01-09-2019
تقارير
الدكتور فريد البستاني
نائب لبناني، عضو في تكتل لبنان القوي
كل من زاوية تسنّت له معرفتها شخصياً أو الإطلالة عليها عبر المتابعة لشؤون الوطن، ولفتني كذلك الإجماع المشابه على السعي لدى الرئيس نبيه بري للمشاركة حضوراً في حفل التكريم المقرّر برعاية كريمة من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهو حضور نادر الحدوث، فمثل هذا التشارك لرئيس الجمهوريّة ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة في حضور المناسبات الوطنية لا يتمّ إلا مرتين كل عام، مرة في عيد الاستقلال وأخرى في افتتاح السنة القضائيّة، وطبعاً لم يستغرق الأمر ثواني ليحسم الرئيس بري مشاركته الكريمة، مضيفاً لما نعرفه عن المعلم بطرس البستاني ما لا نعرف.
بالعودة إلى شخصية الإمام الصدر، يعرف اللبنانيون الكثير من أقوال ومواقف الإمام، لكن ما لفتني في هذه الشخصية صاحبة الكاريسما الساحرة والثقافة الموسوعيّة والفكر الثاقب والوطنية الخالصة، بعض اللفتات التي تحتمل المخاطرة بتلقي الانتقادات والاستغراب، وهو غير آبهٍ بها، قاصداً رفع التحدي لترك بصمة لا تنسى في الذاكرة تتناقلها الأجيال من بعده كعلامة لفكرة يريد لها أن تثبت ولا ينالها النسيان، ولا يفوت المتابع اكتشاف أن مثل هذه اللفتات كانت ترتبط بصورة رئيسية بسعي الإمام للإضاءة على نعمة العيش المشترك، والتعدّد اللبناني كثروة تستحق التضحيات حفاظاً عليها. وهو صاحب القول إن الطوائف في لبنان نعمة أما الطائفية فهي نقمة.
من بين هذه اللفتات، تقصّد الإمام في يوم صيفيّ مزدحم على شاطئ صور التوقف بسيارته لتناول «البوظة الشعبية» من عند أحد الباعة المسيحيين وصلته شكواه بأن مسلمي المدينة يقاطعونه بخلفية التوهّم أن الشراء من عنده كمسيحي حرام دينياً. وكانت لفتة الإمام بما فيها من صدق وإقدام ونباهة حدثاً لا يزال على ألسنة الناس، كلما تساءل أحد عن موضوع مشابه فيُجاب، أنسيت ماذا فعل الإمام مع بائع البوظة في صور؟
لفتة أخرى يوم كان الإمام في إحدى الكنائس وحلّ موعد الصلاة، فسأل عن مكان يُصلّي فيه، وربما تقصّد الحضور في هذا التوقيت القريب لمواعيد الصلاة، ولم يأبه لذهول بعض الحضور فالمسيحيّون والمسملون لم يعتادوا أن يصلي إمام مسلم في كنيسة مسيحيّة، ولما أُجيب عن المكان وتعرّف على وجهة القبلة شرع في صلاته، وبعدما انتهى وهو يدرك حجم الاستغراب سأل الحضور متلفتاً بينهم، أليس هذا بيتاً من بيوت الله؟
لفتات كثيرة في حياة الإمام تجعلك تعشق العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين خجلاً من عظمة إيمان هذا الإمام به، وفي ذكرى غيابه من الواجب أن نعبّر نحن المسيحيين بكل حبّ وصدق، أننا نفتقد هذه القامة الوطنية الكبيرة والعظيمة، ونتشارك مع أخوتنا المسلمين السعي لكشف مصيره، لكننا لا نملك إلا أن نشهد أن ميراث الإمام الذي يحمل عبء مواصلته الرئيس نبيه بري اليوم مدعاة للفخر والتقدير للحرص والمسؤولية ذاتهما تجاه كل ما يتصل بالحفاظ على وحدتنا الوطنية التي نجح بتشكيل صمام أمان لها، فنغمض أعيننا عند كل خلاف أو أزمة مستعصية، ونقول ستكون الأمور بخير فالرئيس بري لن يترك الأمر، ولديه بالتأكيد فكرة مبدعة لوصل ما انقطع.
أعاد الله الإمام وأمدّ الرئيس بري بالصحة والعمر وحمى لبنان
أخبار ذات صلة
محليات
تدابير سير في الجناح غداً
أبرز الأخبار