29-06-2018
قضاء وقدر
رضوان مرتضى
رضوان مرتضى
أهمل مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس وقاضي التحقيق العسكري الأول رياض بو غيدا، الوقائع الواردة في محاضر التحقيق، والمدعمة بالأدلة والتسجيلات، وقررا أن المذنب الوحيد في الجريمة هو غبش، الذي كان يتصرّف مع سوزان الحاج كـ«عبد مأمور». الغوص في محضر تحقيق فرع المعلومات البالغ ٣٤٠ صفحة، وبعدها مطالعة النيابة العامة، لمقارنتها بمضمون القرار الظني يكشف عن تهاون غير مسبوق من قبل القاضيين، إذ ضربا بعرض الحائط مضمون التحقيق الذي أجراه فرع المعلومات تمهيداً لإخراج المقدم الحاج وتبرئتها لاحقاً من كونها العقل المدبّر للجريمة.
. أهمل مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس وقاضي التحقيق العسكري الأول رياض بو غيدا، الوقائع الواردة في محاضر التحقيق، والمدعمة بالأدلة والتسجيلات، وقررا أن المذنب الوحيد في الجريمة هو غبش، الذي كان يتصرّف مع سوزان الحاج كـ«عبد مأمور». الغوص في محضر تحقيق فرع المعلومات البالغ ٣٤٠ صفحة، وبعدها مطالعة النيابة العامة، لمقارنتها بمضمون القرار الظني يكشف عن تهاون غير مسبوق من قبل القاضيين، إذ ضربا بعرض الحائط مضمون التحقيق الذي أجراه فرع المعلومات تمهيداً لإخراج المقدم الحاج وتبرئتها لاحقاً من كونها العقل المدبّر للجريمة.
ثمة أدلة (تسجيلات ومحادثات) يكاد لا يرقى إليها الشك، تجزم بأن غبش كان يتلقى الأوامر من الحاج، ويُطلعها على ما يقوم به خطوة بخطوة، ويتحرّك وفقاً لإرشاداتها. من يقرأ التحقيقات المجراة يعلم أنّ دافع الحاج كان الانتقام من زياد عيتاني، بعدما حمّلته وزر إعفائها من منصبها كرئيسة لمكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية. لكنّ قرار القضاة خَلُص إلى أنّ غبش هو المجرم الوحيد! فقد اعتبر قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا أنّ المقدّم سوزان الحاج بريئة… من جرم التحريض. اتهمها بالتدخُّل في جريمة إيلي غبش، وأخلى سبيلها بموجب كفالة مالية. مليون ليرة فقط تُرِكت الحاج بموجبها فيما أُبقي على غبش موقوفاً. اعتبر أبو غيدا أنّ جرم الحاج يقتصر على موافقتها على افتراء غبش على زياد عيتاني وتلفيق تهمة تعامل مع العدو الإسرائيلي له. بالنسبة إليه، هي ليست مفترية وليست محرّضة أيضاً. متدخّلة فقط. قرار أبو غيدا جاء بالتوافق مع مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس. لم يلتفت الاثنان (الأول أخلى سبيلها والثاني وافق عليه) إلى أنّ غبش لم يسمع بعيتاني يوماً. ليس هذا فحسب، ذهب جرمانوس في مطالعته أبعد من ذلك بكثير. فقد طلب من قاضي التحقيق الأول العسكري تسطير مذكرة تحرّ دائم لمعرفة كامل هوية المدعوين mapi وكوليت فيانفي. الأخيرة هي نفسها التي أُسنِد إليها في المطالعة أنّها تعمل جاسوسة للعدو، تواصل معها عيتاني وأفشى معلومات لمصلحتهما بعدما حرضته على التعامل مع العدو الإسرائيلي. ألم يقتنع جرمانوس أنه لن يجد فيانفي إلا في مخيلة عيتاني؟ ولماذا لم يكلف نفسه هو والقاضي بو غيدا عناء قراءة محضر التحقيق كاملاً ليكتشفا هوية «mapi»؟ لم يغفلا الإشارة إليه بصفته أحد المحرّضين الأساسيين في القضية، لكنهما ذكراه على أنّه مجهول باقي الهوية، علماً أنّ غبش كان قد ذكر اسمه الكامل ومكان إقامته في أكثر من موضع خلال التحقيق لدى فرع المعلومات. ففي الصفحة ٧٧، يذكر غبش أنّ mapi يدعى محمد سعيد وهو موجود في فرنسا وهو أحد أعضاء مجموعة cyberdyne office 8 ويتحرّك فيها باسمه المستعار mapi. وفي الصفحة ١١٠، يذكر غبش أنّه تواصل مع محمد سعيد وهو نفسه الملقب بـ «mapi».
الغوص في محاضر التحقيق ومطالعة النيابة العامة والقرار الظني يكشف عن عشرات الثغرات التي تدفع أيٍّ كان إلى شمِّ رائحة صفقة أُبرِمت لسحب المقدم الحاج من القضية والتخفيف من الجُرم المنسوب إليها. وفي أحسن الأحوال، تم ارتكاب هفوات ترقى إلى التقصير الفاضح. وأبرز ما تم تجاهله من قبل القاضيين، هو أن سوزان الحاج ضابط برتبة مقدّم، وكانت تتولى منصباً حساساً في الشرطة القضائية، وأن القانون يفرض التشدد معها ومع زملائها في حال ارتكابهم أي جرم، لا التساهل معها بصفتها من علية القوم، وترك إيلي غبش وحيداً لأنه بلا سند. هي ضابط في قوى الأمن الداخلي، لكنها لا تجد أي حرج في أن تجيب المحققين بأنها لن تفصح عن معلومات لأن «المجالس بالأمانات»!
في ما يأتي، مجموعة نقاط تطرح علامات استفهام تدفع إلى مساءلة القاضيين اللذين قررا التعامل مع سوزان الحاج بصفتها «الجميلة» التي غرر بها «الوحش» إيلي غبش، ودفع بها إلى ارتكاب الجريمة.
١) أوقِفت المقدم سوزان الحاج من قبل فرع المعلومات في الثاني من آذار، وأخلي سبيلها يوم 29 أيار. على مدى نحو شهرين، خضعت للتحقيق الأمني، ثم القضائي. وفي كافة مراحل التحقيق، لم تسلّم هاتفيها اللذين تستخدمهما للمحققين، على رغم أهمية الهاتفين، لأنها كانت تستخدمهما للتواصل مع إيلي غبش، مع ما يعينه ذلك من أدلة مهمة للتحقيق. لكن القضاء تجاهل هذا الأمر تماماً، على رغم وروده في محضر التحقيق الأول. لماذا لم تُسلِّم المقدم سوزان الحاج هواتفها الخليوية للمحققين (حتى اليوم)؟ عندما سُئلت في محضر التحقيق الأول: «هل تطلعينا على سبب عدم جلبك للهواتف الخليوية؟ وما هو مصيرها؟» أجابت: «لم يُطلب مني أن أجلب هواتفي معي. أنفي أن أكون قد أخفيتهم وأنا أجهل مصيرهم». وباستيضاح ذوي الحاج عن مصير الهواتف، صرّحوا أنّهم يجهلون مصيرها. بماذا أقنعت المقدم الحاج قاضي التحقيق حتى رأى أن جُرمها ليس تحريضاً، إنما يقتصر على التدخّل في الجريمة. ألا تُعدّ خطوة «تضييع» الهواتف مثيرة للارتياب يعزز القناعة باتهامها بارتكاب جرم التحريض؟
٢) في إفادة زوجة القرصان غبش إشارة إلى رهان بينهما على أنّ المقدم الحاج ستتصل به عقب الإطاحة بها من مركزها. وهذا ما حصل فعلاً. تقول زوجة غبش إن زياد حبيش، زوج المقدم الحاج، عرض عليها دفع ثمن منزلها الزوجي وقبض مبالغ شهرية تتراوح بين ٨ آلاف وعشرة آلاف دولار مقابل تغيير إيلي غبش لإفادته وتحمله كامل مسؤولية الجريمة. لماذا لم يفتح قاضي التحقيق تحقيقاً في ادعاءات الزوجة؟ ولماذا لم يستمع أحد لإفادة زياد حبيش؟
٣) في الصفحة ٢٤٣ من محضر التحقيق، تتناقض المحادثات المكتوبة والصوتية مع إفادة سوزان الحاج. فقد كانت تسأل غبش عن عدد الهجمات الالكترونية التي ينفذها، على مواقع رسمية أو خاصة. وتسأله عن المتوقع وتطلب منه الانتباه ثم يطلب منها الإذن للمباشرة في خطته وتطلب منه محو آثاره ثم تطلب منه أن يوقف الهجوم بعبارة: it›s enough for today (هذا كافٍ لليوم). كما تطلب منه أن يخبرها بأي عمل قبل أن يقوم به. كل هذه العمليات كانت بإشراف الحاج وتوجيهها. بماذا يُفسر قاضي التحقيق اعتبارها أنّها متدخّلة وليست مُحرِّضة؟
٤) روى غبش لمحققي فرع المعلومات أنّ عناصر أمن الدولة دفعوا له مبلغ ١٦٠٠ دولار، مقابل تقرير سلّمه لهم، وطلبوا إليه التوقيع على إيصال بأنه استلم ٢٠٠٠ دولار لكون الضابط المسؤول أخد الـ٤٠٠ دولار. هل فُتِح تحقيق في هذا الأمر؟ محضر تحقيق فرع المعلومات يُظهر أنّ أحد عناصر أمن الدولة كان على دراية بأن القرصان سيعمد إلى التلاعب بالأدلة في جريمة مشابهة لقضية عيتاني. لماذا لم يُفتح تحقيق عدلي في ذلك؟
٥) عندما ووجهت المقدم الحاج بتسجيلات محادثات بينها وبين غبش، والتي تُثبت أنها كانت الآمر الناهي في كل ما فعله غبش، حاولت التهرّب وقالت: «من المحتمل أن تكون مجتزأة». وعندما كانت تُعرض عليها محادثات تكشف تناقضها مع ما تدلي به، كانت تتذرّع بعدم التذكّر، بينما كانت إفادة غبش مدعمة بالأدلة ومتناسقة مع مضمون المحادثات. لماذا صدّق قاضي التحقيق المقدم سوزان الحاج وكذّب غبش؟
٦) في إحدى المحادثات بين غبش والحاج، تقول الأخيرة: «أهم شي بكرا إذا فتح معكن التويتر رجاع شفلي قضي مظبوط شو صاير معو لأنو قلتلو أنا شاكي فيه إنو هو أول واحد أخد السكرين شت وإذا عاطيها لأسعد بشارة؟ لمين عاطيها إذا في conversation مرتبطة بهالشي يعني منيح يلي إنت رح تنطلب الاثنين هيك بتكون قادر تفتش على هيدا الموضوع». كانت هنا تتحدّث عن زياد عيتاني، وتريد معرفة ما دار بينه وبين المستشار الإعلامي والسياسي للوزير السابق أشرف ريفي، الزميل أسعد بشارة. فهي كانت تعتقد أن ما تسبب بطردها هو قيام عيتاني بتصوير «إعجابها» بتغريدة شربل خليل المسيئة للمرأة في السعودية، ثم إرساله الصورة إلى بشارة الذي عمد إلى نشرها.
عاد غبش والتقى بالحاج وأخبرها عن المحادثة بين عيتاني وأسعد بشارة، لكنه لم يُرسل لها المحادثة. كما طلبت الحاج من غبش تزويدها بالمضبوطات العائدة لزياد عيتاني وبينها حسابه البريدي. وغبش كان ينفذ تعليماتها. فكيف اعتبر القاضيان أبو غيدا وبيتر جرمانوس أنها مجرّد متدخلة في الجريمة لا محرِّضة؟
٧) في إفادة المقدم الحاج في شأن لقائها مع زوجة غبش، زعمت حصول المحادثة التالية: «سألتُها إذا كان زوجها فبرك الملف لأجلي من دون إبلاغي. وطلبتُ منها في حال رؤيته أن تطلب منه قول الحقيقة من دون أن يزج اسمي زوراً لتخليص نفسه. وأخبرتُها أنه إذا كان إيلي بريء فسأقف إلى جانبه حتى النهاية وإذا كان متورطاً بإقدامه على أي عمل متهوّر لأجلي، فسأحاول مساعدته عبر محام». هل فعلاً اقتنع قاضي التحقيق بهذه الرواية؟
٨) في إفادة غبش، يعترف بأنه كان سيتولى فبركة ملف مقابل مبلغ 3 آلاف دولار أميركي سيتقاضاها من «أمن الدولة». هذا الملف يتعلق برجل أعمال، إذ اقترح غبش تزوير مصدر الـip ليظهر أن رجل الأعمال يتواصل مع مصارف إسرائيلية. ومن إفادة غبش، يظهر أنه كان يفعل ذلك، بالتنسيق والتكافل مع عنصر في أمن الدولة يدعى غ. م. الذي قال لغبش: «الضابط يصدق ذلك وبضهرنا مفوض الحكومة». هل فتح أبو غيدا تحقيقاً مع العناصر المتورطة والمقدم الحاج لتحديد كامل الملفات التي جرى تزويرها بهذه الطريقة؟
في الصفحة ٢٧٩ من تحقيق فرع المعلومات، وبالاستناد إلى تحليل الاتصالات للهواتف الخلوية للمقدم الحاج تبيّن أنها يوم توقيف غبش انتقلت من منطقة المعاملتين باتجاه بيروت مرتين: الأولى عند الساعة الواحدة ظهراً والثانية عند السادسة والدقيقة الخمسون مساءً. وعندما سُئلت عن السبب، ردت: «كنت أجدد جواز سفري، وليلاً كنت أُحضّر لدعوة عشاء لبعض أصدقائي في الضبية. وعند الساعة السابعة، ذهبت للقاء أحدهم كوني تلقيت خلال النهار اتصالاً من شخص قال لي إنه ضابط من أمن الدولة لا أذكر اسمه وطلب مساعدته لمعرفة أين إيلي غبش». وذكرت أنها انتقلت معه على متن سيارته إلى مكتبه. وعندما سُئلت عما دار بينهما من حديث، ردت: «لا أود الإجابة كون المجالس بالأمانات. عيب عليّ أن أذكر أموراً حصلت وحدثني عنها الضابط في مكتبه». وخلال التحقيق بادرها المحقق بالقول: «عندما سألناك وواجهناك بمحادثات بينك وبين غبش بخصوص عيتاني، أجبت أنك غير مهتمة نهائياً لكون إيلي أبلغك أنّه يُنسّق مع أمن الدولة. فلماذا حصل فجأة هذا الاهتمام لكي تقابلي الضابط المسؤول في جهاز أمن الدولة عن ملف زياد عيتاني، وتحديداً يوم توقيف إيلي غبش؟». طبعاً، لم تقدّم سوزان الحاج أي إجابة مقنعة، بل تحدّثت عن أن الضابط أراد الحديث معها كونه سمع بأنها ستنتقل إلى «أمن الدولة»، علماً أن الضابط أدنى منها رتبة. وعادة، يهتم الضباط اهتماماً شديداً بالشكليات التي تحكم علاقتهم بمن هم أدنى رتبة منهم، إذ يصعب أن يزور ضابط زميلاً له أدنى رتبة منه. فهلا يُخبر القاضيان الرأي العام بماذا فسّرا سبب استنفار الحاج عند توقيف غبش، واجتماعها بالضابط المسؤول عن ملف عيتاني في أمن الدولة؟
أخبار ذات صلة
أسرار شائعة
لا ترقيات بدون سوزان الحاج
قضاء وقدر
اخلاء سبيل المقرصن ايلي غبش
لكل مقام مقال
زياد عيتاني والعدالة المعلقة
أبرز الأخبار