25-10-2019
صحف
داعياً للقاء مَن يمثل ساحات الاحتجاج لفتح حوار معهم حول مطالبهم، وفيما لم تتلقَّ الساحات كلمة رئيس الجمهورية بردات فعل تحدث اختراقاً في المسار المقفل سياسياً، بدا أن البحث في التعديل الحكومي يتقدّم على مستوى الكتل الكبرى، حيث حدّد كل من حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، هدفاً للتعديل هو حكومة من دون وزير الخارجية جبران باسيل. وقالت مصادر مطلعة إنه في الوقت الذي وافقت القوات على البقاء خارج الحكومة وتعيين بدلاء لا يعارضونها بدلاً من وزرائها المستقيلين أو تصغير الحكومة باستقالات موازية من الوزراء المسلمين، لتمنح دعمها للحكومة المعدّلة، إذا تحقق شرط إخراج باسيل منها، أبدى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الاستعداد للتضحية بالوزير أكرم شهيب في تعديل حكومي يُخرج باسيل، ويخرج بموجبه وزيران من كل من الوزراء الشيعة والسنة، لمصلحة حكومة عشرينية. وقالت المصادر إن رئيس الحكومة سعد الحريري الذي اتصل برئيس الجمهورية مؤيداً دعوته لإعادة النظر بالوضع الحكومي، لا يمانع مثل هذا التعديل لكنه يخشى المجاهرة به قبل نضجه، تحسباً لخسارة العلاقة مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، ويحاول عبر رئيس مجلس النواب تسويق الطرح، واستكشاف موقف ثنائي حركة أمل وحزب الله ليتخذ القرار بالخطوة التالية، بينما قالت المصادر إن حزب الله رفض الفكرة بالمطلق واعتبر أن وراءها محاولة لمعاقبة باسيل على مواقفه الخارجية وليس على المواقف الداخلية التي لا يتفق الحزب معها كلها بالضرورة، لكنه لا يراها سبباً كافياً للحملة المنظمة لتغيير حكومي تحت شعار المطلوب رأس باسيل إلا إذا كان الأمر تلبية لطلب خارجي يتصل بمواقف باسيل من المقاومة وسورية في المحافل الدولية.
بالتوازي راوحت المعالجات مكانها سياسياً وأمنياً ومالياً. فالحديث عن مكافحة الفساد حلّ مكانه الحديث عن التعديل الحكومي، وترتيب الوضع الأمني وفقاً لمعادلة حرية التجمع في الساحات وبالتوازي ضمان حرية التنقل وتأمين فتح الطرقات، يعيقه التردّد الأمني على مستوى قيادة قوى الأمن الداخلي وقيادة الجيش، خشية وقوع تصادمات في ظل ما بدا أنه قرار قواتي بالذهاب إلى الصدام إذا أصرّ الجيش على فتح طريق جونية، بينما كشفت الأوساط المصرفية عن خشيتها من فتح الأسواق دون توافر صدمة سياسية إيجابية، يجري تسويق الدعوات للتعديل الحكومي في ظلالها، وغاب عن التداول السياسي ما طرحه الحراك من دعوة لقانون انتخابي جديد غير طائفي وفق النظام النسبي وفي لبنان دائرة واحدة، وهو ما تضمّنه بيان الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي ثمّن كلمة رئيس الجمهورية ودعا للخروج من النظام الطائفي في ظلّ المناخ الذي وفّرته التعبيرات الشعبية في الساحات ومناداتها بقانون انتخابي جديد خارج القيد الطائفي.
ثمّن الحزب السوري القومي الاجتماعي مضمون كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى اللبنانيين، التي أكدّ فيها على المطالب المحقة، والالتزام بتنفيذ الورقة الإصلاحية ومحاربة الهدر الفساد وتغيير المقاربات الاقتصادية وتطوير النظام السياسي وضرورة مغادرة الذهنية الطائفية والمذهبية التي حكمت لبنان منذ تأسيس النظام الطائفي الذي هو علة العلل. لافتاً الى أنّ هذه المواقف غاية في الأهمية، لأنها لا تعبّر فقط عن تفهّم وجع الناس وتبنّي مطالبها المحقة، بل تشخّص واقع الداء الذي يفتك بلبنان، ألا وهو النظام الطائفي.
ورأى الحزب القومي في بيان أصدرته عمدة الإعلام، أنّ الناس أسمعت صوتها، والمطلوب أن تنتظر وتراقب تنفيذ تعهّدات والتزامات الحكومة والمسؤولين في الدولة. وهذا هو المسار الطبيعي للأمور. والكلّ مطالب بتحصين البلد ضدّ محاولات بعض الأطراف والجهات ركوب موجة التظاهرات لحرفها عن هدفها الحقيقي.
واشار الى أن تأكيد المسؤولين الرسميين على أحقية المطالب وضرورة قيام الدولة المدنية من جهة أخرى، فرصة تاريخية لبناء دولة لا طائفية عادلة وقوية، وإنّ ترجمة هذا الاتجاه تتمّ عن طريق تشريعات عصرية وفي مقدّمها قانون جديد للانتخابات النيابية يحقق صحة التمثيل يقوم على أساس لبنان دائرة واحدة واعتماد النسبية خارج القيد الطائفي.
وأكد الحزب، أنّ التظاهر وحرية الرأي والتعبير حق مصان لكلّ الناس دون استثناء، وممارسة هذا الحق يكفله الدستور، والمطلوب احترام الدستور والقوانين، وممارسة حق التظاهر من دون إخلال بالأمن العام، وبالابتعاد عن أيّ شكل من أشكال الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة وعلى حرية انتقال المواطنين. وطالب المؤسسات العسكرية والأمنية بأن تتحمّل مسؤولياتها وتبادر إلى فتح الطرقات أمام الناس، لأنّ قطع الطرقات يستبطن أهدافاً مشبوهة، لأنه يسيء إلى المطالب ويشكل خروجاً على النظام العام، ويشحن النفوس بين أبناء القرية الواحدة والمنطقة الواحدة، وعواقب هذا الشحن غير محمودة.
وكان رئيس الجمهورية أكد خلال رسالة وجهها الى اللبنانيين امس، ضرورة اعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي، كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، من خلال الاصول الدستورية المعمول بها.
ودعا اللبنانيين جميعاً كي يكونوا المراقبين لتنفيذ الإصلاحات، ولفت الى ان تغيير النظام لا يتم في الساحات بل من خلال المؤسسات الدستورية، مؤكداً للمعتصمين والمتظاهرين انه على استعداد للقاء بممثلين عنهم للاستماع الى مطالبهم، وفتح حوار بناء يوصل الى نتيجة عملية وتحديد الخيارات التي توصلنا الى أفضل النتائج.
وإذ لم يُعرف شكل وطبيعة وتوقيت هذا التغيير حتى الآن، فإن كلام عون بحسب مصادر "البناء" له تفسيران: اما استقالة الحكومة برمتها وتشكيل حكومة جديدة أو ترميم الحكومة من خلال استبدال بعض الوزراء الحاليين وإلغاء بعض الحقائب. ورجحت مصادر التيار الوطني الحر لـ"البناء" خيار الترميم وليس استقالة الحكومة، مشيرة الى أن الاتصالات مستمرة ولم تستقر على آلية التعديل الحكومي. بينما تحدثت مصادر آخرى عن توجه لدى الرئيسين عون والحريري لتعيين بدلاء عن وزراء القوات اللبنانية المستقيلين واقالة آخرين من أطراف سياسية عدة من بينهم وزير الخارجية جبران باسيل. لكن وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي رفض المقايضة بهذا الأمر وقال: "طُرح موضوع استقالة وزير الخارجية ووزير المال علي حسن خليل في بعض الاوساط ولسنا بوارد المقايضة بهذا الموضوع". ولفت في حديثٍ للـ"ال بي سي" إلى أن "معالجة الوضع الحكومي تتم بالآليات الدستورية أي ليس هناك انقلاب على الدستور ولا شيء يمنع من تعديل الحكومة"، وأضاف: "هناك توزير لـ4 وزراء مكان وزراء "القوات اللبنانية" المستقيلين". ولفت إلى أن "الرئيس عون ينتظر أن يسمّي المتظاهرون ممثلين عنهم ويلتقوا الرئيس في قصر بعبدا لأنه يريد أن يفهم المطالب". وأعلن جريصاتي أنه "لم نتبلّغ من أي فريق سياسي أنه ضد تعديل حكومي بالمبدأ، والتعديل ليس بيد "حزب الله" و"حركة أمل".
الى ذلك، لم ينعكس كلام عون تراجعاً في حشود المتظاهرين في مختلف المناطق اللبنانية، الذين كرروا مطالبتهم الحكومة بالاستقالة، إلا أن الحراك في الشارع بدأ يأخذ منحى الاشتباك بين مجموعات المتظاهرين. وهذا ما تخوفت منه مصادر أمنية التي قالت لـ"البناء" إن الشارع بات مشرّعاً أمام جهات استخبارية خارجية لخلق فتن وبلبلة بين المواطنين واستدراج الجيش الى صدام مع المتظاهرين، وشهدت ساحة رياض الصلح أمس، اشتباكات بين متظاهرين مطالبين برحيل كل الطبقة السياسية وبين متظاهرين رفضوا شمول أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله مع الفاسدين.
وتدخّلت قوى مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين، وسُجل سقوط جريح. وتجدد الاشتباك أكثر من مرة في الساحة.
على صعيد آخر بدأت النتائج السلبية للتظاهرات وقطع الطرقات وشلّ البلد بالظهور تدريجياً في نفاد بعض المواد الاساسية من الاسواق وارتفاع أسعارها إن توافرت وانتشار المحتكرين وتجارة الازمة، وحذرت "جمعية المستهلك" في بيان، أمس من "بداية ارتفاع في أسعار السلع، خصوصاً في المناطق البعيدة عن المركز"، وقالت: "في خصوص الخدمات، هناك ارتفاع واضح في أسعار بطاقات الخلوي. وكذلك، لا تلبي الصرافات الآليّة حاجات المواطنين، وهي بدورها تفاقم الأزمة". وطلبت الجمعية من "مؤسسات الدولة أن تقوم بواجباتها، خصوصاً القوى الأمنية، لحماية المواطنين من هذه الممارسات"، وقالت: "هؤلاء التجار، وفي حجّة الحراك الشعبي وقطع المواصلات، يقومون ببيع سلع تالفة للمواطنين".
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار