14-06-2019
تقارير
الدكتور فريد البستاني
نائب لبناني، عضو في تكتل لبنان القوي
في الفرضية الأولى تجاهل لحقيقة أن كثيراً من التحسينات الممكنة في الموازنة قد حالت دونها حاجة الحكومة الى الخروج بتوافق على الموازنة وإرسالها إلى المجلس النيابي لأن التصويت محكوم بنصاب الثلثين من جهة، ولأنه سيضعف الحاجة الى تظهير الإجماع الحكومي حول الموازنة نحو الداخل والخارج من جهة أخرى، بينما في المجلس سيكون للتصويت نصيب كبير في كل بند يجري إقراره في اللجان أولاً وفي الهيئة العامة لاحقاً، والتصويت في المجلس النيابي يتم بنصاب الغالبية المطلقة وليس الثلثين، وهو تصويت متحرر نسبياً من التفاهمات والتسويات التي تحكم العمل الحكومي، كما أن الكتل غير الممثلة في الحكومة ستكون لها فرصة المساهمة في النقاش من جهة والتصويت من جهة أخرى، وقد يشكل ذلك فرصة لنشوء تحالفات موضعية وظرفية حول بنود بعينها، تعديلاً أو تصحيحاً أو استبعاداً.
في الفرضية الثانية عمل استعراضي منهك للمجلس واللجان النيابية وهدر للجهد والوقت بلا طائل، لأن ثمة حدوداً للهوامش التي تتحملها توافقات الكتل الكبرى الممثلة في الحكومة، والتوسع خارج هذه الهوامش في المناقشة كأنها تبدأ من الصفر لنسف ركائزها، سيصطدم بحقيقة أن اي إقرار لأي بند أو إجراء سيخضع في النهاية للتصويت، وتصويت الكتل الكبرى سيكون محكوماً بحماية، وتحصين، الإجراءات الرئيسية التي تشكل جوهر الموازنة ومضمونها، وأن ما هو متاح للنقاش والتعديل بالنسبة الى الكتل المشاركة في الحكومة، لا يطاول هذه التوافقات، وكل سعي لوضعه مجدداً على الطاولة هو نوع من العبث السياسي والهدر للجهد والوقت.
فرضيتان ثانيتان لا يمكن مجلس النواب الوقوع فيهما. الأولى مناقشة الإجراءات المتصلة بخفض النفقات أو بزيادة الواردات من زاوية النتائج السلبية التي تترتب عليها فقط، وتجاهل أن زيادة الواردات وخفض النفقات هما جوهر هدف الموازنة، وكل مساس بإجراء يبدو مؤذياً أو مؤلماً لتجنبه هو حق مشروع للمجلس النيابي شرط اعتماد بديل منه يحقق على الأقل النسبة الرئيسية المرجوة من خفض الإنفاق وزيادة الواردات. أما الفرضية الثانية فهي الإعتقاد بأن كل مناقشة لا تنتهي بتعديل فهي بلا قيمة، وهذا اعتقاد خاطئ بالمطلق، فالنقاش النيابي مبني على قاعدة أن هناك موازنات ستأتي بعد هذه الموازنة لتواصل السير نحو الإصلاح الإقتصادي والمالي، وما يحول الوقت أو الظرف دون تضمينه للموازنة الحالية يمكن تضمينه لتوصيات ملزمة للحكومة تُرفق بإقرار الموازنة، لتشكل جزءاً من معايير وضع الموازنة المقبلة، كذلك هناك توصيات يمكن إقرارها بالتوازي مع اعتماد السير ببعض الإجراءات الواردة في الموازنة، تخفيفاً لآثار سلبية متوقعة أو تحسيناً لعائدات إيجابية مفترضة.
الأهم هو أن يتحرر النقاش النيابي من المزايدات وادعاء البطولات، وإلقاء الإتهامات، لأن الجميع مطالب بالتصرف المسؤول ومن منطلق الشركة في المهمة التقشفية والإصلاحية للموازنة، وتحصينها وحمايتها، وعدم التلاعب بمشاعر وعواطف شرائح شعبية متوترة وقلقة بسبب ضيق الوضع الإقتصادي، وعدم استعمال هذا القلق المشروع لتوظيفه سياسياً واستغلاله من دون أن يفيد هذه الشرائح بشيء، وتجاهل ما ينتجه استغلال، وتوظيف، الفئات الغاضبة من أذى إجتماعي وسياسي وبالتالي إقتصادي ومالي، فالمنبر النيابي في هذه المرحلة لا يتحمل الشعبوية غير المسؤولة، وكل نقاش يجب أن ينتهي بمقترحات واضحة، وبالتراضي المسبق على التصالح مع نتائج التصويت على كل مقترح.
الرأي العام سيكون شريكاً حاضراً في النقاشات للحكم على النواب الذين اختارهم، ومدى تمتعهم بروح المسؤولية التي تختزنها كلمة "المشترع"، وما ينتظره اللبنانيون من الموازنة هو إطلاق الإنفراج الإقتصادي والمالي بعد طول انتظار، وليس سماع الخطابات العاطفية التي تدغدغ مكامن الوجع وتسجل المواقف على الآخرين لكنها لا تقدم حلولاً، بل تمتلئ بالأسئلة وتفتقد جواباً واحداً قادراً على التحول إلى وقائع.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار