23-08-2018
عالميات
وقال بولتون، الذي يلتقي الخميس بنظيره الروسي نيكولاي باتروشيف في جنيف، ضمن جولة قادته قبل جنيف إلى القدس، ويختتمها بزيارة إلى أوكرانيا، إن روسيا “عالقة” في سوريا وتتطلع إلى آخرين لتمويل إعادة الإعمار بعد الحرب، واصفا ذلك بأنه فرصة أمام واشنطن للضغط في سبيل انسحاب القوات الإيرانية من سوريا. وأوضح أن الاتصالات الأميركية مع روسيا لم تشمل أي تفاهم بشأن هجوم القوات الحكومية السورية على مقاتلي المعارضة في إدلب.
وتسعى الولايات المتحدة، منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة، إلى فك ارتباطها بقضية سوريا حيث نشرت الإدارة السابقة بعض القوات وقدمت دعما محدودا لقوى كردية معارضة رغم اعتراضات من تركيا، ثم عادت الإدارة الأميركية وقلصت من الحديث عن الانسحاب من سوريا.
ولا يبدو أن هذا الأمر سيتحقق قريبا، حيث أشار بولتون إلى أن الوجود الأميركي في سوريا يستند إلى أهداف. وقال في المقابلة “مصالحنا في سوريا هي استكمال تدمير دولة خلافة داعش والتصدي لتهديد الإرهاب المستمر والقلق من وجود الفصائل والقوات الإيرانية… هذا هو ما يبقينا هناك”.
وأبدى بولتون، في مؤتمر صحافي في القدس، دعمه للضربات الإسرائيلية في الشهور الأخيرة لمواقع في سوريا حيث تم نشر صواريخ وأسلحة أخرى زودت إيران دمشق بها، مبررا ذلك بأنه “دفاع مشروع عن النفس من جانب إسرائيل”.
ولا يبدو أن هناك تصادما بين الأجندة الروسية والتدخل الأميركي في سوريا، بل يذهب المراقبون إلى القول إن هناك نقاط تشابك مصالح عديدة بينهما، ويلتقيان أساسا عند تحجيم دور إيران في سوريا، حيث تخشى موسكو من سيطرة النظام الإيراني على الرئيس السوري بشار الأسد وتواجدها العميق في دمشق وتأثيرات ذلك على مرحلة ما بعد الحرب.
وتشير بعض القراءات إلى أن موسكو، حليفة إيران، ستعمل على الاستفادة من الموقف الأميركي والإسرائيلي من إيران، وستدعمه وإن كان بشكل غير مباشر، حيث مازالت روسيا تحتاج إلى التحالف مع إيران. وتقول روسيا، أكبر داعم للرئيس السوري، إنها ملتزمة بالقضاء على مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية لكنها تتحدث بتحفظ أكبر عن دور إيران.
وأشار بولتون إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي التقى بترامب في هلسنكي في 16 يوليو أبلغ الولايات المتحدة بأن موسكو لا يمكنها إجبار الإيرانيين على مغادرة سوريا. وبحسب بولتون فقد أبلغ بوتين المسؤولين الأميركيين بأنه هو أيضا يود خروج القوات الإيرانية من سوريا لأن مصالح البلدين هناك ليست متطابقة تماما، ولكنه قال “لا أستطيع أن أفعل ذلك بنفسي”.
وقال بولتون “النقطة هي أنه ربما تكون الجهود الأميركية الروسية كافية”. وأضاف “الآن لا أعرف إن كان ذلك صحيحا أيضا، ولكنه بالتأكيد سيكون من القضايا التي سأناقشها مع نظيري الروسي في جنيف”.
وعشية تصريحات بولتون، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الإدارة الأميركية قد تفكر في مراجعة العقوبات المفروضة على روسيا في حال تعاونت في ملفي سوريا وأوكرانيا.
وعقّب بولتون على ذلك بقوله “سنرى ما يمكن لنا وللآخرين الاتفاق بشأنه في ما يتعلق بحل الصراع في سوريا. لكن الشرط المسبق الوحيد هو سحب كل القوات الإيرانية إلى إيران”، مشيرا إلى أن واشنطن تملك أوراق الضغط في محادثاتها مع موسكو لأن “الروس عالقون هناك في الوقت الحالي”.
وأضاف “ولا أعتقد أنهم يريدون أن يظلوا عالقين هناك. أرى أن نشاطهم الدبلوماسي المحموم في أوروبا يشير إلى أنهم يودون إيجاد آخرين مثلا لتحمل تكلفة إعادة إعمار سوريا، وهو ما قد ينجحون أو لا ينجحون في فعله”.
وتعرضت منطقة إدلب التي لجأ إليها مدنيون ومقاتلو معارضة خرجوا من مناطق سورية أخرى وكذلك فصائل متشددة قوية لموجة من الضربات الجوية والقصف هذا الشهر في استهلال محتمل لهجوم شامل للقوات الحكومية عليها.
وردا على سؤال عما إذا كان هناك أي تفاهم أميركي روسي حول مثل هذه العملية قال بولتون “لا، لكننا نشعر بالقلق الشديد عندما ننظر إلى الموقف العسكري ونريد أن نوضح للأسد بما لا يدع مجالا للشك أننا نتوقع عدم استخدام أي أسلحة كيمياوية أو بيولوجية إذا ما كانت هناك أعمال عسكرية إضافية في إدلب” في إشارة إلى الرئيس السوري بشار الأسد.
وشنت الإدارة الأميركية في أبريل الماضي هجوما منسقا مع بريطانيا وفرنسا على منشآت حكومية سورية على صلة بإنتاج الأسلحة الكيمياوية بعد هجوم بغاز سام أودى بحياة العشرات في منطقة دوما.
وقال بولتون إن الولايات المتحدة سترد “بقوة” إذا جرى شن هجوم كيمياوي أو بيولوجي في إدلب. وكرر تحذيره في المؤتمر الصحافي قائلا “عليهم (السوريين) التفكير بحق في ذلك طويلا قبل اتخاذ أي قرار”
العقوبات على إيران
في حديثه عن الملف الإيراني، دحض جون بولتون نظرية المؤامرة التي يروج لها النظام في إيران، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية لا تخطط في الوقت الراهن لإسقاط النظام في إيران بل ترغب في “تغيير كبير” في سلوكه. ويعد جون بولتون من أكثر المؤيدين لسقوط نظام الولي الفقيه في إيران.
وكان صرح في إحدى ندوات المعارضة الإيرانية، قبل أن يتولى منصبه كمستشار للأمن القومي الأميركي، خلفا لهيربيرت ماكماستر، في أبريل 2018، بأن “عام 2019 سيكون عام سقوط النظام الإيراني، وبأنه سيحتفل في طهران مع مجاهدي خلق بعد إسقاطه”.
من هنا، يثير حديثه عن عدم رغبة واشنطن في إسقاط النظام الاستغراب، الذي يتضح لاحقا حين يقول بولتون إن العقوبات الأميركية على إيران حققت أكثر مما هو متوقع، حيث كانت للعقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الأثر الكبير على الوضع الداخلي وزاد من حالة الاحتقان الشعبي.
وكان بعض الخبراء تحدثوا عن خطة أميركية لإسقاط النظام الإيراني بشكل غير مباشر، أ ي دون تدخل عسكري، كما وقع في العراق مثلا، بل عبر تغذية الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى انتفاضة شعبية داخلية قاصمة.
وأعادت الإدارة الأميركية فرض العقوبات على إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الدولي الذي أُبرم عام 2015، والذي تعتبره الولايات المتحدة غير كاف لحرمان إيران مما تحتاجه لصنع قنبلة ذرية ودافعا لتدخل طهران في شؤون جيرانها بالشرق الأوسط.
وأثار التحول في الموقف الأميركي غضب إيران وأقلق دولا أخرى تمثل قوى عالمية مع تفكير بعض الشركات في تلك الدول في ما إذا كان عليها وقف التعاملات مع طهران. وقال بولتون “دعني أكون واضحا، نعتقد أن إعادة فرض العقوبات لها تأثير كبير بالفعل على اقتصاد إيران وعلى الرأي العام داخل إيران”.
ويعاني الاقتصاد الإيراني من ارتفاع معدل البطالة والتضخم، إضافة إلى خسارة الريال نصف قيمته منذ أبريل.
وزادت إعادة فرض العقوبات الأمر سوءا. وتظاهر الآلاف من الإيرانيين في الأسابيع القليلة الماضية احتجاجا على الارتفاع الحاد في أسعار بعض المواد الغذائية ونقص الوظائف والفساد الحكومي. وكثيرا ما تحولت الاحتجاجات على غلاء المعيشة إلى مظاهرات مناهضة للحكومة.
وقال بولتون “أظن أن الآثار، خاصة الاقتصادية، أقوى مما توقعنا… لكن النشاط الإيراني في المنطقة مازال عدوانيا: ما بما تفعله إيران في العراق وفي سوريا ومع حزب الله في لبنان وفي اليمن وما هددت بفعله في مضيق هرمز”. ويعد المضيق ممرا مائيا استراتيجيا لشحنات النفط التي هدد الحرس الثوري الإيراني بمنع مرورها ردا على دعوات الإدارة الأميركية إلى حظر كل صادرات النفط الإيراني.
ممارسة أقصى ضغط
طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستشار البيت الأبيض للأمن القومي الدول الأوروبية بتكثيف الضغوط على إيران. وقال نتنياهو للصحافيين “أعتقد صراحة أن على جميع الدول المهتمة بالسلام والأمن في الشرق الأوسط السير على خطى أميركا وتكثيف الضغوط على إيران”، معتبرا أنه “كلما تكثفت الضغوط، كلما ازدادت فرص تراجع النظام عن عدوانيته. يجب على الجميع الانضمام إلى هذه الجهود”.
وتعد تصريحاته تلميحا مبطنا للدول الأوروبية الساعية إلى إنقاذ الاتفاق النووي والتي تعهدت بمواصلة تقديم امتيازات اقتصادية حصلت عليها إيران من الاتفاق.
وتسعى قوى أوروبية لضمان حصول إيران على منافع اقتصادية كافية لإقناعها بالبقاء في الاتفاق. وثبت مدى صعوبة ذلك بسبب قلق شركات أوروبية كثيرة من العقوبات الأميركية واسعة النطاق. وانسحبت مجموعة النفط الفرنسية توتال من مشروع كبير للغاز في إيران.
وفرضت واشنطن في آب عقوبات جديدة على طهران تستهدف تجارة الذهب ومعادن ثمينة أخرى ومشترياتها من الدولار الأميركي وصناعة السيارات. وقال ترامب إن الولايات المتحدة ستفرض حزمة أخرى من العقوبات، ستكون أقوى، في نوفمبر وتستهدف مبيعات النفط الإيراني وقطاع البنوك. ودعت ألمانيا أوروبا إلى إقامة نظم مدفوعات مستقلة عن الولايات المتحدة إذا أرادت المحافظة على الاتفاق النووي.
وقال بولتون “نتوقع أن يرى الأوروبيون، كما ترى الشركات في كل أنحاء أوروبا، أن الاختيار بين إجراء معاملات مع إيران وإجراء معاملات مع الولايات المتحدة واضح جدا لهم”، وأضاف “لذا سنرى إلى ماذا ستؤول الأمور في نوفمبر، لكن الرئيس (ترامب) جعل الأمر واضحا جدا… إنه يريد ممارسة أقصى ضغط على إيران… وهذا هو ما يحدث”. وتابع قائلا “يجب ألا يكون هناك شك في رغبة الولايات المتحدة في حل المسألة سلميا لكننا مستعدون تماما لأي احتمالات”.