29-06-2018
مقالات مختارة
ملاك عقيل
ملاك عقيل
«شهودٌ» كثر في معراب، في ليلة «التفاهم» العاصفة، يشهدون على الاتّصالات الهاتفية المتكرِّرة التي أجراها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» آنذاك ميشال عون بـ»عرّابَي» المصالحة المسيحية ملحم الرياشي وابراهيم كنعان سائلاً: «مِضي جبران»؟ (هل وقّع الاتّفاق؟). يومها وقبل أن يستقبل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «الجنرال» للمرة الأولى في معراب، كان الوزير جبران باسيل قد سبقه الى قلعة «الحكيم» ووقّع «ورقة التفاهم»، بشقّها المعلن، والآخر غير المعلن الذي يتضمّن «توزيعة» المغانم في حكومات العهد.
بالتأكيد، في اللحظة التي وقّع فيها باسيل الاتّفاق، كان عون المنتظر رئاسة تأخّرت عقوداً قد وضع رجله الأولى في بعبدا. لاحقاّ أدّى تخلّي الرئيس سعد الحريري عن خيار سليمان فرنجية لمصلحة «الجنرال»، وسط إمتعاضٍ سعوديّ وغضِّ نظرٍ أميركي، الى تكريس «الفتح» العوني لقصر بعبدا. ومع سير عون على السجادة الحمراء في 31 تشرين الأول من العام نفسه في اتّجاه مدخل القصر الرئاسي كان «تفاهم معراب» قد بدأ لتوّه لحظاتِ احتضاره الأولى.
يكابر الطرفان على واقع أنّ «التفاهم» صار ذكرى. «نعي» باسيل الاتّفاق، بشقه السياسي كما أوضح، وجد صداه بقوة في لقاء الخمسين دقيقة بين عون وموفد جعجع الوزير ملحم الرياشي.
ركّز كثيرون على تفصيل «تافه» حتى لو تضمّن رسالة رئاسية أضاء عليها إعلامُ القصر والإعلامُ البرتقالي من زاوية أنّ جلوسَ الرئيس خلف مكتبه عند استقباله الرياشي هو ردّ على المحاولة القواتية للفصل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة «التيار الوطني الحر»، بين رأس الدولة ورأس «التيار» بهدف التطويق! أراد الإعلام الرسمي العوني القول إن «لا مجال للفصل». في ذلك، إعترافٌ هو الأوضح منذ جلوس عون على كرسي بعبدا بأنّ الرئاستين واحدة!
مع ذلك، فالتفصيل لم يحجب الأساس. سَرَد عون خلال اللقاء جميع مآخذ الرئاسة الأولى على «القوات»، وتقصّد سردَ الوقائع بالتفاصيل وصولاً الى أداء وزراء «القوات» واعتراضاتهم وموقف معراب من مناقصة البواخر والملفات المطروحة في مجلس الوزراء وأسلوب إدارة تعيين رئيس مجلس إدارة «تلفزيون لبنان»، ولم يوفّر الموقف القواتي من استقالة الحريري بما فُسِّر أنّ موقفهم مضاد للعهد أيضاً، وصولاً الى الطعن بمرسوم التجنيس، وقبل ذلك الموقف القواتي من قانون الموازنة والمادة 49 منه...
ضيف «الرئيس» ردّ على المآخذ ووصل الى حدّ المجاهرة بأنّ باسيل تعاطى مع «القوات» وكأنها ليست موجودة على خريطة «المصالحة المسيحية» وكأن لا اتّفاقاً سياسياً حصل بين الطرفين، مؤكّداً «أنّ سمير جعجع هو الداعم الأول للعهد وسيبقى كذلك وهو متمسّك بكل بنود الاتّفاق، مع العلم أنّ قبوله السير في ترشيحك للرئاسة أغضب الخارج ممّن كان يراهن على استحالة تبنّي معراب هذا الخيار».
وما لم تقله «القوات» حتى الآن لعون، قد يجد جعجع حرَجاً ديبلوماسيّاً في قوله أمام الرئيس عند اجتماعه به قريباً، خصوصاً في جوّ التهدئة الإعلامية، هو أنّ «جبران باسيل يواجه، قبل أيّ مكان آخر، معارضة من داخل بيته، ضمن الشارع العوني نفسه وداخل الحزب وداخل «القصر»، وهذا عامل ستكون له إرتدادات سلبيّة عليه في المستقبل، وأنّ باسيل، بأدائه، هو الراعي الرسمي لدفن «تفاهم معراب»، وربما على المدى الأبعد دفن «المصالحة المسيحية» في مهدها، وأنّ أيَّ ضربة قد توجَّه للعهد لن تكون إلّا نتاجَ عقليّة باسيل في السلطة عبر نسف التراكمات الإيجابية في العلاقة بين «التيار» و»القوات» وبين «التيار» وعدد من القوى السياسية الأخرى وعلى رأسها الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط، وصولاً الى تخريب مفاوضات التأليف الحكومي!
مناسبة هذا الكلام، إرتفاع المتاريس بين باسيل و»القوات» الى الحدّ الذي صار فيه التلاقي صعباً. باتت العلاقة من الند للند مع عون، على أن يكون الحريري الممرَّ الإلزامي للنقاش في المسودّة الحكومية، مع محاولة لتكريس تهدئة إعلامية الأرجح لن تدوم طويلاً.
صحيح أنّ جعجع يسلّم، بحكم الامر الواقع، بصعوبة الفصل بين رئيس الجمهورية ورئيس «التيار»، لكنه يتعاطى مرغماً مع واقعٍ يحاول كسرَه من خلال التركيز على مساوئه، في وقت تؤكّد «القوات»: «وقّعنا «تفاهم معراب» بالأصالة مع ميشال عون، وما يعنيه ميشال عون، وليس مع رئيس حزب «التيار» الطامح لرئاسة الجمهورية!».
آخر الكلام «القواتي» في الموضوع الحكومي: «ليس هناك مِن عُرف في ما يتعلّق بنائب رئيس مجلس الوزراء وإلّا لما كان غسان حاصباني اليوم يشغل هذا الموقع. وإذا كان عون يعتبر أنّ هذا التعيين كان «لمرة واحدة»، فإنّ إتّفاق معراب نصّ على أنّ في حكومة من 30 وزيراً يتمثل رئيس الجمهور ية بثلاثة، لكنّ حصته في الحكومة الحالية إرتفعت الى خمسة، وبالتالي يجب العودة الى النص، والتنصّل من الاتّفاقات غير مقبول، مع العلم أنّ نتائج الانتخابات النيابية قد أنصفت حجمنا أصلاً».
وأكثر من ذلك، تقول «القوات» إنّ «عدم وجود «فيتو» لدى قوى 8 آذار يسمح بمطالبتنا بحقيبة سيادية وأربع حقائب أخرى، وهو أمر يتفهّمه جيداً الرئيس الحريري».
لكنّ مطّلعين يؤكدون أنّ «القوات» تسعى الى تكريس حضورها، إما بخمسة وزراء حتى لو طارت الوزارة السيادية من يدها، أو يمكن أن تقبل بثلاثة وزراء لكن مع حقائب سوبر دسمة، أو أربع وزارات...
«هي مسألة عرض وطلب، تقول مصادر قواتية، والآن بدأ الكلام الجدّي مع تعويلنا على وعد الرئيس بـ «حرصه على تمثلينا بشكل منصف»!
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار