23-10-2018
مقالات مختارة
علي الامين
علي الامين
لم يحصل رغم كل الجدل حول تطبيق الدستور أو مخالفته، أن دُعي مجلس النواب إلى الفصل في أي خلاف دستوري، لقد شكّل النفوذ السياسي والأمني في زمن الوصاية السورية وفي زمن الوصاية الإيرانية اليوم، العنصر الحاسم في فرض التفسير الذي يشاؤه صاحب النفوذ، وهذا ما حصل عنوة في عدم انتخاب رئيس الجمهورية لمدة عامين وخمسة أشهر، قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً في خريف العام 2016، كما فرض حزب الله بمعونة رئيس الجمهورية وتياره، فكرة حصر التمثيل الوزاري لكل طائفة بالقوى المسيطرة على الطائفة، والتي هي وحدها من يضفي عليها الشرعية في تولّي منصب وزاري، والفرض جاء بأن تعيين أي وزير من دون أن يكون له هذه الشرعية المستحدثة، يعني ذلك أن الحكومة تفقد ميثاقيتها.
هذه أمثلة وغيض من فيض التجاوزات التي عطّلت الدستور، عبر تظهيره كدستور هشّ قابل للتجاوز، واستسهال تطويعه لصالح الطرف المتحكم من خارج المؤسسات وعبر القوة الميليشياوية.
بطبيعة الحال ليس الدستور اللبناني دستورا مثاليا، لكن بالتأكيد ليس المسيطرون على الحياة السياسية بالطرق غير الشرعية هم من المؤهلين لإنتاج دستور يتمتع بالحدّ الأدنى من الشروط القانونية أو تلك المتصلة بمفهوم الدولة ووحدة الشعب، ولا بمفهوم الوطنية اللبنانية والسيادة الوطنية. من هنا فإن الدستور اللبناني الذي جرى الاتفاق عليه في الطائف، وقع في أيدي أطراف سياسية تبتهج بانتهاكه، وتتفنن في فرض قواعد الحكم ونسبها إليه.
يكفي أن نقول إنه لا وجود في الدستور ولا في دستور أيُّ بلد، ثنائية السلطة كما هو الحال في لبنان، فرئيس الجمهورية الذي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة في الدولة، ليس له أي صفة ولو شكلية على سلطة سلاح حزب الله الذي تفوق على نفوذ الدولة وأجهزتها، وفي الحدّ الأدنى هو مزاحم ومنافس لها من دون أي صفة قانونية
كما أن حزب الله، ومن خلفه إيران، يريدان فرض هذه المعطيات الميدانية المنافية للدولة وسيادتها في لبنان، حيث يسعى الحزب من خلال سطوته الأمنية إلى جعل الفرقاء السياسيين يسلّمون بهذا الواقع تمهيدا لجعله عُرفاً يقبل به اللبنانيون ويسكتون عنه طيلة سنوات وربما عقود، ولا يخفى على أيّ متابع للسياسات المتبعة في لبنان، كيف أن حزب الله يسعى إلى فرض أعراف جديدة في الحياة السياسية، يحاول من خلالها المحافظة على كينونته الأيديولوجية بكل ما تتضمنه من استقلال أمني وعسكري وارتباط ولائي وتنظيمي بالحرس الثوري الإيراني، وفي نفس الوقت يتصدر زيفا الوطنية اللبنانية من خلال لعب دور الوصيّ على الحياة السياسية اللبنانية، فلا حكومة من دون إذنه، ولا انتخاب أو دستور إلا بإيعاز أو بأمر مباشر منه، ولا توافق إلا تحت شروطه ومطالبه، وهذا ما يعيشه لبنان الذي جرى هتك دستوره وقوانينه، ولكن حزب الله نجح في أن يلبس في بعض الأحيان قناعا ليتخفى به، وليظهر للآخرين من خلال الأقنعة السياسية التي يتحكم بها كم هي مستعدة لمخالفة الدستور وتجاوزه، فيما هو لم يصل إلى هذا الحدّ، وهذا إن انطلى على البعض، فهو واضح ومكشوف لدى معظم اللبنانيين.
يستثمر حزب الله كما أشرنا في البداية، في التباينات التي تتصل بتفسير الدستور، ليس في سبيل تجاوزها، بل عبر تضخيمها، وليس في سبيل معالجتها بل عبر البناء على قواعد الخلاف وترسيخه، في سبيل إنتاج عجز الدولة. هذه العجز الذي أسس له منذ قررت إيران استمرار وجوده كتنظيم عسكري أمني تابع لها في لبنان، ذلك أن عجز الدولة هو الهدف الاستراتيجي الذي تجري مأسسته من قبل هذا الحزب في لبنان، كما يقوم دوره الداخلي على حماية هذا العجز، لتبرير بقائه ونفوذه وسيطرته على مقومات الدولة من دون أي مسؤولية.
مأسسة العجز تبدأ من ترسيخ فكرة أن لا حكومة في لبنان إلا حكومة جامعة لكل القوى الممثلة في مجلس النواب، لكن وظيفة الجمع هنا ليست المشاركة في اتخاذ القرارات، لأن هذه الحكومة الجامعة لا يمكن أن تتألف إذا لم يكن حزب الله هو صاحب القرار إذا ما أراد أن يصدر قرارا ما عن الحكومة، من خلال ضمان سيطرته الفعلية على ثلثيها، وهو بالضرورة في هذه الحال يمنع صدور أي قرار عن الحكومة لا يناسبه. بالإضافة إلى ذلك تتحول الحكومة من خلال طبيعة تكوينها إلى برلمان مصغر، فلا معارضة برلمانية ولا سلطة تنفيذية قادرة على العمل بشكل منسجم بين مكوناتها، وهذا يوصل إلى الخيار السهل أي المحاصصة والزبائنية، وهما تعبيران صارخان عن عجز الدولة.
في السعي إلى تأليف الحكومة المستمر من دون نتيجة فعلية منذ خمسة أشهر، تعبير آخر عن صناعة العجز، بل ومأسسته في الدولة اللبنانية.
حزب الله التنظيم الأيديولوجي الشيعي يدرك أن أي انتقال من حال العجز إلى حال الفاعلية والحضور للدولة، سيكون على حساب نفوذه، وبالتالي فهو ينحاز إلى كل ما يوفر له شروط البقاء العسكري والأمني، وهو منذ الانتخابات النيابية عمل على تثبيت وترسيخ فكرة نواب تنتخبهم طوائفهم من جهة، واستثمر النظام النسبي لاختراق الطوائف غير الشيعية ليمكن له الدخول إليها بأقنعة سياسية من جهة أخرى، وغاية ذلك تفعيل سياسة التعطيل، وإنتاج المزيد من عجز الدولة، إذ أن مشكلة اللبنانيين مع حزب الله هي أنه لا يجد وسيلة لإقناعهم بطبيعة وجوده غير الدستورية وغير اللبنانية وغير المفيدة للبنان، إلا بالمزيد من تخريب دولتهم لا لتنتهي وتتلاشى، بل إلى الحدود التي يبقى وجودها مفيداً لإدراجها في متطلبات مشروع إيران الإقليمي.
أبرز الأخبار