09-09-2018
محليات
وتوجه إلى التيار الوطني الحر بالقول: “مهما حصل فمن بعد “تفاهم معراب” يجب ألا يردّنا أي شيء إلى الوراء، صحيح أن النبرة تعلو بين الحين والآخر إلا أننا يجب ألا ندع هذا الأمر يفرقنا من جديد”.
كما توجّه جعجع برسالة إلى “حزب الله”، قائلاً: “ماذا ينفع الإنسان لو ربح المعارك كلّها وخسر وطنه؟ فما سيبقى لنا في نهاية المطاف هو عائلاتنا وبيوتنا وقرانا وبلادنا لذلك من المهم جداً أن نضع كل جهدنا وتعبنا وعرقنا ودمنا في بلدنا ولأجل بلدنا فقط وليس أي بلاد ثانية أو أي قضيّة أخرى. نحن لدينا قضيّة واحدة لا ثاني لها وهي أن نهتم بلبنان وننهض به من أجل أن يصبح في مصاف أرقى دول العالم فيصبح اللبناني مرتاحاً في بلده، فخوراً بهويته وبجواز سفره وليس كما هو الوضع الراهن اليوم. لذلك عودوا إلى لبنان، عودوا إليه بكل المعاني وعلى جميع المستويات. عودوا إلى لبنان ونحن جميعاً في انتظاركم”.
كلام جعجع جاء في كلمة ألقاها عقب قدّاس "شهداء المقاومة اللبنانيّة" الذي أقامه حزب “القوّات اللبنانيّة” في مقرّه العام في معراب تحت عنوان “كرمالكن” وفي حضور: النائب ابراهيم كنعان ممثلاً رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، الوزير جمال الجراح ممثلاً الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، الرئيس السابق ميشال سليمان، الوزير السابق الان حكيم ممثلاً الرئيس السابق أمين الجميل، الرئيسة والنائبة السابقة صولانج بشير الجميّل، النائب نقولا نحاس ممثلاً رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني، النائب روجيه عازار ممثلاً رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، نائب رئيس الحكومة السابق سمير مقبل، النائب أكرم شهيّب ممثلاً رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، الوزراء: نهاد المشنوق، ميشال فرعون، بيار بو عاصي وملحم الرياشي، النواب: ستريدا جعجع، جورج عدوان، هنري حلو، نديم الجميل، محمد سليمان، سامي فتفت، سليم عون، فريد البستاني، نعمة فرام، ميشال معوض، ادي ماجد ابي اللمع، وهبة قاطيشه، عماد واكيم، فادي سعد، زياد الحواط، شوقي الدكاش، جان طالوزيان، جورج عقيص، قيصر المعلوف، أنيس نصار، جوزف اسحق، انطوان حبشي، النائب أنور الخليل ممثلاً بمدير مكتبه إيلي كيروز، الوزراء السابقون: مروان شربل، يوسف سلامة، طوني كرم، جو سركيس وسليم وردة، النواب السابقون: إيلي ماروني، عاطف مجدلاني، أمين وهبة، أنطوان نقولا سعد، نعمة الله أبي نصر، منصور البون، فادي كرم، إيلي كيروز، طوني زهرا، جوزيف المعلوف وشانت جنجنيان، قائد وحدة القوى السيارة في قوى الامن الداخلي العميد فؤاد خوري ممثلاً مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، العميد لبيب عشقوتي ممثلاً مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، العقيد بيار براك ممثلاً مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، الرائد شربل فخري ممثلاً مدير المخابرات العميد طوني منصور، رئيس شعبة الخدمات والعمليات في الدفاع المدني جورج أبو موسى ممثلاً مدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطار، المديرالعام لمؤسسة الحبوب والشمندر حنا العميل، مديرة الوكالة الوطنية للاعلام لور سليمان، مسؤول مكتب الإنتربول العقيد عبدو مسلم، العقيد خازن القاري، قائد سرية وزارة الداخلية الرائد بلال العمر، امين عام “الحزب التقدمي الإشتراكي” ظافر ناصر، أمين عام حزب “الوطنيين الأحرار” الياس أبو عاصي، رئيس “حركة التغيير” إيلي محفوض، الأمينة العامة لحزب “القوّات” د. شانتال سركيس، الدكتورة مي الشدياق، السيّدة روز الشويري، السيّدة ماري فريد حبيب، السيّدة نينا محمد شطح، السيّدة جيسي رمزي عيراني، السيد زاهر وليد عيدو، السيد توفيق أنطوان غانم، السيد عمر محمد شطح، السيد رفيق ضو، السيد فادي السلمان شقيق الشهيد هاشم السلمان، السيد سراج الحسن ابن عم الشهيد وسام الحسن، مفوّض المال في الحزب رجا الراسي، الأمين المساعد لشؤون المصالح د. غسان يارد، الأمين المساعد لشؤون الإنتشار مارون السويدي، الأمين المساعد لشؤون الإدارة جورج نصر، رئيس اتحاد بلديات بشري إيلي مخلوف، عدد من رؤساء البلديات والمخاتير، اعضاء المجلس المركزي في “القوّات”، حشد من أهالي الشهداء، والفاعليات الإقتصاديّة، المدنيّة، الفنيّة والإعلاميّة.
وكان قد استهل جعجع كلمته بالقول: “في 14 أيلول 1982 قالوا “انتهى” في 21 آذار 1994 قالوا أيضاً “انتهى” وفي 21 نيسان 1994 أيضاً وأيضاً قالوا “انتهى”، أما في 9 أيلول 2018 فنقول وبالصوت العالي: “لا ما انتهى”. لم ينتهِ لأن هناك أناس وبأصوات عالية جداً صرخت: “لا ما انتهى… ولا بدّنا ينتهي”. لم ينتهي لأن الناس، ومن بين كل الأحلام، قرروا التمسك بهذا الحلم بالذات من بعد محاولة سلطة الوصاية والكثير غيرها وبكل قواهم خنق هذا الحلم وتقديم أحلام أخرى للبنانيين على طبق من فضّة، ومن بعد ما أمعنوا تهميشاً وتعتيماً وإلغاءً، ومن بعد ما استبعدوا “القوّات” عن السلطة السياسيّة لمدّة 15 سنة، عادت “القوّات” بـ15 نائب في يوم واحد وانكسر الحصار وتحرّر الحلم”.
وتوجه للرئيس الراحل الشيخ بشير الجميل بالقول: “شيخ بشير، ألقي نظرةً وشاهد غرسة الأرز التي زرعتها وتركتها قبل أن يشتد عودها، ألقي نظرة لترى كيف نمت غصونها وامتدت جذورها في كل أرجاء الوطن، بعد أن اجتازت معموديات مقاومة متلاحقة، الواحدة تلو الأخرى، في صمود كبير وإيمان لا يتزعزع. شيخ بشير، لقد فتحت لنا أبواب “الجمهوريّة القويّة” ومضيت. هبّت علينا من بعدها أمواجاً عاتية متلاحقة من الظلم والتجني، تغلبنا عليها كلها، وعدنا من الباب العريض بتكتل “الجمهوريّة القويّة”. لقد وعدتنا بوطن سيّد مستقل ونظيف، وحددت لنا المصير بالأمن والحريّة، فبقيت على وعدك “القوّات اللبنانيّة”.
واستطرد: “في 14 أيلول 1982، قالوا “انتهى الحلم” ولكننا بصمودنا ومثابرتنا أثبتنا أن كلامهم وهمٌ فعادوا ليقولوا: “لقد انتهى عصركم الذهبي”، ولكننا عملنا بجد وكد إلى حين وصلنا إلى عصرنا الماسي. قالوا: “لن تستطيعوا فعل أي شيء من بعد بشير” فقلنا لهم: “يا معترين، صحيح أن بشير قد رحل إلا أنه ترك وراءه 100 بشير “بشير حي فينا!”.
وقال: “شيخ بشير، إذا ما ألقيت نظرةً اليوم على احتفالنا واستعرضت رفاقك، ستجد أن كل فرد منهم يحمل قطعة من حكايا النضال والمقاومة، من عين الرمانة، من زحلة، من شرق صيدا وجزين، من الأشرفيّة وبيروت، من عيون السيمان وكسروان، من بلاّ وقنات، من منطقة دير الأحمر، من شكا والكورة، من المعتقلات والزنزانات، من ساحة الشهداء وحرم الجامعات والطرقات، وإذا ما جمعنا كل الحكايا والصور مع بعضها البعض نجد أننا سنحصل على تاريخ مشرق مجيد في نصفه أرزة حولها خط أحمر، إسمه “القوّات اللبنانيّة”.
ومن ثم توجّه جعجع إلى شهداء المقاومة اللبنانيّة بالقول: “رفاقي الشهداء، “كرمالكون” في كل سنة نحضر هذا القداس بكل فخر وسرور إلا اننا هذه السنة نأتي فخورين مسرورين وراضين أيضاً. راضون لأننا وبالرغم من نضالاتنا وتعبنا وكدّنا وتضحياتنا فهذه المرّة الأولى التي نشعر فيها أننا أوفينا لكم جزءاً ولو صغيراً من حقكم، فنحن كل ما نقوم به “كرمالكون”. إنتصرنا في الإنتخابات النيابيّة هذه السنة “كرمالكون”. ومهما فعلنا سنبقى نشعر بالتقصير تجاهكم”.
وتابع: “رفاقي الشهداء، لقد استشهدتم في المكان والزمان الذي وجب فيه الإستشهاد ونحن أهلكم لطالما كنّا فخورون جداً بكم ولكن للأسف فقد حاول البعض تجاهلكم أو تشويه استشهادكم إلا حين أن أتى الشعب، وهو المقياس الأول والأخير، وبعد عشرات السنين، ليعيد لكم، وفي مرحلة أولى، جزءاً صغيراً من حقّكم ما أظهر للعالم أجمع معنى وقيمة وتاريخيّة استشهادكم. لقد قال الناس “صار بدّا”. بعد طول تظلّم “صار بدّا”. بعد طمس الحقيقة لوقت طويل، “صار بدّا”، ومن أجل الحق والتاريخ والحاضر والمستقبل “صار بدّا”. لقد أتى الشعب ليقول: “صار بداً” أناس من طينة مختلفة… “صار بداً” أناس يستشهدون في سبيل ما يؤمنون به… “صار بدّا” من استشهدوا في سبيل شعبهم ووطنهم… “صار بدّا” من يطرد لصوص الهيكل”.
واستطرد: “رفاقي الشهداء، انتم الشعلة الأبديّة التي تنير دربنا وتهدينا إلى الطريق القويم. أنتم المنارة والقدوة وبرنامج عملنا الوحيد أن نكمل ما بدأتموه، من جيل إلى جيل، مهما اشتدّت علينا الصعاب وغلت التضحيات. شهداؤنا، صحيح أنكم ماضينا إلا أنكم مستقبلنا أيضاً. أنتم تاريخنا، ومن يتنكّر لتاريخه يخرج من الجغرافيا. أنتم قضيتنا، ومن ليس لديه قضيّة يفقد مبرّر وجوده. الإنتخابات النيابيّة هذه السنة أثبتت أنكم لستم فقط قضيتنا فنحن فقط رفاقكم إلا أنكم تمثلون قضيّة مجتمع متعطش للوطن الذي أنتم استشهدتم في سبيله. رفاقي الشهداء، من أقصى تمنياتي أن نتمكن بعد عام أو خمسة أو عشرة أعوام أن نأتي إلى هنا لحضور قدّاسكم ونقول لكم: الآن يمكنكم أن ترتاحوا فقد نفّذ الأمر، لقد تحقق حلمنا بالوطن الذي استشهدتم من أجله”.
وتابع جعجع: “شهّروا بنا في الإعلام ولفترات طويلة كي نصبح جثثاً سياسيّة. صادروا ممتلكات الحزب ومؤسساته الإجتماعيّة التي وجدت لخدمة المجتمع. وضعونا في زنزانات تحت الأرض وانتظروا أن نموت في الوزارة وها نحن اليوم أصبحنا مفخرة الوزارات لهذا السبب هناك بعض، في الداخل والخارج، خائف وخائف جداً. فنحن إذا انطلقنا من تحت الأرض وتمكنا من ان نصل لنكون مفخرة الوزارات التي استلمناها، فكيف بالحري اليوم بعد أن أصبحنا فوق الأرض وفي وزارات أكبر وعددها أكثر؟ من هنا يمكن أن نفهم هلع وخوف وتخبّط البعض وجهوده المستميتة كي لا نتمثل في الحكومة بشكل وازن أو إذا أمكن كي لا نكون فيها من الأساس. ولكن السيف سبق الذل فقد قال الشعب كلمته: “صار بدّا، لأنو القوّات قدّا”.
وشدد على أن “شهداءنا لم يسقطوا في أي يوم من الأيام، من أجل حكومة أو من أجل وزير “بالطالع او بالنازل”. لقد سقط شهداؤنا من أجل الدولة وليس من أجل أي منصب فيها. وهكذا نحن اليوم نصرّ على مشاركة كاملة في الحكومة من أجل المحافظة على الدولة وانتشالها من الجورة التي يضعها البعض فيها بفساده وانعدام تخطيطه واستغلاله لكل ما في الدولة. واداء وزرائنا في الحكومة المستقيلة يمكن أن يعطي فكرة صغيرة عما نعتزم القيام به في الحكومة الجديدة. من هنا نفهم سبب الحملات المسعورة الكاذبة على وزرائنا، وبدل أن يحاول البعض التشبه بهم وبالتالي محاولة كسب محبّة الناس وثقتهم كما فعل وزراؤنا، فقد انصرف لمحاولة التهشيم بهم لربما بهذا يمكن أن يساويهم به ولكن “إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا”.
وتمنى جعجع “ألا ينسى أحد أن الشهيد الأول في “القوّات اللبنانيّة” كان رئيس جمهوريّة واستشهد تحديداً لأنه كان يحاول إنقاذ الدولة. وفي الأساس وجدت “القوّات” لتعبة الفراغ الذي خلّفه غياب الدولة عند اندلاع الحرب، واليوم تَدخُل “القوّات” الحكومة من أجل ملء الفراغ الذي تسبب به البعض بممارستهم في الدولة. المسألة بالنسبة لنا أساسيّة وجوهريّة لهذا الحد وليست أبداً مسألة محاصصة أو مراكز أو حقائب”.
وأشار جعجع إلى أن “الإنتخابات النيابيّة أثبتت الأخير بالدليل العلمي الملموس وبالأرقام وبشكل لا يقبل الجدل أن “القوّات” لوحدها ثلث المجتمع ومن المؤكد يجب أن يتم ترجمة ذلك في الحكومة، ولن نقبل أن يأخذ منا أي أحد ما اعطانا إياه الشعب”.
وتطرّق إلى الواقع في لبنان، قائلاً: “إن الواقع في لبنان مذري لجهة الفساد والمديونيّة العامة والشلل الإقتصادي والإهتراء على مستوى الإدارة مع كل تبعات هذا الواقع من تدنٍ في المستوى المعيشي والبطالة والهجرة، ولكن حذاري من التفكير للحظة من اللحظات أن هذا الواقع ميؤوس منه. صحيح أنه غير ميؤوس منه ولكن من المؤكد أنه لا يمكن للأيادي التي بالأساس هي من أوصلته إلى هذه الحال إصلاحه. فهو لا يصلحه إلا ايادي نظيفة بيضاء لديها التصوّر والقدرة والنية والخطّة”.
وتابع: “أريد من الجميع أن يتأكدوا أنه يكفي في البداية القيام بخطوتين أو ثلاث من أجل قلب المعادلة الإقتصاديّة الإجتماعيّة الماليّة راساً على عقب. يكفي أن نبدأ بملف الكهرباء حيث العمل النظيف وحده قادر من جهة على تأمينها 24/24 وبتكاليف أقل من التي ندفعها في الوقت الراهن، ومن جهة أخرى توفير نحو ملياري دولار أميركي سنوياً أي نصف العجز السنوي على خزينة الدولة. هذه الخطوة وحدها كفيلة في البدء بقلب كل المعادلة فلماذا لا نقوم بها؟ نحن لا نقوم بها لأن هناك من يتمسّك بالكهرباء وهو غير قادر على حل مشكلتها، كل لا أقول أكثر، ولا يقبل بأن يحلّها أحد غيره. هذه الخطوة لا تكلّف المواطن أي شيء لا بل توفّر عليه، وتبدأ بتصحيح العجز المالي في الدولة”.
واستطرد: “إن الخطوة الثانيّة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هي التهرّب الضريبي الذي تقدّر قيمته بنحو مليار دولار سنوياً. لن أذهب بعيداً جداً في هذا الصدد ولكن أسال هل من الصعب على الحكومة الجديدة ان تقوم بالخطوتين الآنفتين الذكر اللتين وحدهما كفيلتين في البدء بإصلاح الوضع المالي للدولة وبالتالي الوضع الإقتصادي ككل من أجل الخروج من الجورة التي نقبع فيها؟ من الطبيعي هذا الأمر ليس بصعب أبداً ولكن من المؤكد لا يمكن أن يتم على طريقة “وداوني بالتي كانت هي الداء” فمن أجل المداواة بالشكل الصحيح “بدّك قوات”.
اما عن موضوع “العهد”، فقد أكّد جعجع أننا “من الداعمين الأساسيين للرئيس عون وموقع رئاسة الجمهوريّة والعهد. نحن مساهمون رئيسيون في هذا العهد وبإيصال رئيسه إلى قصر بعبدا، لذلك نعتبر أنفسنا شركاء فيه ومعنيون بإنجاحه وبإنجازاته التي من أبرزها حتى الساعة هو قانون الإنتخاب الجديد. نحن معنيون جداً بتثبيت مفهوم “الرئيس القوي”، الضروري جداً من أجل التوازن الوطني، وكي نتمكن من ذلك يهمّنا أن يكون الرئيس ناجحاً ورئيس إدارة حلول لا إدارة أزمات وليس أن تستمر في عهده الأمور على ما كانت عليه قبله. فعلى سبيل المثال، ليس هناك أي مبرّر للتأخر في تأليف الحكومة سوى العرقلة التي للأسف يقوم بها من يفترض بهم ان يكونوا الأكثر اهتماماً بنجاح العهد. ليس صحيحاً أن هناك عوامل خارجيّة تعرقل التشكيل. وليس صحيحاً أيضاً ان هناك معادلات طائفيّة متعثرة. كما أنه ليس صحيحاً أبداً أن هناك حرب صلاحيات دائرة فـ”اتفاق الطائف” قام بتحديد الصلاحيات وجميعنا وفي طليعتنا الرئيس ميشال عون نعترف بـ”الطائف” ونتمسك به. الصحيح الوحيد هو أن هناك بعض متمترس بالعهد ويحاول من جهة تقليص تمثيل “القوّات” وغيرها، ومن جهة ثانية وضع يده على أكبر عدد ممكن من الوزارات بشكل غير منطقي، غير واقعي وغير مقبول من أحد، وهذا كلّه بحجة “حصّة الرئيس”. إن التصرفات المماثلة هي التي تضرب العهد وتقوم بعرقلته”.
واستطرد: “هناك اليوم بعضاً، والذي كان من أكثر المفترض به مساعدة العهد، يقوم بتقويض سياسة العهد الوطنيّة الكبيرة من أجل مصالحه الشخصيّة الصغيرة. هذا البعض، عن دراية أو عدم دراية، يضرب جوهر التسوية الرئاسيّة التي قام عليها هذا العهد في الأساس، بدءاً من ركيزة أساسيّة لهذا العهد ألا وهي “القوّات اللبنانيّة”، إن لم أتكلم عن غيرها، وكل ذلك في سبيل يعض المصالح الجزئيّة الصغيرة”.
وأشار جعجع إلى أننا “ننظر لهذا العهد كعهد التحولات والإنجازات الكبير، وللأسف البعض يدع به ليكون عهد المصالح الضيقة الصغرى. لذا أنادي على الرئيس عون للمبادرة إلى إنقاذ عهده بيده، بدءاً من تأليف الحكومة الجديدة، فجل ما هو مطلوب منه ان يشهد للحق ويلجم طمع البعض وينقذ التسوية الرئاسية الكبرى المهددة فعلاً في الوقت الراهن. فنحن عندما تكون إنجازات العهد الوطنيّة الكبرى على المحك سنكون أمامه حتى النهاية إلا أنه في المكان الذي تكون المسألة مسألة مصالح شخصيّة ضيّقة فنحن سنكون ضدّها وفي الحال هذه لا يتلطى أحد بالعهد فكم من الجرائم ترتكب باسمك أيها العهد”.
كما تناول جعجع في كلمته موضوع المصالحة المسيحيّة و”تفاهم معراب”، وقال: “إن البعض يقول “انتهى” أما نحن فنقول “لا ما انتهى”. لا لم ينته لأن هذا التفاهم ليس ملكاً لأحد ولا حتى أصحابه الذين وقّعوا عليه. هذا التفاهم أصبح ملكاً للناس الذين كانوا يصلّون منذ سنوات عدّة من أجل التوصّل إليه. هذا التفاهم غيّر طبيعة المعادلة في لبنان وأصبح جزءاً لا يتجزأ من وجود مجتمعنا ودوره الفاعل وتأثيره، لقد أصبح جزءاً من حاضره ومستقبله. لا يمكن لأحد نسيان ما حققه هذا التفاهم. فإلى جانب تنقيّته الأجواء والمناخات في جميع المناطق والمدن والأحياء والقرى وحتى في الكثير من البيوت اللبنانيّة، فقد أوصل وللمرّة الأولى منذ أكثر من ربع قرن إلى قصر بعبدا رئيساً له صفة تمثيليّة كبيرة. كما أوصل أيضاً إلى حلّ ملفات وقضايا أساسيّة ما كان من الممكن حلها من دونه، من قانون استعادة الجنسيّة، إلى الحكومة المتوازنة، إلى قانون جديد للإنتخابات أدى إلى تصحيح التمثيل النيابي من بعد اختلاله لمدّة تزيد عن ربع قرن”.
واعتبر جعجع أن “تفاهم معراب” إنجاز تاريخي، لا يمكن لنا أن ننظر له من زاوية ضيّقة أو صغيرة، ولا يمكن أن نفهم بشكل صحيح إلا إذا قمنا بتقييمه من منظار واسع. يمكن للبعض أن يقول إن “القوّات” دفعت ثمن المواجهة وعادت ودفعت ثمن المصالحة واليوم يحاولون أن يدفّعوها ثمن انتصارها في الإنتخابات النيابيّة الأخيرة. إلا أننا نقول: “هذا جميعه صغير جداً مقارنةً بالمصلحة العامة من المنظار الكبير”.
وتابع: “نحن ضحّينا ولا زلنا نضحي وسنكمل في التضحية لأن المصلحة العامة تقتضي ذلك ولكن لا يفكرنّ أحد منكم في يوم من الأيام أن مقدار هذه التضحية سيذهب سدى لأنه في نهاية المطاف ومهما حاولوا القيام بما هم يحاولون القيام به فسيبقى الأبيض أبيضاً والأسود أسوداً وبالتالي على ما رأيتم في الأنتخابات السابقة “ما رح يصح إلا الصحيح”. فنحن إن كنا مع “أوعا خيك” حتى النهاية فهذا لا يعني أن ما له هو له وحده وما لنا هو أيضاً له وحده فهذا يعني تفاهم وتنسيق وشراكة حقيقية”.
وتوجه إلى “الرفاق العونيين” بالقول: “مهما حصل فمن بعد “تفاهم معراب” يجب ألا يردّنا أي شيء إلى الوراء. صحيح أن النبرة تعلو بين الحين والآخر إلا اننا يجب ألا ندع هذا الأمر يفرقنا من جديد. تذكروا مقدار الفرح الذي فرحناه والإرتياح الذي شعرنا به عندما توصلنا إلى هذا التفاهم: “جبال وانزاحت عن كتافنا”… تذكّروا كيف ارتفعت معنوياتنا في حين أنه كان لم يتحقق أي أمر بعد… تذكروا كيف خلعنا ثوب الإحباط والقنوط بلحظة ولبسنا ثوب الثقة بالذات والأمل الكبير بالمستقبل… تذكروا كيف لمستم من حولكم وفي ومضة عين رضا آبائنا وأجدادنا… تذكروا كيف عاد الفرح والإطمئنان إلى قلوب أمهاتنا… تذكروا كيف حل السلام بين الجار وجاره… تذكروا كيف تصالح طلابنا في المدارس والجامعات وعادوا ليكونوا “الكتف عالكتف والإيد بالإيد”… تذكروا كيف عدنا صوتاً واحداً يمكنه أن ينقل الجبال… هذه اللحظات التاريخيّة يجب ألا نضيعها لأي سبب من الأسباب وذلك من أجل المحافظة على الأمل الذي سنحافظ عليه وضمان المستقبل الذي سنضمنه إن شاء الله”.
وتطرّق إلى مسألة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وقال: “سمعنا في المرحلة الأخيرة بعض الأصوات المطالبة بوجوب عودة لبنان لتطبيع علاقاته مع سوريا. في لبنان هناك دولة بغض النظر طبعاً عن مقدار فعاليتها فهذا أمر مختلف، كما في لبنان شرعيّة منبثقة من عمليّة ديمقراطيّة فعليّة شهدنا فصلاً أساسياً منها منذ الثلاثة أشهر تقريباً مع الإنتخابات النيابيّة الأخيرة. في لبنان موالون ومعارضون إلا أنهم جميعاً يعترفون بشرعيّة الدولة بشكل أو بآخر وفي مقابل هذه الدولة الشرعيّة الموجودة في لبنان هل من الممكن أن يدلني أحد على دولة شرعيّة موجودة في سوريا والتي أكثريّة من السوريين يعتبرونها دولتهم كي تقيم الدول اللبنانيّة علاقات كاملة معها؟ فإن كان هناك دولة شرعيّة في سوريا فكيف نفسّر عدم وجودها في جامعة الدول العربيّة؟ وهل من المنطقي أن نتخطى نحن هذا البلد الصغير جامعة الدول العربيّة ونقيم علاقات طبيعيّة مع نظام تقاطعه هي وجميع الدول المنتمية لها؟ كيف يمكن أن نفسّر عدم وجود اي علاقات دبلوماسيّة بين هذه الدولة المزعومة والاكثريّة الساحقة من دول العالم؟ من الطبيعي هناك شؤون يوميّة تتطلب تنسيقاً عملانياً وهذا التنسيق يقوم به الأمن العام اللبناني على أكمل وجه وبرضى جميع اللبنانيين وهذا الأمر بحد ذاته لا يعترض عليه أي أحد منا”.
وأوضح جعجع أن “من يطرحون تطبيع الوضع على المستوى السياسي مع نظام بشار الأسد يتحججون بمسألتين: أولاً موضوع النارحين السوريين وثانياً تصريف المحاصيل الزراعيّة والصناعيّة اللبنانيّة”.
وتابع: “في موضوع النازحين السوريين فقد تحمّل لبنان أكثر بكثير من قدرته وحكماً اصبح يجب على هؤلاء العودة إلى سوريا، ونحن في هذا الصدد نؤيد السياسة التي يتبعها رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة وسيعيهما الدائم مع المراجع الدوليّة المعنيّة من أجل إعادة النازحين. ولكن دعونا في هذا الإطار أن نبحث عما يمكن أن تكون فائدة تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد، فالنقطة المحوريّة الأساسية في هذا المجال هي السؤال: “من قال إن بشار الأسد يريد عودة النازحين؟” لا بل أكثر من ذلك بكثير فالمؤشرات تدل أنه لا يريدهم أن يعودوا وذلك للأسباب الديمغرافيّة، الطائفيّة والإستراتيجيّة المعروفة. وتأكيداً على ذلك لدي سؤال بسيط: “هل هناك من دولة تساوم على عودة شعبها إليها وتضع الشروط على دولة ثانية من أجل أن تقبل بعودة هذا الشعب إلى أراضيه؟”. فلو صحيح أن بشار الأسد يعتبر النازحين السوريين في لبنان شعبه لكان ترجى الأمن العام البناني لإرسال أكبر عدد ممكن منهم وباسرع وقت ممكن بغض النظر عن أي أمر آخر، في الوقت الذي ما نراه هو العكس تماماً فمنذ أشهر حتى اليوم تقدّم ما يزيد عن 4 آلاف نازح سوري بطلبات للعودة إلى بلادهم فيما لم يتم قبول اكثر من 2000 طلب. وهذا ما يعني أن الحصيلة سلبيّة لأنه في المدّة الزمنيّة التي تمكن فيها فقط 2000 نازح من العودة قد زادت الولادات السوريّة في لبنان نحو 15000 طفل على الأقل. ما يدل أن جوهر المطروح ليس تطبيع العلاقات لإعادة النازحين السوريين إلى سوريا التطبيع من أجل عودة النظام السوري إلى لبنان وفي هذا الأمر نخسر مرتين: مرّة ببقاء الناحين هنا ومرّة ثانيّة بعودة النفوذ السوري لا سمح الله إلى لبنان من جديد”.
واستطرد جعجع: “من جهة أخرى، كيف لنا أن نطبّع مع نظام ثبت بالدليل القانوني القاطع قيامه بتفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس ما ادى إلى استشهاد نحو 40 لبناني وإصابة المئات بالإضافة إلى الأضرار الماديّة التي لحقت بالمدينة؟ كيف يمكن لأحد أن يسمح لنفسه بطرح مسألة التطبيع مع نظام كان قد أرسل لنا مع الوزير السابق ميشال سماحة كميّة من المتفجرات للقيام بأعمال إرهابيّة على الأراضي اللبنانيّة؟ أين المحتجزون قصراً في سجون الأسد منذ أكثر من عشرات السنين وفي طليعتهم رفيقنا بطرس خوند؟ هل هناك من منزل في لبنان ومن الطوائف كافة إلا وأبكاه في يوم من الأيام نظام الأسد؟ فنحن إن لم نشعر مع بعضنا البعض ولو بالحد الأدنى، وإذا ما أردنا أن نبدّي أي مصلحة أخرى على مصالح بلادنا فعندها يكون على الدنيا السلام لا سمح الله”.
وقال: “أصل الآن إلى مسألة مصالح اللبنانيين التجاريّة: أولاً، إن كل الإتفاقات والترتيبات المطلوبه من أجل التبادل التجاري بين لبنان وسوريا موجودة وأكثر من اللازم، وبالتالي إذا فتح معبر نصيب أين المشكلة في عبور الشاحنات اللبنانيّة للأراضي السوريّة كالعادة أي كما كانت تعبر قبل الثورة من دون أن نتدخّل نحن بكل ما يجري في سوريا اليوم؟ من جهة ثانية، هناك من يهددنا دائماً بتسكير الحدود اللبنانيّة – السوريّة وهنا نسأل هل هذه الحدود يستفيد منها لبنان فقط؟ هل الميزان التجاري القائم حالياً بحكم الأمر الواقع هو لصالح لبنان أم نظام الأسد؟ هل تعلمون ان الشاحنات اللبنانيّة التي تدخل الأراضي السوريّة تدفع الرسوم فيما الشاحنات السوريّة التي تدخل لبنان لا تدفع أي رسم؟ فيما الجميع يعلم أن كل التهريب الحاصل في لبنان هو عبر الحدود الشرقيّة التي يسيطر عليها نظام الاسد بشكل كامل. الأسد يريد خدمة مصالحه ومصالح جماعته بكل الأشكال الممكنة مئة في المئة، وعلى حساب مصالحنا الماليّة والإقتصاديّة مئة في المئة فيما هناك للأسف بعض اللبنانيين يطالبون بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد تحت شعار المصالح الإقتصاديّة للبنانيين. لقد ولّى زمن الإستقواء على لبنان واتت أيام لبنان القوي والجمهوريّة القويّة. وأتوجه لكل المنادين بالتطبيع مع سوريا بالقول: “إن التطبيع مع سوريا أمر طبيعي ومنطقي ويخدم مصالح البلديّة لأبعد حدود. ولكن لكي يحصل على التطبيع مع سوريا كدولة وليس فصيلاً من سوريا علينا انتظار العمليّة السياسيّة الحقيقيّة هناك إنطلاقاً من مؤتمرات “جنيف 1″ و”جنيف 2″، والوصول إلى دولة سوريّة شرعيّة تمثل السوريين فعلاً وعندها تتوفر ظروف التطبيع وشروطه وتتحقق مصلحة لبنان وسوريا في آن”.
وتناول جعجع في كلمته أيضاً مشكلة تمويل “الأونروا”، مشدداً على أنها “منظمة دوليّة أنشئت خصيصاً سنة 1949 من أجل العناية باللاجئين الفلسطينيين تمهيداً لعودتهم إلى أرضهم. إلا أن هذا الهدف لم يتحقق بعد، لذلك من الضروري والأساسي جداً ان تكمل “الأونروا” مهمتها ليس فقط للأسباب الإنسانيّة بل أيضاً لأسباب جوهريّة لها علاقة بحل الدولتين. من هنا، نحن نعتبر أن أي تلاعب بحق العودة من خلال التلاعب بمصير “الأونروا” ستكون نتائجه كارثيّة على الأوضاع السياسيّة والعسكريّة والإستراتيجيّة في الشرق الأوسط ككل. لذا على الحكومة اللبنانيّة أن تتابع مساعيها مع جميع أصدقاء لبنان من أجل تثبيت واقع “الأونروا” على المستوى الدولي ومن أجل حض، خصوصاً الدول العربيّة، على سد الثغرة الماليّة التي تركها وقف المساعدات الأميركيّة وسد هذه الثغرة يجب أن يتم فوراً وبشكل دائم خدمة للسلام في الشرق الأوسط”.
وشدد جعجع على اننا “جماعة السيادة والحريّة والإستقلال. من هنا بدأنا وهكذا نكمل وهكذا سنبقى إلى آخر الزمان. نحن نعتبر أن بلداً من دون سيادة كاملة لدولته، بمؤسساتها الشرعيّة السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والقضائيّة، على أراضيه مهدد بالإفراط في أي لحظة. نحن نعتبر أيضاً أن بلداً من دون حريات عامة وخاصة مصانة ليس من القرن 21 ولا حتى من القرن 20 وهو بلد لا يحترم الإنسان. لذا في هذا المجال نحن لا نشعر بالإرتياح أبداً إزاء الإستدعاءات التي تتم بشكل ممنهج وبمجرّد تعبير الفرد عن رأي معارض، حتى لو التزم بجميع آداب وقوانين المعارضة الحقّة. ومن جهة أخيرة، بلد من دون استقلال يعني عملياً هو ليس ببلد. لذا من أجل أن نستطيع المحافظة على كل هذه الأمور من المهم جداً أن نلتزم كدولة وأحزاب سياسيّة سياسة “النأي بالنفس”.
وسأل جعجع “أين مصلحة الشعب اللبناني في إدخالنا إياه في أتون الصراعات الدائرة في المنطقة؟ دول تنهار بأكملها، مدن بحجم حلب والموصل تتدمّر عن بكرة أبيها، بنى تحتيّة مئة مرّة أكبر من حجم البنى التحتية في لبنان تنهار، مئات الآلاف من القتلى، ملايين الجرحى وعشرات الملايين من المهجرين، فأين مصلحة الشعب اللبنانيّ في زجّنا له في هذا الأتون؟ طبعاً ليس لنا أي مصلحة في ذلك، لا بل لدينا كل المصلحة في أن نبقى بعيدين عن أحداث المنطقة ككل ولذلك يجب أن نتمسك أكثر من أي وقت مضى بسياسة “النأي بالنفس” بكل دقّة وحزم”، مشيراً إلى أنه “قد حصلت بعض الخروقات المحدودة لهذه السياسة في الآونة الأخيرة وأتمنى أن تكون الأخيرة نظراً لأهميّة الحفاظ على لبنان والشعب اللبناني بمنأى عن مآسي المنطقة وكوارثها”.
وتابع جعجع: “إنطلاقاً من هنا، لدي كلمة صغيرة للإخوان في “حزب الله”: “ماذا ينفع الإنسان لو ربح المعارك كلّها وخسر وطنه؟ فما سيبقى لنا في نهاية المطاف هو عائلاتنا وبيوتنا وقرانا وبلادنا لذلك من المهم جداً أن نضع كل جهدنا وتعبنا وعرقنا ودمنا في بلادنا ولأجل بلادنا فقط وليس أي بلاد ثانية أو أي قضيّة أخرى. نحن لدينا قضيّة واحدة لا ثاني لها وهي أن نهتم ببلدنا وننهض به من أجل أن يصبح بمصاف أرقى دول العالم فيصبح اللبناني مرتاحاً في بلده، فخوراً بهويته وبجواز سفره وليس كما هو الوضع الراهن اليوم. لذلك سأنهي كلامي للإخوان في “حزب الله” بكلمتين: “عودوا إلى لبنان”… عودوا إلى لبنان بكل المعاني وعلى جميع المستويات… عودوا إلى لبنان ونحن جميعاً في انتظاركم…”.
وتوجه جعجع برسالة إلى “الرفاق” كل “الرفاق” في “14 آذرا”، وقال: “صحيح إننا لم نقم بإدارة “14 آذار” تنظيمياً كما يجب. صحيح ان أخطاءً ارتكبت، البعض منها كان فادح في المرحلة ما قبل الأخيرة، ولكن يمكن أن أؤكد لكم أن الدنيا لا تزال بألف خير، فنحن كـ”14 آذار” قوّتنا الفعليّة تكمن في مشروعنا السياسي أكثر من أي شيء آخر ومن المهم جداً أن نحافظ على هذا المشروع ولو في بعض الاحيان على شكل جُزُرٍ هنا أو هناك إن لم يتيسر لما شيء أفضل. الأهم هو أن نبقى متمسكين بهذا المشروع، ولو حتى كل فرد من موقعه، لأن مشروعنا يحمل في طيّاته بذور نجاحه، وفي بعض الأوقات من دون أن يكون لنا فضل في ذلك. مشروعنا هو صورة عن شهدائنا لا يموت. مثلهم: يغيب عن العين إلا أن روحه حاضرة دائماً وتظلل كل حركة نقوم بها”.
وختم جعجع قائلاً: “شهداؤنا الأبرار، “كرمالكون” وكرمى عيونكم ودموع امهاتنا التي لا تجف مستمرون حتى النهاية. “كرمالكون” لم ينعسوا ولن ينعسوا الحراس، لم يتعبوا ولن يتعبوا وفي الحقيقة “بس إجا وقتا، وصار بدّا، كانوا قدّا” لذلك أريد أن أتوجه اليوم إلى كل الرفاق في لبنان وبلاد الإنتشار بالشكر باسمكم على التعب والسهر والجهد الذي بذلتموه من أجل حصولنا على النتيجة التي حصلنا عليها. وأريد أن أتوجه بالشكر الكبير للبنانيين الذين صوّتوا “قوّات” انطلاقاً من إيمانهم بصدقنا واستقامتنا وقدرتنا على إنقاذ البلاد، وأريد أن أقول لهم في هذه المناسبة: “تأكدوا تماماً أنه لن يذهب سدى أي صوت من أصواتكم وتأكدوا تماماً أنكم وضعتم ثقتكم في المكان المناسب فنحن سنبقى نجاهد ونكافح ونناضل من أجل طرد اللصوص من الهيكل لتقوم دولة في لبنان لديها سيادة كاملة واستقلال ناجز وحريات مصانة ومستقبل زاهر”.
وقد احتفل بالقداس مدبّر عام الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة الأب طوني فخري ممثلاً صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى يعاونه لفيف من الكهنة، وألقى بعد الإنجيل المقدّس عظة قال فيها: “يشرّفني أن أنقل إليكم بركة صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الكليّ الطوبى، الّذي كلّفني الاحتفال بهذه الذبيحة الإلهيّة، في هذه المناسبة النبيلة الّتي تحيي فيها القوّات اللبنانيّة ذكرى شهداء المقاومة اللّبنانيّة الأبرار، الّذين واصلوا في سفك دمائهم الزكيّة مسيرةً محورها ذبيحة الربّ يسوع، يوم ارتضى بذل ذاته عنّا ليفتدينا من لعنة الموت، مائتًا على الصليب”.
وتابع: “نجتمعُ اليومَ لنُحيي ذكرى مَن حَملوا صَليبَ الربِّ في حَياتِهم، علامةً للشهادة، حتّى الاستشهاد. اجتماعُنا حول مذبح الربّ، للصلاة من أجل شهدائنا، بدعوة من حزب القوّات اللبنانية، يندرج في سياق قيمة الوفاء لذكراهم وقيمة الأَمانةِ لقضيّتهم. إنّما الوفاء والأمانة هما دلالة على الإيمان بالله. نريد، في هذا القدّاس، أن نحني رأسنا أمام ربّنا ونصلّي من أجل شهدائنا، “كرمالن”. نسأله تعالى أن يغدق فيض المحبّة عليهم، من خلال سرّ المحبّة، سرّ الافخارستيا، تلك المحبّة التي تؤهّلهم أن يحيوا معه، في ملء الحياة، في المجد الأبديّ”.
واستطرد: “لقد غابوا عنّا وعن أرضنا، كلّ الغياب. ولكنّ القراءة الأولى، من سفر الرؤيا، تخبرنا عنهم، وتؤكّد لنا أنهم حاضرون، كلّ الحضور، عند الله، وأمامنا، أمام عيون إيماننا. هم يشربون من نهر ماء الحياة، ويتناولون من ثمر شجرة الحياة، وحيث هم، لَنْ يَكُونَ لَيْلٌ مِنْ بَعْد، فلا يَحْتَاجُونَ إِلى نُورِ السِّرَاج، ونُورِ الشَّمْس، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلـهَ يُنِيرُ عَلَيْهِم، فَيَمْلِكُونَ إِلى أَبَدِ الآبِدين”.
ولفت إلى اننا “في قدّاسنا، نحن نتوجّه الى شهدائنا ونقول لهم: “كرمالكن”، نحن نصلّي. نقول لهم ذلك بكلّ خفرٍ، وبدون أيّ تمنين، لأنّنا نعرف جيّدًا أنّ فعلنا هو نقطة في بحر ما عملوه “كرمالنا”، بدون أيّ تمنين. هم بذلوا نفسهم من أجلنا، وهو ربّنا وإلهنا يعلّمنا: “ما مِن حُبٍّ أَعظم مِن أَن يبذُلَ الإنسانُ ذَاتَهُ فِداءً عن أَحبَّائِه”. نعرف جيّدًا أن فعلنا هذا واجب، وفعلنا يرفعنا الى مصاف الأمانة لله ولدعوتنا في الوجود”.
وقال: “عندما عذّب المخرّبون لبنان، وطرحوه جريحًا على قارعة الطريق، وعندما جُرحنا جميعُنا بالفعل ذاته، صرخ كلّ شهيد: “كرمالكن”، وقام ببطولات كبيرة، وصلت إلى الاستشهاد، بطولات ضمّدت جراحنا ونقلتنا، ونقلت وطننا الحبيب لبنان، الى حياة أفضل. هذا هو مشهد انجيل اليوم، مشهد السامريّ الصالح المفعم بالمحبّة. نعم، يا اخوتي، إنّ كلّ شهيد من شهدائنا هو السامريّ الصالح الذي بذل الذات عن أحبّائه، ونقلهم إلى حالة أفضل، إلى حالة نعيم. إنّما نحن أحبّاء شهدائنا. فإن نقل لكم، يا شهداءنا الأبطال، “كرمالكن” لن نذرف الدموع، فاعذرونا، لأنّنا عاجزون عن ذلك، عاجزون عن التشبه بجبروت بطولتكم. أنتم تعرفون جيّدا أنّ استشهادكم كوى قلوب الكثيرين منّا، خصوصًا أهلكم واقاربكم، يوم صعقوا بخبره، أو رفاقكم، يوم شاهدوكم تسقطون أو حملوا نعشكم محبة واجلالا وتقديرا. ولم تستطع الأيام، مع كلّ تقلّباتها، أن تدع ذكراكم جانبًا. إنّكم لنا مثال عن المحبّة وتجليها الجميل في الإنسان، من أجل أخيه الإنسان. أنتم تشدّدوننا في مسيرتنا الحياتيّة، لأنّكم تذكّروننا بإيماننا، وبتضحية ربّ المحبّة على الصليب. توجّهون الينا كلام سفر الرؤيا لنثبت في الأمانة، وتحثوننا على أن نكون مثل السامريّ الصالح، مشاركين فعليًّا في تضميد جراح لبنان الذي ما زال ينزف بنوع آخر”.
وشدد على أننا “ننحني إجلالاً أمام وقفتكم الثابتة في التاريخ والباقية في قلوبنا نبضًا يحيي فينا قيم مقاومة الشرّ والأشرار. نذكركم جميعًا أيّها الشهداء، ونذكر، بشكل خاص، من كان القائد وأضحى شهيدًا قبيل تسلّمه رئاسة الجمهورية، الرئيس الشهيد المرحوم الشيخ بشير الجميل. في السياق عينه، نريدُ أن نحيّي في وقفة وفاء من جعلوا الشهادة معيارًا للرسالة، والاستشهاد مسيرةً شخصيّة، في تمييز القرار، في الوقوف دومًا في صفّ المقاومين الأُوَل، حتّى غدت مسيرتُهم مسيرةَ استشهادٍ وشهادة، عانقوها مُتَّهَمين أبرياء، حملوا في أجسادهم علامات العذاب والظلم حتّى غدوا شهداء أحياء، وفي طليعتهم القائد الحكيم سمير جعجع الّذي استشهد يوميًّا على مدى إحدى عشرة سنة ونيّف من السجن، والتي يضيق بنا الوقت إن توقفنا عند كثافة اختباراتها، وقد أورد الكثيرَ منها المثلث الرحمات المطران فرنسيس البيسري، في كتابه “بين المطران والحكيم”. في هذا الكتاب بالذات، يخبر المطران البيسري عن مدى التأثّر الذي طبع الموارنة، كنيسةً وشعبًا، من مأساة سجن الحكيم، ومدى التقدير لشهادته البطوليّة. إنّ صلابة الحكيم هي مثال ناصع عن صلابة الموارنة في جبالهم ووديانهم ومدنهم، وأينما حلّوا. هي صلابة تلك السنديانة المارونية، العتيقة، التي تقهقرت أمامها وانقهرت رياح الظالمين والطغاة، ولم تستطع أن تلويَها قيدَ أُنملة، في أحلك الأيام من تاريخِ لبنانَ القديمِ والحديث”.
وقال: “روحانيّة الصليب هي روحانيّة كنيستنا، ترتكز على بُعدين: البُعد العامودي، وهو خطّ العلاقة بالله، … خطّ يربط الأرض بالسّماء. والبُعد الأفقي، وهو خطّ الكرازة بالإنجيل يربط أهل الأرض بعضهم بالبعض الآخر” كما ورد في رسالة صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الكليّ الطوبى، بعنوان سنة الشهادة والشهداء”. صاحب الغبطة والنيافة، بطريركنا الكلي الطوبى، إنّ صوتكم هو صوت الكثيرين الذين يريدون لبنان بلدًا أفضل، مزدهرًا، آمنًا، متّقيًا لله، منفتحًا على الشعوب، ومحقّقًا دعوته “الرسالة”، رسالةَ العيش المشترك، المفعمِ بالمحبّة. أنتم الصوت الصارخ، المطالب بإحقاق الحقّ والعدل. أطال الله بعمركم، وأنتم تقودون سفينة كنيستنا إلى برّ الأمان”.
وختم: “إنّ الشهادة والاستشهاد يستمرّان في حياةِ الكنيسة وأبنائها، من مار مارون إلى مار شربل والقديسة رفقا ومار نعمةالله والطوباوي الاخ اسطفان والطوباوي ابونا يعقوب، إلى الآباء البطاركة والاساقفة والكهنة والرّهبان، إلى شعبٍ طوّع الصخر واعتصم في وعره، لتبقى الأرض مساحة حريّة لعيش العبادة لله والمحبة للإنسان ضمن عيش مشترك حميد. رحم الله شهداء المقاومة اللبنانيّة الأبرار وجميع الشهداء، وقوّى الشهداء الأحياء على حمل صلبانهم باعتزاز، وزرع الرّجاء في قلوب الأهل الّذين قدموا للوطن قرابين نضرة ذكيّة عظيمة. وأعطانا جميعًا أن نكون شهود رحمته وحنوّه في وطننا ومجتمعنا كالسّامري الصالح، بنعمة الثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس”.
وقد تلا النوايا كل من النواب: جان تالوزيان، زياد حوّاط، جورج عقيص، أنيس نصار وإيلي سلامة نجل الراحل مكاريوس سلامة، فيما تلت الرسالة النائب أنطوان زهرا. وقد استهل القداس بدخول الكشافة الذي بلغ عددهم 250 عنصراً ووضعوا إكليلاً من الغار على المذبح بالإضافة إلى البخور.
من جهة أخرى، قامت جوقة جامعة سيّدة اللويزة بقيادة الأب خليل رحمة بخدمة القدّاس الذي قام جهاز الشهداء عقب انتهائه بوضع ذخائر شهداء قواتيين على المذبح، ومن ثم تلت السيّدة نسرين حصني زوجة الشهيد جورج فؤاد ديب، الذي استشهد في 19-06-1998، كلمة وجدانيّة في مستهل أغنية كرمالكن التي هي من كلمات نزار فرنسيس، توزيع مارك بو نعوم، ألحان: الياس الرحباني، ريتشارد فارغنر، تشيكوفسكي، بروكوفيف ودفوراك إلغار، غناء: التينور إيليا فرنسيس والفنانة ريتا بو صالح. وتتناول أغنيّة “كرمالكن” مرحلة المقاومة اللبنانيّة منذ مار يوحنا مارون حتى اليوم مروراً بكل المراحل التي عاشتها “القوّات اللبنانيّة” من مقاومة ونضال سري وصولاً إلى “14 آذار” حيث تم عرض فيديو مصوّر في هذا الإطار خلال إنشادها وهو من فكرة وإشراف: إيلي يحشوشي وإخراج مارون بو راشد.
أبرز الأخبار