19-08-2019
تقارير
الدكتور فريد البستاني
نائب لبناني، عضو في تكتل لبنان القوي
العبرة الآن ليست بالإحتفال بالخروج من "قبرشمون" بل بتفادي الإقامة في المقبرة ، أي بأخذ الدروس التي تمنع تكرار ما حدث سواء من أحداث دموية أو من تداعيات أظهرت العجز عن وضعها تحت السيطرة وعدم كفاية الأطر القانونية ما لم تدعمها السياسة لجعل الإستقرار ثابتا وراسخا غير قابل للإهتزاز .
النقطة الأولى التي أظهرتها الأحداث هي أن منطقة جبل لبنان الجنوبي بما تختزن من مكانة الوصل والفصل في الجغرافيا اللبنانية ، ومن تجمع طائفي وسياسي لعب دورا تأسيسيا في ولادة الكيان اللبناني ، ومن تصادم في الهواجس القائمة لدى مكوناته الطائفية والسياسية ، وكلها تحت عنوان الخوف من الإقصاء والتهميش ، ما يجعلها قابلة لأن تشكل مصدر إهتزاز للكيان كله وللدولة ومؤسساتها ، في توقيت تتجمع فيه الأزمات السياسية مع الضغوط المالية والإقتصادية والغموض وخلط الأوراق في المناخات الإقليمية والدولية ، ما يستدعي البحث بهدوء في كيفية توفير سقف حقيقي يحمي الجبل من الصواعق المفاجئة ، ومن الإنفلات في لحظة غير قابلة للسيطرة .
في الجبل الجنوبي الإمتحان الحقيقي للشراكة المسيحية في المجتمع والدولة ، ولدرجة التعافي من آثار الحرب الأهلية ، والدخول في مجتمع السلم الأهلي ، وهنا قلق مسيحي من الإقصاء والتهميش ، وبالمقابل يشكل الجبل الجنوبي المنطقة المركزية لوجود الموحدين الدروز في المعادلة السياسية ودورهم في الحياة الإجتماعية اللبنانية ، وكما يعيش المسيحيون هاجس الديمغرافيا وتناقصهم العددي قياسا بالمسلمين ويطالبون بصيغة ثابتة للشراكة لا تتأثر بالعدد ، يعيش الدروز تجاه المسيحيين في الجبل الجنوبي هاجسا مشابها ، ويخشون ممثلين بقيادتهم السياسية الأولى التي يمثلها الحزب التقدمي الإشتراكي بزعامة النائب السابق وليد جنبلاط ، من تنامي المطالبة المسيحية بالشراكة القائمة على العدد ما يفقد الزعامة الدرزية مكانتها الوازنة في السياسة والإدارة والمجتمع ، وبالمثل أيضا ثمة قلق لا يقل تعبيرا عن وجوده وحضوره ، يعيش الممثلون السياسيون للأحزاب وخصوصا التي لا تشارك السياسة الإشتراكية أهدافها ، الشكوى الدائمة من التهميش والإقصاء ، عن معادلة الطائفة الدرزية أو معادلة الجبل عموما ، ويشترك في هذا الحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة النائب طلال إرسلان ، وحزب التوحيد العربي برئاسة الوزير السابق وئام وهاب والحزب السوري القومي الإجتماعي المنتشر بين صفوف طوائف الجبل الجنوبي عموما ، هذا إضافة لشعور المكونين الطائفيين السني والشيعي بأنهما مجرد رقم سياسي لا يطاله من الإنماء ومن الإدارة إلا النزر اليسير ، وأنه مجرد رقم في صناديق الإقتراع لترجيح كفة الحلفاء على تنزعهم وإختلافهم ، رغم تمثيلهما بأربعة نواب ، ويتطلع سنة وشيعة الجبل الجنوبي لشراكة حقيقية متوازنة تشعرهم أنهم أبناء الجبل فعلا لا مجرد جالية مقيمة فيه .
إن الخروج من هاجس أحداث "قبر شمون" وأخذ عبرها للخروج من "المقبرة" ، يتمثل بحوار شامل سبق ودعونا إليه منذ شهور طويلة ، يعقد برعاية رئيس الجمهورية ولا يستثني أحدا من المكونات الطائفية والسياسية للمصارحة ، ورسم خارطة طريق للإستقرار الإجتماعي والسياسي ، كمظلة لابد منها للإستقرار النفسي لأبناء الجبل الذين شعروا بالخوف يتسلل إلى نفوسهم للمرة الأولى منذ سنوات .
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار