15-08-2018
محليات
والقى الراعي عظة بعنوان: "ها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال، لأن القدير صنع بي العظائم" (لو1: 48-49).
هذا النشيد النبوي الذي أطلقته مريم، يوم زارت نسيبتها اليصابات، حالا بعد بشارة الملاك لها (راجع لو 1: 26-46).انطوى على كل عظائم الله التي كان أجراها وسيجريها في شخص مريم، وهي: عصمتها من الخطيئة الأصلية ومن كل خطيئة شخصية، أمومتها لابن الله المتجسد، وبتوليتها الدائمة، ومشاركتها في آلام الفداء، وأمومتها للكنيسة وللبشر، وانتقالها بالنفس والجسد إلى السماء وتتويجها سلطانة السماوات والأرض. وها نحن نتوافد من لبنان وبلدان الانتشار لنعطي الطوبى لمريم على ما حقق الله فيها من عظائم".
اضاف: "يسعدنا أن نحتفل معا بعيد انتقال أمنا مريم العذراء بالنفس والجسد إلى مجد السماء. ويحضر هذا الاحتفال، بالاضافة إلى هذا الجمهور من المؤمنين. فنحيي رعية بقرقاشا مع كاهنها وجوقتها، والشبيبة المارونية الآتية من بلدان الانتشار، بدعوة من الأكاديمية المارونية التي تنظم لهم دورتها السادسة. وتتضمن دورة تثقيفية لمدة ثلاثة أشهر في بلدانهم. ثم تدعو الناجحين من بينهم إلى زيارة لبنان، حيث تستضيفهم مجانا جامعة الروح القدس – الكسليك، ويتابعون فيها محاضرات وحلقات عمل حول مواضيع مختلفة وحول تسجيل وقوعات نفوسهم واستعادة الجنسية اللبنانية. ثم تنظم لهم المؤسسة المارونية للانتشار زيارات سياحية في مختلف المناطق اللبنانية، وزيارات تقوية، ولقاءات مع السلطات الرسمية المدنية والكنسية. إنا نحيي معكم الشبان والصبايا الآتين من الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا وفرنسا وجنوب أفريقيا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك وفنزويلا وبوليفيا والإكوادور وإسبانيا وروسيا، وربما سواها. هذا وتختتم الدورة باحتفال تخرج وعشاء وداعي".
وتابع الراعي: "إن انتقال مريم العذراء بنفسها وجسدها إلى السماء عقيدة إيمانية أعلنها المكرم البابا بيوس الثاني عشر في أول تشرين الثاني 1950، بقوله: "إن العذراء البريئة من دنس الخطيئة الأصلية، ومن كل دنس خطيئة شخصية، عندما أنهت مسيرتها في الحياة الأرضية، نقلت إلى المجد السماوي بجسدها ونفسها، وتوجها الرب ملكة الكون، لكي تكون أكثر شبها بابنها، سيد السادة، المنتصر على الخطيئة والموت".
وقال: "انتقالها مشاركة فريدة بقيامة ابنها، واستباق لقيامة جميع المؤمنين. إننا نهتف بصلوات الليتورجيا البيزنطية: "بأمومتك حفظت البتولية، وبقيامتك لم تتركي العالم، يا والدة الإله. لقد بلغت ينبوع الحياة أنت التي حبلت بالإله الحي، وبصلواتك تحررين نفوسنا من الموت" (كتاب التعليم المسيحي، 966).
ترتكز عقيدة الانتقال على رموز عنها في الكتاب المقدس بعهده القديم، من مثل: فردوس عدن الذي سكنه آدم الأرضي يرمز إلى مريم الفردوس الروحي الذي سكن فيه آدم الجديد، الرب الآتي من السماء. سفينة نوح التي نجته من غرق الطوفان ترمز إلى مريم التي ولد منها المسيح وأنقذ البشرية من غرق الخطيئة. عليقة موسى التي كانت تحترق، من دون أن تترمد، ترمز إلى مريم التي حبلت بابن الله من دون زرع رجل وظلت بتولا. مجمرة الذهب ترمز إلى مريم المجمرة التي احتوت ذهب الإله المتأنس منها. عصا هارون التي أفرخت ترمز إلى مريم التي صارت أما وهي عذراء.الأتون الذي امتزجت ناره بالندى يرمز إلى مريم التي حلت فيها النار الإلهية (القديس يوحنا الدمشقي +746)".
وتابع: "وعلى ضوء الإنجيل قرأ آباء الكنيسة سر الانتقال. فالقديس يوحنا الدمشقي مثلا (+746) تساءل: "كيف تقع في سلطان الموت من كانت للجميع ينبوعا للحياة الحقيقية؟ هذا إذا جاز أن نسمي موتا رحيلها المفعم قداسة وحياة. بصفتها والدة الله الحي، فمن العدل أن تنقل إليه، إذ كيف لا تعيش مدى الدهر تلك التي قبلت الحياة عينها بدون بداية ولا نهاية؟"
اضاف: "حدث سر انتقال مريم إلى مجد السماء لا يقتصر على أمنا مريم العذراء، ببعديه الروحي واللاهوتي، بل يختص بكل إنسان. فهو دعوة "للانتقال" من عتيق عاداتنا وأهوائنا ونظرتنا ورأينا وموقفنا، إلى الجديد في نمط حياتنا؛ و"للانتقال" من عتيق حالة الخطيئة إلى جديد حالة النعمة. هذا "الانتقال" الروحي والخلقي ضرورة لكل إنسان لكي يهيىء انتقاله إلى عالم الله في مساء الحياة. وهو ضرورة لكل مسؤول في العائلة والكنيسة والدولة. وأقولها اليوم انه ضرورة للمسؤولين السياسيين عندنا لكي "ينتقلوا" من مصالحهم الخاصة إلى المصلحة العامة، مصلحة الشعب، ومن الارتباط أو الولاء لهذه أو تلك من البلدان، إلى الولاء للبنان وسيادته وكرامته وحياده الإيجابي وعلاقاته البناءة مع كل الدول. عندئذ تتألف الحكومة سريعا وتباشر بإجراء الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات الحيوية، والنهوض بالاقتصاد والشؤون الإجتماعية، وترتيب شؤون المواطنين. وهكذا يحافظ لبنان على رسالة العيش معا أديانا وثقافات وحضارات، ويبقى عنصر سلام في المنطقة".
وختم الراعي: "بانتقالها إلى السماء، رسمت لنا مريم الطريق إلى الله، نسلكه مثلها بالإيمان والرجاء والمحبة؛ وهو طريق يمر عبر الإنسان الذي علينا أن نحبه ونحترمه ونتصالح معه ونخدمه. فيا مريم قودي خطواتنا في هذا الطريق المؤدي إلى السماء، حيث نرفع معك ومع جميع القديسين نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار