11-09-2019
مقالات مختارة
مروان اسكندر
مروان اسكندر
توعد نصرالله بعدها اسرائيل بالرد العاجل وعدم التسامح مع هذا النوع من الاعتداءات. وفعلا، خلال أيام جاء رد الحزب باستهداف وتدمير عربة عسكرية اسرائيلية بصاروخي كورنيت موجهين. لكن أكثر من مسؤول في الحزب صرح أن هذا الرد ليس على الطائرة المسيرة بل هو رد على عملية قصف مقر حزب الله في الجنوب السوري والذي تم قبل ساعات من حادثة الطائرة المسيرة، وأدى لمقتل عنصرين من الحزب هما حسن زبيب وياسر ضاهر، اللذين سُمّيت المجموعة المنفذة لعملية استهداف العربة الإسرائيلية على اسميهما، وهذا ما يؤكد فرضية أن هذا الرد ليس على عملية الطائرة المسيرة، بل على حادثة القصف.
فأين رد حزب الله على عملية الطائرة المسيرة؟ أولاً، يجب العودة إلى معرفة ما حصل بالضبط ومن أين أتت هذه الطائرة.
هناك ثلاث فرضيات عن المكان الذي أقلعت منه الطائرة المسيّرة الأولى ذات المهام الاستطلاعية والتي أعطت الإحداثيات والصورة الدقيقة للهدف للطائرة الثانية، والتي بدورها أقلعت من ثكنة عسكرية قرب رأس الناقورة ونفذت العملية من خلال تدمير نفسها وسط الهدف المحدد لها في الصورة.
الفرضية الأولى، تشير إلى أنه تم إلقاء طائرة الدرون الصغيرة من طائرة هيرمس 900 مطورة كانت تتحكم بها من الجو. لكن هذه الفرضية غير صحيحة، فلم يلحظ السكان أي حركة طيران في السماء في تلك الفترة.
الفرضية الثانية تقول إنها أقلعت من مركب في البحر، لكن هذه النظرية أيضا غير دقيقة لأن الأبنية العالية بين البحر والهدف الذي دمرته الطائرة تعيق التحكم بها عن بعد، وتعيق توجيهها يدويا والسير بها بين الأبنية، فهي بحاجة لمكان عالٍ للتحكم بحركتها بدقة. وبالتالي لم يبق سوى الفرضية الثالثة وهي أن الطائرة أقلعت من على سطح أحد الأبنية العالية القريبة، وهنا تكمن خطورة هذه النظرية، إذ لا يمكن ﻷي من الجيش أو الموساد الإسرائيليين تنفيذ هكذا مهمة داخل هذه المنطقة الأمنية لحزب الله من دون الاستعانة بمتعاون محلي. فمن أطلق الطائرة إذا؟ وهل هناك ترابط بينها وبين حادثة مقتل علي حاطوم؟
هناك عدة سيناريوهات محتملة عن مقتل حاطوم وجميعها منطقية باستثناء فرضية الانتحار أو إطلاق النار بالخطأ أثناء تنظيف السلاح، وذلك لعدة أسباب أهمها أن حاطوم مقاتل قديم في الحزب ويمتلك خبرة كبيرة في التعامل مع السلاح ولا يمكن أن يقع في هكذا خطأ. بالإضافة لعقيدة الحزب الإسلامية والتي تعتبر الانتحار من كبائر المحرمات، ولم يُسمع أبدا من قبل أن هناك عنصراً من تنظيم إسلامي أقدم على الانتحار.
وبالعودة للحادثة، فالتحقيق فيها من قبل المكتب الأمني التابع لحزب الله بقيادة وفيق صفا طرح سؤالين مهمين: من أطلق الطائرة؟ ومن يعلم ما يحتوي المقر المستهدف؟
وعليه، كانت دائرة الشبهة تحوم حول من يُذكر اسمه في الإجابة على السؤال الثاني، ولأن مثل هكذا خرق إسرائيلي للضاحية لا يتم إلا بواسطة متعاون محلي، كان حاطوم ضمن دائرة الشبهة الضيقة في هذه القضية، الأمر الذي أدى إلى مقتله لاحقاً. إذا، تمت تصفية حاطوم، لكن من قتله؟
هناك ثلاث سيناريوهات مرجحة لمن يقف خلف العملية. الأولى: صرح الأمين العام لحزب الله في نفس الخطاب الذي تلا الحادثة أن الحزب سيرد على حادثة الطائرة (في لبنان) الأمر الذي أدى إلى موجة تساؤل كبيرة عمّا يقصده من عبارة “سيرد في لبنان”. وعلى الرغم من توضيح نصرالله المعنى في خطابه الثاني، محاولاً اللعب على الكلام، ومستعيناً بالمعجم، أن “في لبنان” تعني “من لبنان”، أطلق حزب الله حملة واسعة في عقر داره، أدت إلى اعتقال أشخاص عدة.
لربما كان نصر الله والجهاز الأمني في الحزب على علم مسبق بعمالة حاطوم للإسرائيليين، لكنهم تعاملوا معه على مبدأ “العميل الذي تعرفه أفضل من الذي لا تعرفه”، أو أن الحزب كان يدرك أن حاطوم لم يكن وحيدا بل كان يعمل ضمن شبكة كبيرة وغضُّ الحزب النظر عن حاطوم سابقا كان بغية كشف كامل أعضاء الشبكة العميلة. أو أن الحزب لم يرد أن يستفز إسرائيل بتصفيته سابقا إلا بعدما ثبت بالأدلة القاطعة تورطه في حادثة الطائرات المسيرة والتي اعتبرها نصرالله خطاً أحمراً لا يمكن السكوت عنه، وأراد تصفيته بطريقة مبهمة تتركه فيها جثة هامدة من دون أي دليل يقود لمن قتله لمنع حصول بلبلة وشكوك في صفوف الحزب إذا افتضح أمر كشف عملاء إسرائيليين من قادات الصف الثاني داخله.
الفرضية الثانية: أن حاطوم كان يعمل ضمن شبكة كبيرة من العملاء داخل الحزب وعندما عرفت إسرائيل بافتضاح أمره، قام الموساد بتصفيته لضمان عدم وصول أجهزة الحزب الأمنية لباقي أفراد الخلية.
الفرضية الثالثة: أن هناك جهة قيادية في حزب الله تعمل لصالح إسرائيل وهي من جنّدت حاطوم سابقا، وهي من قامت بتصفيته أيضا بعدما بدأت الشكوك تحوم حوله، خوفا من اعتقاله الذي قد يؤدي إلى اعترافات تطيح رؤوس أخرى في الحزب.
السيناريوهات المطروحة مجتمعة ترجح فكرة أن حاطوم كان متورطاً بدرجة كبيرة في حادثة الطائرة المسيرة، وأنها كانت السبب في مقتله. والدليل أن نصرالله لم يتذكر أن يذكر اسمه أو يترحم عليه، في خطابه، أمس الثلاثاء، في ذكرى عاشوراء. علماً أن الأمين العام للحزب لا ينسى قتلاه وخصوصاً “الأوفياء”.
أبرز الأخبار