04-11-2019
مقالات مختارة
علي الامين
علي الامين
لذا كان المثال الشيعي في ثنائيته المفضية الى أحادية، المدرسة والمثال للعونية السياسية، تمثلته في سلوكها وخطابها وفي التبشير به داخل الجماعة المسيحية، على هذه الخطى وهذا الركب انطلقت العصبوية العونية، فكان جبران باسيل القائد الميداني لهذا التيار، والساعي الى استغلال الدولة والسيادة والدستور والقانون في سوق المحاصصة باسم حقوق المسيحيين، كان الرئيس نبيه بري النموذج الذي سار الوزير باسيل في ركبه، بالطبع ليس المقصود هنا ان العلاقة كانت طيبة بين الرجلين بل العكس تماماً، انما المقصود هو المنهجية التي تقوم على الاستفادة من الدولة ومواردها وسيادتها في سياق بناء زعامة طائفية تتناقض في وجودها ونظام مصالحها مع الدولة ومع كل ما هو متصل بتهميش القانون والقضاء والمواطنية، لمصلحة الزبائنية التي تبني سلطة فوق الدولة وعلى حسابها باسم الطائفة او المذهب او الحزبية الفئوية.
على هذا المنوال بنت العونية السياسية قوتها ونفوذها، وأثبت لها طريق وصول الرئيس ميشال عون الى سدة الرئاسة الاولى، ان هذا الطريق يوصل الى المبتغى ولو كان على حساب تعطيل الانتخابات الرئاسية لعامين ونصف العام، وعلى حساب العبث بالدستور، وبتمريغ انف الدولة في وحول الاستنسابية والاستباحة باسم الطائفة واستعادة الحقوق، والرئيس القوي
بهذا المعنى لم يكن ليتوقع المراقب ان المعادلة التي اوصلت العونية السياسية الى الرئاسة الأولى، يمكن ان تنقلب في زمن “الرئيس القوي” الى ما هو مختلف عن طريق وصولها، اي ان وسائل الوصول كانت هي نفسها وسائل السلطة، لذا لم تكن للدولة مكانتها في برنامج ما بعد الرئاسة، لم يكن الاصلاح ديدنها ولا مكافحة الفساد عنواناً من عناوين سلوكها، بل المزيد من الشيء نفسه، اي استعادة الحقوق، وهو ما اسس له “التيار الوطني الحر” بدعم من “الأخ الأكبر” لقانون انتخاب يلبي المزيد من الاصطفافات الطائفية من جهة، ويوفر القدرة على ادارة هذه الاصطفافات لمصلحة ترسيخ العونية السياسية، بما هي سلطة نمت على مسار مغاير لتعزيز الدولة ومؤسساتها، يكرر بعض مناصري الرئيس بري مقولة قالها قبل اكثر من ربع قرن، انه “جاهز لعدم المحاصصة في الدولة ولكن اذا رفضتم فانا اول محاصص، وانا جاهز لالغاء الطائفية السياسية ولكن اذا رفضتم فانا اول طائفي في سوق السياسة”….مؤدى هذا الكلام هو تبرير استباحة الدولة، واضعافها. لم يكن باسيل بعيداً عن هذا القول المريب، بل تبناه وسار به، متوهماً انه سيحقق مبتغاه في الرئاسة الأولى التي يطمح لتوليها. “العونية السياسية” التي تتكسر تحت ضربات التاريخ والجغرافيا، كما الماضي والحاضر والمستقبل، فقدت توازنها بالكامل، وكان من أحد تجلياتها ما حصل أمس في بعبدا، حيث استعاد “التيار الوطني الحر” قصر الشعب على طريق قصر بعبدا، وارتكب خطأ سياسياً جسيماً فدشن شارعاً مقابل شارع، وبقطع النظر عن خطورته، فقد أسقط فوراً عن رئيس الجمهورية صفة الحكم وحوله إلى طرف وذلك كله كرمى لعيون باسيل. فقد عمدت قيادة التيار إلى تجييش قواعدها لزحف نحو بعبدا دعماً للرئيس الذي سرعان ما تبين أنها لتعويم باسيل، وقد أصيبوا بخيبة أمل كبيرة بالنظر إلى حضور أعداد “خجولة” لا تليق بالمناسبة، لا تكاد تملأ الشارع المؤدي إلى القصر، و”زاد في طينهم بلة” المقارنة الحكمية مع الحشود الهائلة التي غصت بها ساحتا الشهداء ورياض الصلح، وليس فقط على مستوى العدد أنما أيضاً من حيث التنوع في مكوناته، وليس من “لون” واحد.
واستكمالاً، يأتي خطاب باسيل امس في بعبدا أيضاً، الذي كان مهجوساً بالبحث عن سلاح جديد، بعدما تهاوت اسلحة اللعب بالعصبيات واستثمار العصبية مسيحياً، لم ترد على لسانه كلمة حقوق المسيحيين كما كانت العادة في خطاباته المشابهة. ذهب الى الفساد والمحاسبة، وهو الشعار الذي صار في يد الشارع الذي بات شديد العزم في مواجهة السلطة وألاعيبها واهاناتها للعقل والمواطنين.
“العونية السياسية” فقدت بوصلتها وهي كما القوى السياسية التي شاركتها التحاصص والفساد، عاجزة عن فعل ما يعيد لها فرص الاستمرار في السلطة، من دون ان يزيد ذلك من تصدعها واستنزافها، عاجزة عن السير في ركب محاسبة الفاسدين، لأنها متورطة فيه، وعاجزة عن تجديد تحالفاتها السلطوية لأن السلطة سقطت في الشارع وفقدت ما تبقى من ثقة في الداخل والخارج. وظيفة الحشد في بعبدا كانت محاولة احتماء وفعل تخف ومؤشر انهيار لمنظومة “العونية السياسية” التي اسس لها تفاهم مار مخايل، وعزز من هويتها الفئوية، الى الحدّ الذي يمكن القول انها فقدت الكثير من قيمتها ووزنها في خضم الانتفاضة اللبنانية، وتداعي فرص المشاريع التي قامت على ان الدولة هامش والحزب او الطائفة هما متن الحياة في لبنان.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار