05-03-2019
مقالات مختارة
علي الامين
علي الامين
تحاشى الأسد القيام بهذه الزيارة طيلة تلك السنوات، رغم الدعم الكبير الذي تلقاه من طهران في مواجهة الثورة، ورغم القطيعة شبه الكاملة مع المنظومة العربية، فضلا عن قيامه بعدة زيارات إلى موسكو التي بدت بالنسبة إليه، الدولة الكبرى التي لا تشكل زيارتها تحديا أو استفزازا للعديد من الدول الكبرى ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية، بل أملا بإمكانية إعادة الاعتبار الدولي والإقليمي إلى النظام الذي تورط بقتل مئات الآلاف من السوريين وتهجير الملايين فضلا عن تدمير معظم المدن والحواضر السورية.
وصل الأسد إلى طهران في خطوة تعكس الإعلان عن نهاية فرص تحسين الشروط الإقليمية والدولية للنظام، فالدول العربية تراجعت خطوة إلى الوراء، سحبت دولة الإمارات العربية المتحدة القائم بأعمال سفارتها في دمشق، بعد أن تراجعت عن خطوة تعيين سفير جديد فيها، ومصر التي كانت وزارة الخارجية فيها تنشط لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، انكفأت عن هذه الدعوة، ولم تقم البحرين بما كان متوقعا منها بفتح سفارتها في دمشق.
باختصار ثمة ما خفف من الاندفاعة العربية تجاه سوريا، بل فرملها وهي رسائل أميركية واضحة لجهة عدم إضفاء أيّ شرعية إقليمية أو دولية على نظام الأسد، طالما لم يجر الانتقال إلى مرحلة التغيير في صيغة النظام ودستور البلاد استنادا إلى مقررات جنيف، والأهم هو أن نظام الأسد لم يقدم شيئا حيال التخلص من النفوذ الإيراني، ولم يقم بأيّ خطوة يشتم منها أنه في وارد الخروج من الحضن الإيراني.
ما تنقله أوساط سورية معارضة للنظام في هذا السياق، أن زيارة الأسد لطهران، تتصل بجانب آخر، له علاقة بالتنافس الروسي- الإيراني، وهذا التنافس الذي لم يخرج إلى حدود التناقض بين مصالح الدولتين في سوريا حتى اليوم، إلا أن ذلك لا يقلل من شأن أن الدولتين تعملان كل بمفردها على تعزيز نفوذها داخل الدولة السورية والجيش، إلى حد أن ذلك ساهم في حدوث صدامات في أكثر من مكان، بين الجزء الذي تشرف عليه روسيا عبر اللواء سهيل الحسن، والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد الذي يوصف بأنه حصة إيران في المؤسسة العسكرية.
وتضيف هذه المصادر نقلا عن مصادر روسية، أن الجيش السوري غير قادر على الدخول إلى منطقة شرق الفرات، فيما تفسر قوى معنية الموقف الروسي، باعتبار أن موسكو غير متحمسة لخوض معركة في شرق الفرات لأن نتيجتها ستكون لصالح سيطرة الميليشيات الإيرانية والقوى التابعة لها، على حساب سيطرة النظام وقواته التي تصفها المصادر بالهشة.
الموقف الروسي يبقى أقرب إلى الموقف التركي حيال عدم الدخول في مواجهة في هذه المنطقة التي تتداخل فيها مصالح إقليمية ودولية تطال الأكراد والمنطقة الآمنة، والحضور الأميركي الذي لا يزال في هذه المنطقة استراتيجيا رغم إعلان الرئيس الأميركي الانسحاب من سوريا.
ومن ضمن المعلومات التي تؤكد أن خطة أميركية يجري تنفيذها على صعيد التضييق على النظام السوري، أن الإدارة الأميركية ألزمت قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، بوقف تزويد النظام بالمشتقات النفطية، وهي خطوة تهدف إلى تضييق الخناق على النظام، ومنعه من إعادة ترميم علاقاته مع البيئة السورية الحاضنة له، وما يؤكد هذا التوجه، هو ما أكدته مصادر سورية معارضة في القاهرة بأن الحكومة المصرية تلقت طلبا من الإدارة الأميركية مفاده منع البواخر الإيرانية المتجهة إلى السواحل السورية من العبور عبر قناة السويس.
جاءت زيارة الأسد إلى طهران في ظل خطوات إحكام الحصار الأميركي، ومع رسوخ قناعة لدى طهران من أن مسار التصعيد الأميركي لن يتوقف، وسيمتد هذه المرة إلى نظام الأسد، وبالتالي فإن التغيير في سوريا وإعادة إعمارها، باتا محكومين بشرطين لازمين. الأول يتصل بإنهاء النفوذ الإيراني أو تقليصه نوعيا. والثاني الانتقال من النظام الدكتاتوري إلى نظام بديل يتيح مشاركة قوى ومكونات سورية معارضة ومستقلة.
كلا الشرطين قاتلان للنفوذ الإيراني ونظام الأسد، فالأول لن يحتمل مشروع خروجه من سوريا، والثاني عاجز عن البقاء في السلطة في حال وافق على إجراء أي تعديل ولو بسيط في بنية النظام.
لذا تفيد المؤشرات في سوريا اليوم، بأن الأزمة مستمرة والحلول ليست قريبة، هذا ما تكشفه الإجراءات الأميركية الآنفة، وهذا ما يؤكده عجز طهران وحتى روسيا عن خوض غمار إعادة الإعمار وترسيخ وجود النظام، بمعزل عن حاضنة دولية وعربية، وقد أكد الرئيس الروسي قبل أيام على ضرورة وجودها وقال إن روسيا تعمل على قيامها.
يدرك الرئيس السوري أن فرص بقائه تكمن في استمرار الأزمة، طالما أن الحلول ليست بيده ولا بيد حلفائه فقط، وهو يدرك بعمق أكثر أن بقاءه في السلطة واستمرار دعم حلفائه له، يتطلبان أيضا بقاء الأزمة لأنها الوحيدة التي تجعل روسيا وإيران متمسكتين به، وأي انتقال لتسوية دولية سيكون هو كبش فدائها، سواء طاله مباشرة أو من خلال تغيير النظام أو تعديله.
الخطر الذي يهدد إيران في سوريا، يجعل من طهران أكثر تمسكا بالأسد، كما يجعل الأسد أكثر اطمئنانا لإيران، طالما أنهما عنوان الأزمة في الاستراتيجية الأميركية وطالما أن روسيا ليست في هذه الوضعية، بل هي التي لديها خيارات عدة يمكن أن تعتمدها طالما أن الدول المؤثرة تسلم بدور موسكو المرجعي في سوريا.
أبرز الأخبار