09-07-2018
محليات
عماد مرمل
عماد مرمل
والأكيد أنّ محاولة إنقاذ العلاقة بين الطرفين أصبحت اكثرَ صعوبةً بعد تسريب “القوات اللبنانية” نصّ اتّفاق معراب، وما سبّبه ذلك من توسيعٍ للشرخ وتعميقٍ لأزمة الثقة، لا سيّما أنّ هناك في “التيار الحر” من يعتبر أنّ التسريب بالشكل الذي تمّ فيه يخالف الاصول الاخلاقية ويتعارض مع قواعد التعامل السياسي، فيما تعتبر “القوات” أنّ أصل المشكلة يكمن في تملّصِ الوزير جبران باسيل من توقيعه وانقلابه على مضمون التفاهم، وأنّ ما فعلَته هو ردُّ فعلٍ اضطراري ليس إلّا.
وأياً يكن الأمر، وكيفما توزّعت المسؤوليات الجزائية، فإنّ الواضح هو أنّ ما بعد كشفِ المستور في تفاهم معراب ليس كما بعده، وبالتالي فإنّ علاقة “التيار” و”القوات” باتت تحتاج إلى هندسة جديدة وإعادة هيكلة، في حال قرّر الجانبان الإبقاءَ عليها أصلاً، علماً أنّ هناك من يفترض أنّ أحد الطرفين أو كليهما قد يجد أنّ من الافضل بعد الذي حدثَ فسخُ “الخطوبة السياسية” عقب “الخيانات” المتبادلة وثبوتِ عدم أهليتهما لـ”زواج ماروني”.
ومع ذلك، لا يزال التنظيمان يحرصان، أقلّه في الخطاب العلني، على التمييز بين خلاف المصالح ومبدأ المصالحة. يعتمد هذا المنطق على مقاربة مفادُها أنّ تفاهم معراب هو في الاساس نصّ إجرائي وتطبيقي، تعلو المصالحة عليه ولا ترتبط به حصراً، خصوصاً أنّ عموم المسيحيين ليسوا مستعدّين للعودة الى ما قبلها بعد الويلات التي عانوا منها في مرحلة الصراع المحموم.
لكن ليس معروفاً ما إذا كانت هذه المقاربة تستطيع الصمود طويلاً تحت وطأة الاتّهامات المتبادلة التي امتدّت نيرانها من المستويات القيادية إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تلتهم “حرائق” الغضب والحقد الأخضرَ واليابس، في إشارةٍ واضحة الى أنّ القواعد عادت إلى الخنادق التي كانت قد بدأت بالخروج منها بعد التوصّل إلى إعلان النيّات واتفاق معراب.
وهاجسُ الماضي كان حاضراً في الاجتماع الأخير بين باسيل وموفد جعجع الوزير ملحم رياشي. في تلك الجلسة، قال باسيل لضيفِه: من الضروري أن نعود إلى الوراء ونُجريَ مراجعة للفترة السابقة، فأجابه الرياشي: لا يمكن أن نذهب بعيداً في الرجوع الى الخلف. يمكن أن تبدأ المراجعة من لحظةِ توقيعِك على اتفاق معراب وحتى اليوم، أمّا مرحلة ما قبله فهي ملك لميشال عون وسمير جعجع فقط.
وتابَع الوزير القوّاتي قائلاً: ناشطو “التيار” و”القوات” يتبادلون الحملات القاسية.. ما بيِسوى نضَل هيك يا جبران. وافقَه باسيل الرأي، وأجابه: أوكي.. أنا مستعدّ للهدنة، وسأجمع المعنيين بإعلام “التيار” في بيتي لأطلبَ منهم التهدئة، ويمكنك أن تعلن عن هذه التهدئة بعد انتهاء الاجتماع
ردَّ موفد جعجع: إتّفقنا.. ومِن الافضل أن يكون ابراهيم (النائب ابراهيم كنعان) إلى جانبي، حتى يبدو الإعلان عن التهدئة من الطرفين. وهكذا كان. لكن في اليوم التالي فلشَ باسيل في مقابلته التلفزيونية كلَّ الأوراق وأجرى جردةَ حسابٍ لتجربة التحالف مع “القوات”، مفَنّداً كلَّ اعتراضاته على سلوكها خلال الفترة الماضية.
غضبَ جعجع من تصرّفِ باسيل، بعدما شعرَ بتعرّضِه للخداع، وبأنه تمّ التعاطي باستخفاف مع مبادرته إلى إيفاد الرياشي للقاء رئيس “التيار” وتنفيس الاحتقان ترجمةً لِما كان قد اتّفِق عليه مع رئيس الجمهورية. عندها قرّر جعجع أن يباغتَ باسيل بنقلةٍ حاسمة فوق رقعة الشطرنج، فأوعَز بالكشف عن نصّ اتّفاق معراب، قائلاً لرئيس “التيار”: كِش ملك!
ليس خافياً أنّ الكيمياء بين جعجع وباسيل مفقودة، ومؤشّرات الجفاء المتبادل ظهَرت منذ وقت طويل. في إحدى الجلسات بين جعجع والنائب ابراهيم كنعان قبل الانتخابات النيابية، تمنّى رئيس “القوات” على كنعان أن يرويَ لباسيل القصّة الآتية:
“حصَل أنّ إعرابياً كان يتنقّل على ظهر فرَسه في الصحراء، فسمعَ على الطريق أنينَ رَجل. توقّف الإعرابي وسأله: ما بك؟ فأجابه الرَجل: لم يعد بمقدوري مواصلة المسير، وأنا أحتاج إلى من يوصلني إلى واحةٍ قريبة. نزل الإعرابي عن الفرس وأعطى مكانه للرَجل المتعَب، فيما راح هو يمشي إلى جانبه، لكن سرعان ما فرَّ الرجل، فناداه الإعرابي قبل أن يبتعد: توقّف.. خُذ الفرَس ولكن اسمعني. قال له الرَجل: ماذا تريد؟ فأجابه: لا تُخبر أحداً بما فعلتَه معي. سأله: لماذا؟ فردّ الإعرابي: حتى لا تنقصَ المروءة عند العرب فلا يساعد أحدُهم الآخر.
بالنسبة إلى جعجع، الأخطر في الأزمة المتجدّدة مع “التيار” هو نقصُ المروءة السياسية وفقدان الثقة في توقيع باسيل ونيّاته، مع ما يَعنيه ذلك من صعوبة الوثوق في الرَجل مرّةً أخرى. هذا ما يوحي به المطّلعون على “مزاج” معراب في هذه الأيام، مؤكّدين في الوقت ذاته أنّ الأبواب ليست مقفلة أمام مساعي المعالجة.
وتردّداتُ نزاع “التيار”- “القوات” التقطتها أيضاً أعمدة الإرسال الدبلوماسية، إذ إنّ سفير دولة أوروبّية بارزة لم يتردّد خلال زيارته إلى أحدِ المسؤولين في الاستفسار حول حقيقة ما جرى، معتبراً أنّ مسألة عدمِ الالتزام بالتواقيع “مخيِّبة للآمال”، ومشيراً إلى أنّ وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر كان يقول إنّ أهمّية الرئيس حافظ الأسد على رغم خلافنا معه تكمن في أنه كان يلتزم بكلمته وبالاتفاقات التي يوقّعها معنا.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار