27-10-2019
محليات
بتراجع عن التوقعات العددية «المليونية» للتظاهرات، لكن على وعد بحشود كبرى اليوم. في المقابل، تمضي السلطة في ارتباكها وسط تعامل أطرافها من منطلق عدم الرغبة في إدخال البلاد في الفراغ والمجهول. ويتعزز هذا الارتباك مع صعوبة بتّ فكرة التعديل في الحكومة أو تغييرها، في ظل الخطّ الأحمر الذي رسمه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول الفراغ وإسقاط العهد. وفيما كان أهل السلطة يتمسّكون بخيار عدم الذهاب إلى أي خطوة تنفيذية من نوع إسقاط الحكومة من دون ضمان تفاعل الشارع معها إيجاباً، فإنهم من جهة أخرى كانوا يبحثون مع الجهات الأمنية إمكان فتح الطرق المقطوعة، مع الحذر من المدى الذي سيبلغه أي اصطدام مع المتظاهرين.
وبينما تواصلت الاعتصامات في عدد من الساحات في العاصمة بيروت وعدد من المدن والقرى، عُقد صباح أمس اجتماع ضم كلاً من قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، حيث تم الإشراف على خطط العمليات المتعلقة بفتح الطرقات وتوزيع المهام على القوى المشتركة. وبحسب المعلومات، تقرر مشاركة كل الأجهزة في خطة فتح الطرقات لتجنيب الجيش «الإحراج» وتحميله وحده المسؤولية. انتشار القوى الأمنية في مختلف المناطق، نجَم عنه عمليات كر وفر حصلت مع المتظاهرين، ولا سيما في المناطق التي أصرّ فيها المواطنون على افتراش الطرق كما في «الرينغ» و«الشيفروليه» في بيروت.
أما على الجانب السياسي، فتوالت في الساعات الماضية تقارير عن مصير الحكومة في ظل الموقف الغامض للرئيس سعد الحريري. إذ فتح اجتماع المكتب السياسي لتيار «المستقبل» السؤال حول إمكانية استقالة الحريري، ولا سيما أن القيادي في التيار مصطفى علوش خرج بعدَ لقاء مع رئيس الحكومة وتحدث من «بيت الوسط» قائلاً: «هناك ثمن سياسي يجب أن يدفع للبنانيين، وهناك انتقال حتماً في السلطة، إما تغيير حكومي جذري، وإما حكومة جديدة قد لا يكون الحريري رئيسها». وتابع علوش إن «الساعات الأربع والعشرين المقبلة ستكون حاسمة لأننا حريصون على الوضع النقدي وعلى الليرة، ولا نريد الانتقال الى حالة أخرى وترك البلد بالفوضى». مصادر في التيار أكدت أن «المكتب السياسي ناقش هذا الأمر، وفهم أن الرئيس الحريري قدم طرحاً بتبديل وجوه وزارية؛ أولها جبران باسيل، ومن ثم الوزراء: علي حسن خليل، محمد شقير وجمال الجراح، فيما لا يمانع رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط استبعاد الوزير وائل أبو فاعور.
ما جرى في البداوي يطرح الكثير من الأسئلة، وخاصةً لجهة استسهال إطلاق النار على المتظاهرين
وسينتظر الحريري 48 ساعة قبل اتخاذ أي قرار». وأكدت المصادر أن «علوش الذي صرّح بهذا الكلام بعد جلسة جمعته بالرئيس الحريري فور انتهاء اجتماع المكتب السياسي، لا يُمكن أن يكون قد اجتهد من رأسه»، من دون جزم ما إذا كان الحريري سيتقدم باستقالته فيما لو رُفض طرحه. من جهة أخرى، أكدت مصادر مطلعة أن «لا تعديل وزارياً في الأفق، وأن حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر يرفضون حكومة أمر واقع تحت ضغط الشارع والذهاب الى الفراغ»، كما أن أحداً «لا يضمن عودة الحريري لترؤس حكومة جديدة في حال الاستقالة». ولفتت المصادر الى أن «الحريري يهدف من التعديل إلى استبعاد باسيل، فيما الأخير يقرن خروجه من الحكومة بخروج الحريري منها»، مشيرة إلى أن «الحريري لن يستقيل إلا إذا طلب إليه الأميركيون ذلك، وحتى الآن لا معلومات بأنه يتعرض لضغط سوى في موضوع عدم التعرض للمتظاهرين». وبعد تردد معلومات عن إبلاغ الحريري كل مَن يعنيهم الأمر أنه لن يتأخر عن تقديم استقالته عند سقوط أي نقطة دم، كان لافتاً ما جرى في منطقة البداوي يومَ أمس، حيث حاولت قوّة كبيرة من الجيش فتح الأوتوستراد الدولي، الذي يربط طرابلس بالمنية وعكار، وصولاً إلى الحدود السورية وحصل تدافع مع المحتجين الذين رموا العسكريين بالحجارة، فأطلقت قوة الجيش النار باتجاههم، ما أدى الى سقوط جرحى، اثنان منهم أصيبا في البطن. وبعدَ ذلك، أوقف الجيش «قائد محور البداوي»، عامر أريش، قبل أن يتم إطلاق سراحه، رغم كونه مطلوباً بعدد من المذكرات العدلية. ما جرى في البداوي، والذي انعكس سلباً على عدد المتظاهرين في ساحة النور في طرابلس، يطرح الكثير من الأسئلة، وخاصة لجهة استسهال إطلاق النار على المتظاهرين، حتى لو أنهم رشقوا الجيش بالحجارة.
وفيما طالب الحريري الجيش بفتح تحقيق لكشف ما جرى، أصدرت قيادة الجيش بياناً قالت فيه: «على إثر إشكال وقع في منطقة البداوي ــــ طرابلس، بين مجموعة من المعتصمين على الطريق وعدد من المواطنين الذين حاولوا اجتياز الطريق بسياراتهم، تدخلت قوة من الجيش لفضّ الإشكال فتعرضت للرشق بالحجارة وللرمي بالمفرقعات النارية الكبيرة، ما أوقع خمس إصابات في صفوف عناصرها، عندها عمدت القوة إلى إطلاق قنابل مسيلة للدموع لتفريق المواطنين، واضطرت لاحقاً بسبب تطور الإشكال إلى إطلاق النار في الهواء والرصاص المطاطي حيث أصيب عدد من المواطنين بجروح. وقد استقدم الجيش تعزيزات أمنية إلى المنطقة وأعاد الوضع إلى ما كان عليه، وفتح تحقيقاً بالموضوع».