19-07-2018
محليات
ناتالي اقليموس
ناتالي اقليموس
كصَحراء ذبَحتها شمسُ الظهيرة، وقفَ الأساتذة المتعاقدون في الجامعة اللبنانية في “البورة” المحاذية للمفرَق المؤدّي إلى القصر الجمهوري، تحت وطأةِ الشمس يناشدون، ينادون، آملين بأن تصل أصواتهم إلى رئيس الجمهورية ميشال عون. وقفوا وسط تدابير أمنية مشدّدة، وانتشارٍ أمنيّ كثيف، على رؤوسهم قبّعات دُوِّن عليها “التفرغ حقنا”، منهم من يلوّح بعلم لبنان، وآخَرون بعَلم الجامعة اللبنانية.
في التفاصيل
يواصل متعاقدو اللبنانية، الذين بلغَ عددهم نحو 580، مستوفين الشروط، تحرُّكَهم مطالبين بحقّهم بالتفرّغ، فبعدما اعتصموا في بهو المبنى المركزي للجامعة الأسبوعَ المنصرم، وبعدما تعذَّر عليهم الاعتصام في وسط بيروت لتزامُنِ تحرّكِهم مع انعقاد جلسة انتخاب اللجان النيابية، اختاروا أمس التحرّكَ باتّجاه القصر الجمهوري في بعبدا. منذ العاشرة صباحاً بدأ الأساتذة بالتوافد من كلّ حدبٍ وصوب، رَكنوا سياراتهم على بُعد أمتار وساروا على أقدامهم في أرضٍ تُرابية تملأها الردميات والحصى، لبلوغ الساحة المخصّصة للاعتصام.
“لا لاستغلال واستنزافِ الأستاذ الجامعي”، “إنْ أردتم إصلاحاً فنحن مصلِحو النفوس والعقول”، “أليس من المعيب تحويلُ الصرحِ الأكاديمي إلى محاصَصة طائفية”، “أفرِجوا عن حقّي وأطلِقوا سراحَ ملفّ التفرّغ”. هذه عيِّنة مِن الشعارات التي رَفعها المعتصمون، ولكنّ ما في قلوبهم مِن وجع أضعافُ ما رَفعوه. في هذا السياق، يُعرب الأستاذ عماد غملوش عن حرقةِ قلبه لـ”الجمهورية”، قائلاً: “ينتظر الدكتور في “اللبنانية” نحو 3 سنوات لينالَ مستحقّاته، على سبيل المثال في 2 تموز الجاري تقاضَينا رواتبنا عن العام الجامعي 2015-2016 ، المؤسف أنّنا ننتظر كلَّ هذا الوقت لنتقاضى أتعابنا، عِلماً أنّ لكلّ منّا عائلةً، مسؤوليات ومستحقّات، والمعيشة صعبة جداً”. وأضاف: “لو أنّنا نتقاضى شهرياً وبشكل طبيعي، لم نكن لنبديَ كلَّ هذا الإلحاح، ولَانتظرنا من دون “كلّ هذه البهدلة”، ولكن منذ العام 2014 مكانك “ع الأرض يا حكم”، بصعوبة نُعلّم أولادنا”.
في وقتٍ لا يبدو في الأفق ولادةٌ سريعة للحكومة، جُلّ ما يتمنّاه د. غملوش وزملاؤه المعتصمون “أن يقترب الملف من أدراج الحكومة”، فيقول: “نعلم أنه ليس بوسعِ حكومة تصريف الأعمال أخذُ قرارِ تثبيت نحو 600 أستاذ، لا بدّ من حكومة أصيلة، ولكن نطالب على الأقل بتحويل الملف من رئاسة الجامعة إلى وزير التربية، وبَعدها إلى مجلس الوزراء، ليتمّ وضعُه على الطاولة ريثما تتشكّل الحكومة”.
“هذا ما نخشاه”
كلّ من ينظر في عيون هؤلاء الأساتذة، بصرفِ النظر عن تنوّعِ تخصّصاتهم وانتماءاتهم الطائفية والحزبية، يرى في عيونهم قاسماً مشتركاً، ألا وهو الخوف من الغد، ليس فقط لأنّ رواتبَهم تتأخّر سنواتٍ ليتقاضوها، إنّما تخوُّفُهم أيضاً هو مِن أن يؤثّر سلباً تعيين العمداء قبل البتّ في ملف تفرّغِهم. في هذا السياق، يقول رئيس لجنة التنسيق الدكتور يوسف سكيكي: “نحن مِن بين الذين تمّ استثناؤهم من التفرّغ في العام 2014، كانت أسماؤنا مطروحة، وبقدرةِ قادرٍ سُحبَت، ومنذ تلك الفترة نتابع تحريكَ الملف”.
وأضاف: “سبقَ وطرح رئيس الجامعة فؤاد أيوب الملف على أعضاء مجلس الجامعة، من بينهم نحو 8 عمداء في الوكالة، رفضَ المجلس آنذاك الصيغة، وارتفعت بعضُ الأصوات المعترضة لأنّ نحو 51 في المئة بينهم مِن الطائفة الشيعية، فاعتبروا وجود إجحافٍ بحقّ البقيّة، مع العِلم أنّ الأساتذة أنفسَهم لا يرضون بأن يكونوا من لونٍ واحد. إلى هذا الحدّ هم حريصون على المحافظة على التنوّع في الجامعة.
ولكن في الوقت نفسه لا يمكن معاقبة فئة تستحقّ التفرغ على حساب أخرى”. ويذهب سكيكي أبعد من ذلك، معتبراً “أنّ المشكلة تكمن في تعيينات العمداء الأصيلين، وقد تُؤدي إلى خلطِ أوراق، ونتخوّف من أن يأتيَ أحد العمداء ويقترح مراجعةً أو إضافةًَ أو أيَّ تعديلٍ على الأسماء، ما قد يُعيدنا “لا سمحَ الله” إلى نقطة الصفر، علماً أنّ الأسماء قد شُغلت بدقّة وبعد أن استوفت الشروط
لا يُخفي سكيكي أنّ الأساتذة المتعاقدين يتلقّون تطمينات على نحو أنّ “العمداء في الأصالة لن يَمسّوا بالأسماء التي تمَّ العمل عليها ضِمن الـ 580، ولكن لن نتخلّى عن نيّةِ التحرّك والبقاءِ في الأضواء إلى حين أن تتشكّلَ الحكومة ويولد ملفّ التفرّغ”.
لا رواتب منذ 3 سنوات
وخلال الاعتصام، تلا الدكتور حامد حامد البيانَ باسمِ الأساتذة، وأبرزُ ما جاء فيه: “ها نحن كما في كلّ مرّة، نقبَع في زاوية طريقٍ لنعبّرَ عن ظلمٍ تلوَ ظلم، وقهرٍ تلوَ قهر، كأنّ معاناة التفرّغ لا تكفينا، إذ تطفو على سطح مشاكلِنا معاناة أخرى تتمثّل في عدم دفعِ رواتبِنا منذ ثلاث سنوات ونِصفِ سَنة، وهو ما يعَدُّ سابقةً خطرة لم نعهدها في تاريخ جامعتنا الوطنية”. وناشَد الرئيس ميشال عون: “يا فخامة الرئيس، إنْ أردتم أن تفعلوا الإصلاح، فلا إصلاح من دون إصلاحِ النفوس والعقول، ومَن غيرُنا يملأ النفوسَ الخامدة حياةً وينير العقولَ المنطفئة؟”.
وبعد الاعتصام توجَّه وفد من الأساتذة إلى القصر الجمهوري لمقابلة رئيس فرع الأمانة العامة في رئاسة الجمهورية عدنان نصّار لتسليم كتابٍ مفتوح إلى رئيس الجمهورية.
“ع نار حامية”
في وقتٍ يبدو أنّ طريق ملف التفرّغ ليست معبَّدة، بل هي مليئة بالمطبات والعقد، أبرزُها تأمين التوازن الطائفي، موافقة مجلس الجامعة، تشكيل الحكومة… يبدو ملف انتخابات عمداء الكليات والمعاهد، على نار حامية. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عملية تعيين العمداء تتمّ على مرحلتين أساسيتين، أوّلاً كلّ كلّية ترفع 5 أسماء لديها من الأساتذة الذين هم في ملاك الجامعة، وإنْ لم يكن لدى الكلّية 5 أساتذة في الملاك يتّجه النظر إلى المتفرّغين، وفي حال عدمِ توافرِ متفرغين، تتّجه الأنظار إلى الكليات التي لديها تخصّصات متجانسة مع الكلية. وبعدها ينتخب مجلس الجامعة من بين الخمسة 3 أسماء يرفعها إلى مجلس الوزراء الذي يُعيّن مِن بينهم عميداً لكلّ كلّية أو معهد.
المعايير موحّدة؟
أنهت اللجنة التي أقرّها مجلس الجامعة البتَّ في طلبات الأساتذة المرشحين، بعدما اجتمعَت نحو 3 مرّات. وهنا تساءلَ بعض الأساتذة ما إذا كانت اللجنة قد اعتمدت معاييرَ موحّدة تنطبق على الكلّيات كافة. في هذا السياق، علمت “الجمهورية”، أنّ أبرز المعايير أو الشروط التي توقّفت عندها اللجنة هي: إذا كان المرشح برتبة أستاذ وفي ملاك الكلّية، وإذا كان عمره يَسمح له بإنهاء ولايته قبل بلوغه السنّ، أي التقاعد. وكذلك علمت “الجمهورية” أنّ هذه المعايير لم تكن موحّدة بين الكليات، إذ تمّ استثناءُ كلّية الطب لغيابِ ملاك الكلية، وفي كلّية السياحة قد تمّ قبول طلباتٍ لأشخاص مِن ذوي اختصاصات لا تنسجم مع طبيعة الكلية.
ختاماً، لا بدّ من الإشارة إلى أنه في نهاية الأسبوع الجاري ستنطلق عملية الانتخابات في الكلّيات، وتتواصل في الأسبوع المقبل، على أن تنتهي قبل نهاية الشهر الجاري، تحضيراً لرفع الأسماء لاحقاً إلى مجلس الوزراء ليقوم بالتعيينات
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
نصيحةٌ أميركية: لا تنظِّفوا البلد بممسحة وسخة!
مقالات مختارة
جنبلاط يقصف من مزارع شبعا
مقالات مختارة
«إتفاق إهدن» كافٍ لترسيم الحدود البرّية مع سوريا؟
أبرز الأخبار