26-10-2018
مقالات مختارة
نبيل هيثم
نبيل هيثم
الرئيس المكلّف يتصدّر هذا الطابور، بقناعة أنّ المخاض بدأ فعلاً، ولن يطول الوقت الّا ويظهر الجنين الحكومي إلى النور. لكن، هذا لا ينفي أنّ طابور الحذرين طويل أيضاً، إذ أنّ التجربة مع الموجات التفاؤلية السابقة التي ضربت مسار التأليف، لم تأتِ سوى بثرثرة على الخط الحكومي، لم تُبنَ خلالها جملة مفيدة تؤكّد أنّ الطبخة الحكومية قد نضجت او شارفت على النضوج.
اذاً، البلد أمام 48 ساعة حاسمة. وعلى ما يقول مرجع سياسي "إنّ البناء الحكومي يجب أن يكتمل، وكل تأخير يزيد احتمالات الخطر على لبنان، وصار من الضروري ان تتوقف الثرثرة التي أكلت حتى الآن 5 أشهر من عمر البلد.
يقارب المرجع المذكور المشهد، بلغة تحذيرية، يستهلّها بتوصيف نقدي للواقع السياسي وللذهنيات التي تتحكّم به، ويقول: "تشبه الحياة السياسية في لبنان حال طرقاته، التي تُغرقها مجرّد أمطار عابرة، وأداء بعض "الجهابذة" يصوّر أنّ مصير الكرة الأرضية متوقف على تحديد أحجام القوى السياسية وتوزيع الحصص والحقائب الوزارية".
"كان في الإمكان أن نوفّر على أنفسنا كل هذا الوقت الذي ضاع، او ضيّعناه"، يقول المرجع، "لأن البعض في لبنان اعتبر نفسه أنّه هو المحور الذي يدور حوله الكون، وتعاطى مع تشكيل الحكومة بعقلية التاجر، والراغب بالانتقام. متجاهلاً أنّ ثمة عواصف عاتية بدأت تتشكّل على أكثر من مستوى، تتطلّب التحصّن أمامها، ولا تنفع معها سياسة النعامة ودفن الرأس في الرمال المتحرّكة!".
في الأشهر الخمسة، على ما يكشف المرجع، كان وضعنا الداخلي أكثر تشوّها من أوضاع دول خرّبتها الحرب، فغرق مؤلفي الحكومة بتفاصيل ثانوية، كان مبعث سخرية كثير من الديبلوماسيين العرب والأجانب. وثمة رسالة واضحة بهذا المعنى تلقّيناها من أكثر من مصدر وتفيد "أنّ بلداً بهذه المساحة الصغيرة لا ينبغي أن يكون لديه هذا الحجم من المشاكل".
ربما يكون تشكيل الحكومة في هذا الوقت، فرصة لإعادة التقاط الأنفاس وبناء التحصينات حول البلد، ذلك أنّ التطورات الأخيرة على مساحة العالم راكمت جملة مخاطر كبرى، تمهّد لها العواصف السياسية، التي بدأت تتكوّن بالفعل، والتي باتت غيومها السوداء تغطّي سماء العالم، مهدّدة بخلط واسع للأوراق وتغيّر كل قواعد اللعبة، لتحلّ مكانها قواعد جديدة ليس في الإمكان تحديدها. ولبنان، شأنه شأن كل دول العالم، مهددٌ أن تلفحه رياح هذه العواصف التي قد تعصف في أي وقت.
ويبدي المرجع المذكور خشية كبيرة مما يسمّيها العواصف الكبرى، وأحدثُها المسعى الأميركي الجديد للإنسحاب من اتفاقية الحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة الأمد، بين واشنطن وموسكو. وقد لا يعني الإنسحاب الأميركي من الاتفاقية بالضرورة إندلاع حرب نووية بين الشرق والغرب، لكن قرار دونالد ترامب يثير مخاوف من تسارع السباق المحموم إلى تطوير وإنتاج الأسلحة النووية، لدى كلا المعسكرين، وحلفائهما. ومعنى ذلك زيادة منسوب التوتر عالمياً وتعزيز احتمالات الحروب في أكثر من نقطة، وعلى نحو لا يقتصر على الصراعات التي شهدناها خلال السنوات الماضية (أفغانستان، الشيشان، سوريا، ليبيا، اليمن، العراق، اوكرانيا...)، وإنما باتجاه ميادين جديدة.
ويُدرج المرجع، في سياق تلك العواصف، قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي التي تزامنت مع هذا الجو المتوتر. ويقول: "هذه القضية المثيرة للجدل، لم تعد مجرّد تصفية مُعارض، بل تمّ تحويلها الى ساحة استثمار من قبل بعض الدول، وبالتالي ينبغي رصد ارتداداتها التي قد تكون عابرة للحدود الى أكثر من دولة".
يضيف المرجع: "يجب رصد الموقفين الأميركي والتركي والتعمّق في أهداف كل منهما، فكلاهما يتعاطيان مع قضية خاشقجي كفرصة لابتزاز السعودية إلى أقصى حدّ. وبالنسبة إلى دونالد ترامب، تبدو المسألة في غاية الوضوح: الهدف هو المال، ثم المال، ثم المال. وبذلك يمكن توقّع إرتفاع وتيرة التصعيد الأميركي تجاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تارةً، وانخفاضه طوراً، تبعاً لحركة الأموال المتنقلة باتجاه واحد من الرياض إلى واشنطن".
أما بالنسبة إلى الأتراك، يقول المرجع، "المسألة مختلفة، ذلك انّ رجب طيب أردوغان المُثقل بفشل أجندته الاقليمية، يسعى من خلال التصعيد من أسفل الى أعلى لتعويض إخفاقات السنوات الماضية، وانتزاع ما يكفي من تنازلات سعودية من شأنها أن تعيد الدور التركي إلى الواجهة".
أمام هذا الواقع يقول المرجع، هناك احتمالان، فإمّا أن تتنازل السعودية لتجاوز الأزمة التي تعيشها. وإمّا لا تتنازل وتقرّر التصعيد والمواجهة، وهذا معناه انّ باب الصراع سيكون مفتوحاً على كل الاحتمالات، وخلط الأوراق من جديد في الكثير من ملفات المنطقة. ومعلوم هنا انّ لبنان يقع في قلب هذه المنطقة، ولا مفرّ أمامه سوى تحصين نفسه، بحكومة حتى ولو كانت شكلية لا ينتظر منها إنجازات نوعية
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار