03-07-2018
مقالات مختارة
ناصر شرارة
ناصر شرارة
وكان السنيورة أطلع أخيراً عليها خلال لقاءاته الخاصة زوّارَه المحليين والخارجيين المهتمّين بعميلة تشكيل الحكومة ومعرفة ما خفي من كواليسها ومعانيها السياسية. ويصطف السنيورة مع رأي (بل ربما يقوده) موجود داخل نادي النخبة السنّية في تيار «المستقبل» وعلى ضفافه.
ويرى هذا الرأي أنّ المشكلة التي تواجه تأليف الحكومة العتيدة، ليست ناتجة عن الشروط المتضادة بين الأطراف السياسية، بل هي في العمق، وعلى نحو مضمر، تعبّرعن وجود «نيّة» خبيثة، لإضعاف الموقع الرئاسي السنّي في البلد، وتظهير الحصة السنّية في الحكومة ضعيفة وغير موحّدة.. وهدف ذلك الأبعد هو تجويف «إتفاق الطائف»، وجعله دستوراً يمكن تأويله وتطبيقه وفق موازين القوى الراهنة داخل البلد، وفي المنطقة، وليس وفق حرفية وروحية ما فيه من بنود ومواد.
يضيف أصحاب هذا الرأي أنّ المطلوب سنّياً الآن هو التعامل مع عملية تأليف الحكومة العتيدة، بصفتها جزءاً من معركة الدفاع عن «إتفاق الطائف» وموقع السنّة فيه، وعليه فيجب مساندة الرئيس المكلف لتشجيعه على إظهار موقف متشدّد في شأن التمسّك بصلاحياته كرئيس مكلف، وذلك في وجه محاولات ابتزازه في هذه النقطة، عبر التهويل عليه بأنّ مهلة تكليفه ليست مفتوحة، وأيضاً لكي يبدي تشدّداً في إصراراه على نيل الحصة السنّية الوزارية كاملة، وعدم حلّ مشكلات أحزاب الطوائف الأُخرى على حسابها.
سار السنيورة خلال الأيام القليلة الماضية خلف هذه النظرية، ونجح في تسويقها وإقناع مهتمّين بالشأن السنّي في لبنان، بها، ومن ثمّ سعى الى تجسيد هدفها، فبلور مبادرة الدعوة الى إجتماع أقطاب السنّة الذين شغلوا منصب رئاسة الحكومات السابقة منذ بدء جمهورية «الطائف». وكان السنيورة هو مَن اتّصل بالرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام، طارِحاً عليهما فكرة عقد ما يمكن تسميته «القمة السنّية» الهادفة الى إنتاج موقف سنّي قوي في مواجهة ما يعتبره محاولات للمَس بـ»إتفاق الطائف» وإخضاع ممارسته للإستقواء بموازين القوى الداخلية.
في سياق تدارس فكرة «الإجتماع السنّي» في»بيت الوسط» إقترح البعض أن ينعقد في دار الفتوى، إنطلاقاً من أنّ رمزية المكان توجّه رسالة سياسية سنّية الى جميع الأطراف المعنية بعملية تأليف الحكومة العتيدة. ثمّ جرى للحظات قصيرة، بحسب مصادر، طرح فكرة عقدها في منزل الرئيس نجيب ميقاتي، ويقال إنه تحفّظ عنها، واستقرّ الأمر أخيراً على عقد اللقاء في «بيت الوسط»، حيث يقيم رئيس حكومة تصريف الأعمال والرئيس المكلّف، وبصفته المعني بترجمة روحية هذه القمة خلال التفاوض الذي يجريه لتأليف الحكومة.
ثمّة لعبة تجاذب مصالح، جرت ولا تزال تجري خلف ستارة الصورة الرسمية التي وُزّعت عن لقاء رؤساء الحكومات السنّية، الحريري، السنيورة، ميقاتي وتمام سلام. فميقاتي ذهب للقمّة وهو يعلم أنّ السنيورة يريد من عقدها إظهار أنّ واقعه الراهن المتمثل بإبعاده عن النيابة وضمور حظوظه كمرشح للتوزير أو لالتقاط فرصة نيل لقب «دولة الرئيس» مرة أخرى لا يعني أنه أصبح بلا دور داخل بيئة قيادة سنّة لبنان، أو أنه بات عاطلاً عن العمل السياسي، فهو أراد إثبات أنه لا يزال حاضراً كمهندس لتطبيقات إستراتيجات حماية «إتفاق الطائف» الذي ترتبط به المصلحة السنّية العليا في البلد. ميقاتي إستجاب لحضور لقاء هندسه السنيورة، لأنه ببساطة لا يتضرّر من الإجتماع، وفي الأساس يفضّل أن يؤدي السنيورة هذا الدور الذي يريد أن يبتعد عن ممارسته.
وسبب ذلك أنّ ميقاتي بعد فوزه في الانتخابات بأصوات تفضيلية عالية، يرى أنه المرشح السنّي الأوفر حظاً لأن يضع قدميه على باب السراي الحكومي الكبير، في حين لم يوفّق الحريري لأسباب داخلية أو خارجية للإستمرار في مهتمه. ولذلك يفضّل ميقاتي تسليط الضوء عليه بصفته يؤدّي دوراً وطنياً سنّياً، لا دوراً سنّياً محضاً كما يفعل السنيورة اليائس من تسميته مجدداً رئيساً للحكومة، والذي يقاتل بشراشة من أجل عودته للساحة السنّية فقط.
وإذ صحّ أنّ السنيورة كان يرغب عقد «اللقاء السنّي» في منزل ميقاتي، فإنّ الاخير كان يحقّ له حسب أوساطه، إعتبار هذه الفكرة مكمناً لطموحات ميقاتي بأن يحافظ على ميزة مشروعه كقطب سنّي ومرشح في الوقت نفسه للرئاسة الثالثة. ذلك أنّ قبوله باستضافة الإجتماع السنّي كانت ستقدّمه على أنه يقود تيار الدعوة الى التصلّب السنّي، وهي صفة تنتقص من الميزات التي يجب أن تتوافر، في نظر القوى السياسية غير السنّية، بدولة الرئيس الثالث المقبول.
ومن كواليس إجتماع «بيت الوسط» السنّي، تسرّب أنه تمّ تبكير موعد عقده الى السبت الماضي بعد أن كان موعده الأول - حسب تصميم السنيورة ـ أمس الأول الأحد. والسبب يعود لكون ميقاتي كان مرتبطاً بموعد طارئ، أو كما يُشاع بسفر مسبَق الى موناكو.
وتبقى فكرة أساسية أخيرة حفلت بها المناخات التي قادت الى اجتماع «بيت الوسط» السنّي، وهي تمثل نقطة قد تُبنى عليها هندسة جديدة للعلاقة بين زعيم السنّة في لبنان، سعد الحريري، وزعيم السنّة في طرابلس نجيب ميقاتي. وهي علاقة تطلبها دول عربية ويُقال إقليمية أيضاً، ولكنها لا زالت غير مقنعة للحريري المصرّ على أحادية الزعامة السنّية، وشروطها غير كافية لميقاتي الرافض حصر زعامته بصفة مناطقية. وتقول هذه الفكرة، بثنائية سنّية، طرفاها ميقاتي ـ الحريري، تقوم على مبدأ تبادل المساندة والتعاضد.
ولا يبدو أنّ هذه الفكرة حتى الآن لها صدى مقبولية في السعودية، بدليل أنّ الاخيرة وفي آخر نسخة لموقفها من لبنان كما حملها موفدها نزار العلولا في زيارته الاخيرة، تحدّثت عن تعاون أقطاب السنّة مع الحريري، لا الشراكة معه. وفي زيارته الاخيرة لبيروت طلب العلولا من ميقاتي مساندة الحريري في تسميته رئيساً للحكومة.
ووافق ميقاتي، بل تقول مصادر، إنّ ميقاتي اتّخذ القرار بتسمية الحريري رئيساً لمجلس الوزراء حتى قبل انتهاء الانتخابات النيابية، حيث أوفد الى جماعة الحريري في طرابلس مَن يقول لهم: «إننا الآن في معركة إنتخابات، وتبادل اللكمات فيها تجري تحت الزنار، ولكن غداً بعد فرز الأصوات، يجب أن نعود الى شيء من الوحدة، ودليل حسن نيّتي على ما أقول هو أنني منذ الآن، وبغض النظر عن نتائج الإنتخابات أتعهّد أنني سأُسمّي الحريري لرئاسة الحكومة».
هناك مَن يتوقّع الآن أنه في مرحلة ما بعد إجتماع «بيت الوسط»، قد يتمّ إنتاج حلّ لعقدة التمثيل السنّي المنشطر بين كتلة الحريري وكتلة النواب العشرة الموجودة خارج «بيت الوسط» على رغم عدم تجانسها، من خلال إعطاء وزارة لميقاتي، حيث سيطرح الأخير ثلاثة أسماء سنّية ينتقي منهم واحداً حسب نوعية الحقيبة الوزارية.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
نصيحةٌ أميركية: لا تنظِّفوا البلد بممسحة وسخة!
مقالات مختارة
جنبلاط يقصف من مزارع شبعا
مقالات مختارة
«إتفاق إهدن» كافٍ لترسيم الحدود البرّية مع سوريا؟
أبرز الأخبار