاشتعال» وبأنّ حماسته واندفاعته تسبقانه أحياناً، إلّا انه نجح هذه المرة في السيطرة على أعصابه، بل صفّق للمحتجّين الذين كانوا يحيطون به».
وهناك من علّق على هذا المشهد بالقول إنّ النائب الذي يمثّل حزباً مدجّجاً بترسانة عسكرية تصرّف بحكمة وواقعية، في حين أنّ مرافقي شخصية أخرى لم يترددوا في استخدام السلاح وإطلاق النار لتفريق المتظاهرين وفتح ممر لتلك الشخصية.
ويقول عمار لـ«الجمهورية» انه مزجَ، خلال مروره في وسط المتظاهرين، بين الصبر والحكمة من جهة، والتحسّس بوجع المتظاهرين ونبض الشارع من جهة أخرى، موضحاً انه استحضر في تلك اللحظة معادلتين هما: «انّ مع الصبر نصراً»، و«تَواصوا بالحق وتَواصوا بالصبر».
ويؤكد انه لم يشعر بتاتاً بالاستفزاز او الانفعال نتيجة هتافات المحتجين وتصرفاتهم، بل كنتُ أشق طريقي بينهم بكل ثقة، انطلاقاً من قول عمر بن الخطاب «أمِنت فنمت»، موضحاً انه كان الى جانبه مرافق واحد.
ويشير الى انّ «حزب الله» «قرر التصدي لملف مكافحة الفساد، بلسان أمينه العام، وهو مستمر في خوض هذا التحدي بكل ما يتطلبه من جهد وإصرار».
وفي رسالة حادة الى المؤسسة العسكرية والقوى الامنية، يقول عمار متهكماً: لا يسعني إلّا أن أهنئ قيادة الجيش ومديرية قوى الامن الداخلي على نجاحهما في حماية المتظاهرين، ومساهمتهما الفعّالة في قطع الطرق أمام سعي السلطة التشريعية الى إقرار القوانين التي تلبّي المطالب المحقة للمحتجين.
ويلفت الى انه لم يتمكن من الوصول الى المجلس النيابي، على الرغم من الاستعانة بدراجة نارية، «لأنّ قوى الجيش والأمن الداخلي نجحت في القيام بواجباتها!»
أبرز الأخبار