07-05-2019
محليات
وفيما استعادَ نصبُ الشهداء في الساحة التي تحمل اسمَهم في وسط بيروت الاحتفالَ التقليدي الذي كان يقام أمامَه، كان مجلس الوزراء يستأنف “على مرمى العين” مناقشاتِه حول مشروع موازنة 2019 الذي بات عالقاً بين مطرقةِ مسارٍ تقشُّفي لا مفرّ منه لخفْض العجز المالي ملاقاةً لمقتضيات مؤتمر سيدر “والوعود الإصلاحية” التي قدّمتها الحكومة للدول المانحة، وبين سندان “الانتفاضة” الإدارية في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة والتي لم توفّر القضاة ومصرف لبنان المركزي تحت عنوان رفْض أي مساس بحقوق مكتسَبة لهم وتقديمات اجتماعية وامتيازاتٍ مُكرَّسة.
وقبيل بدء اجتماع مجلس الوزراء الذي وصل إلى لحظة “مواجهة” البنود – الألغام التي يجري “التصدّي” لها بالحركات الاحتجاجية أو باعتراضاتٍ غير مكتومة يعبّر عنها القطاع المصرفي بإزاء أي رفْع للضريبة على فوائد الودائع من 7 إلى عشرة في المئة، بدا أن لعبةَ “عضِّ أصابع” ارتسمتْ وسط سباقٍ بين “الإجراءات الموجعة” المطروح “تَجَرُّعها” وبين “الإضرابات الموجِعة” التي شلّت مَرافق حيوية مثل مرفأ بيروت والضمان الاجتماعي وأربكت انتظام العمل القضائي (مع اعتكاف القضاة) والقطاع التربوي (إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية) والتي يُعتبر الأكثر “استيلاداً” للأزمات بينها الإضراب المفتوح الذي أعلنه موظّفو “المركزي”.
وكان لافتاً أن رئيس الحكومة سعد الحريري استبق الجلسة الوزارية بإصداره مذكّرة إدارية استعان فيها بمضمون قانون الموظفين في مواده سواء المتعلقة بوجوب أن “يسهر الموظف على تطبيق القوانين والأنظمة النافذة من دون أي تجاوز أو مخالفة أو إهمال” أو التي “تحظر على الموظف أن يُضرب عن العمل أو يحرّض غيره على الإضراب”، طالباً من “الادارات الرسمية كافة وكل الهيئات الرقابية تنفيذ المبادئ والنصوص المشار اليها اعلاه وترتيب النتائج القانونية على أنواعها بحق المخالفين”، وذلك “حرصاً على تأمين حقوق جميع القائمين بخدمة عامة وتطبيق القوانين والأنظمة النافذة بما يؤمن استمرار عمل السلطات وسير المرافق العامة والحؤول من دون شلها أو تعطيلها، وحرصاً على تأمين مصالح جميع المواطنين التي تسمو كل اعتبار”.
وبدت مذكرة الحريري في سياقِ مزدوج، أوله محاولة رسْم “خط دفاع” لحماية المسار التقشفي من “هجْمة الاحتجاجات” التي تستفيد من تراخي غالبية القوى السياسة وإدارة ظهرها، وثانيه التسلّح بورقة قوة في أي مسار تفاوضي حول الإجراءات المرسومة والتي جرى أساساً “تقليم أظافرها” ليصبح أي تراجُع إضافي عن مفاصل رئيسية منها بمثابة نعي لأي بُعد إصلاحي ولو بالحد الأدنى في الموازنة الموعودة وتالياً كشْف البلاد على أخطار الانهيار الذي حذّر مسؤولون لبنانيون بالفم الملآن.
ورغم الأضرار الكبيرة التي يتسبب بها وقف العمل في بعض المؤسسات والمصالح المستقلة ولا سيما مرفأ بيروت، فإن الإضرابَ المفتوح لموظّفي مصرف لبنان بقي الأكثر استقطاباً للاهتمام نظراً إلى أن الارتدادات السلبية لهذا الحراك لم تتأخّر في الظهور على صعيد العملة اللبنانية في ضوء التقارير عن ارتفاعٍ حصل في الطلب على الدولار وانتعاشِ سوقٍ سوداء لتداوله بسعر ناهز 1550 ليرة بفعل عدم تلبية البنك المركزي الطلب وتوقف سوق القطع وتسعير الدولار، ناهيك عن ملامح شحّ في السيولة لدى المصارف بسبب قفل مصرف لبنان أبوابه.
وبعد اتصالاتٍ واجتماعات لم يغِب عنها كبار المسؤولين بهدف إعادة الحركة الى سوق القطع والتحويلات بين المصارف وغرفة المقاصّة للشيكات المتبادلة والحؤول دون تقلُّص حجم النقد اللبناني والأجنبي في السوق والمصارف، وتُوجتْ بلقاء بين حاكم “المركزي” رياض سلامة ونقابة موظفي مصرف لبنان، قرّر هؤلاء ملاقاة ما قالوا إنها إشارات ايجابية صدرت من عون والحريري بالإعلان عن اتجاهٍ لتعليق الإضراب اليوم الثلاثاء بحال كانت جلسة الاثنين ترجمتْ تلك الوعود وتمّت الاستجابة للمطالب، وذلك بالتوازي مع مبادرتهم الى فتْح عمليات القطع، وتسعير رسمي لليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي والعملات الأجنبية الأخرى وإعادة فتح التحاويل الخارجية للقطاعين العام والخاص.
وفيما أكدت نقابة موظفي المصارف في لبنان اتجاهها الى التضامن مع موظفي “المركزي” بحال لم تتم الاستجابة لمطالبهم في قرارٍ قد يُتخذ الاربعاء ويرتبط في جانب آخر منه بتفادي أي احتكاكات بين المصارف والمودعين مع استنزاف السيولة، باغَتَ لبنان ومجلس الوزراء خبر إعلان بورصة بيروت “الوقف الاضطراري” للتداول في أسواقها بفعل تحرّك موظفي “المركزي”، لافتة في تعميمٍ أصدرتْه إلى “أن عمليات التسوية والمقاصة أصبحت غير ممكنة بفعل هذا الإضراب”، ولافتة الى ان قرارها هدفه ايضاً حماية حقوق المستثمرين في البورصة وانه سيستمر “لحين زوال الأسباب المشار إليها وحتى إشعار آخر من قبلها”.
ومعلوم أن المطلب الرئيسي لموظفي مصرف لبنان يتركّز على ألا يطالهم مفعول المادة 61 من مشروع الموازنة التي تنصّ على إلغاء الرواتب الإضافية (أربعة أشهر إضافية في السنة) وذلك باعتبار أن “المركزي” يتمتّع باستقلالية إدارية ومالية بموجب قانون النقد والتسليف وله موازنته الخاصة وليس له أي علاقة بالموازنة العامة وان موظفيه لم يستفيدوا من سلسلة الرتب والرواتب، إضافة الى اعتراضهم على ان تشمل المادة 60 مصرف لبنان بحيث تصبح موازنته خاصة لمراقبة وزارة المال ما يجعلها ضمنياً وصيةً عليه
أبرز الأخبار