15-06-2018
مقالات مختارة
شارل جبور
شارل جبور
قال سليماني حرفياً إنّ «حزب الله بات يملك 74 نائباً في البرلمان الجديد، وإنّ الاتّجاه الآن الى تشكيل حكومة مقاومة»، وقال رعد حرفياً «لم يعد، مع المجلس الجديد، أيّ فريق يمتلك الأكثرية التي أصبحت متجوّلة بحسب القوانين والاقتراحات». وموقف رعد مكرّر في سياق مواقف للحزب تؤكد ضرورة تأليف حكومة وحدة وطنية تضمّ جميع القوى السياسية التي أفرزتها الانتخابات النيابية.
وأيّ مراجعة لمواقف المسؤولين الإيرانيين تُظهر إما إمعانهم في إحراج «حزب الله» من خلال مواقف تظهره بأنه فصيل من فصائل الثورة الإيرانية، وإما أنهم يعبّرون بكل بساطة عن صدق اقتناعهم وأفكارهم وتوجّهاتهم انطلاقاً من رؤيتهم لدورهم الإقليمي وعدم اضطرارهم إلى الدخول في الحسابات المحلية لـ«حزب الله» وغيره، فنظرتهم الى الأمور إقليمية لا محلية.
ولكنّ الثابت أنّ مواقف المسؤولين الإيرانيين أدت وتؤدي إلى إحراج «حزب الله» الذي يتجاهل المواقف الإيرانية باستثناء موقف سليماني الأخير الذي قد يكون رعد ردّ عليه عمداً أو مصادفة، إنما هل مَن ينسى مثلاً الموقف الإيراني الشهير بالسيطرة على أربع عواصم عربية الذي أثار موجةً من ردود فعل غيرمسبوقة لم تنتهِ مفاعيلُها بعد؟
وفي موازاة كل هذا، لا بد من الإشارة إلى أنّ موقف سليماني الأخير أضرّ بـ»حزب الله» كثيراًَ للأسباب الآتية:
ـ أولاً، إذا كان صحيحاً أنّ «حزب الله» بات يملك 74 مقعداً في المجلس النيابي والاتّجاه هو الى تأليف «حكومة مقاومة»، أين مصلحة الرئيس المكلف سعد الحريري في تأليف حكومة من هذا النوع؟ ولماذا لا يعلن اعتكافه عن مواصلة مهمة التأليف طالما أنّ الحكومة العتيدة هي «حكومة مقاومة»، ويُعلِم الجميع أنّ مَن يريد منه شيئاً يعرف جيداً عنوانه في «بيت الوسط» و«بطيخ يكسّر بعضه»؟ وإذا كان «حزب الله» قادراً على سحب مهمة التكليف من الحريري وتسليمها لغيره فليفعل بلا تردّد؟
فالحريري يعمل على تأليف حكومة وحدة وطنية لا «حكومة مقاومة»، وكلام من هذا النوع يثير القلق لدى الرئيس المكلف والقوى السياسية التي تتقاطع معه سيادياً، وبالتالي يؤدي إلى فرملة التأليف في انتظار التوضيحات اللازمة، والتي سرعان ما جاءت على رعد، ولكن موقف سليماني بهذا المعنى أضرّ بالحزب.
ـ ثانياً، معلوم أنّ «حزب الله» لجملة أسباب واعتبارات يستعجل تأليف الحكومة، فهل موقف سليماني يساهم في التعجيل أم يدفع إلى التروّي والتريّث لمعرفة خلفياته، خصوصاً أنه لا يمكن تجاهله وإهماله والتعامل معه وكأنّ شيئاً لم يكن ربطاً بالدور الإيراني الإقليمي وتأثيره وتعامله مع لبنان كساحة من ساحات نفوذه، وبالتالي مواقف من هذا النوع تستدعي التعامل بجدية معها وترحيل التأليف إلى حين التثبّت من أبعادها، فهل هو مجرد موقف عابر أم أنّ هناك ما يتمّ تحضيرُه للمرحلة المقبلة؟
ـ ثالثاً، يرمي «حزب الله» من حين إلى آخر مسؤولية التأخير في التأليف على الخارج الإقليمي، علماً أن لا عقدة خارجية في التأليف والرئيس المكلّف ما زال ضمن فترة السماح، ومواقف الحزب تندرج في سياق الضغط عليه لاستعجال التأليف، ولكن ألا يُعتَبَر موقف سليماني مثلاً تدخّلاً في تأليف الحكومة؟ وهل يحقّ له تحديد أحجام القوى السياسية في لبنان والإعلان مسبقاً عن هوية الحكومة العتيدة بأنها «حكومة مقاومة» ستخلف حكومة إعادة الثقة التي شكلها الحريري في مطلع عهد الرئيس ميشال عون؟ فموقف سليماني بهذا المعنى هو كمَن يملي على اللبنانيين هويّة حكومتهم ووظيفتها المقبلة في مسألةٍ شكّلت وتشكّل محورَ انقسام عمودي منذ العام 2005 إلى الآن.
ـ رابعاً، معلوم أنّ أولوية «حزب الله» منذ فترة طويلة نسبياً التبريد السياسي في لبنان والابتعاد من الموضوعات الخلافية الاستراتيجية، فهل يُعتَبِر موقف سليماني يساهم في التبريد أم التسخين السياسي وإحياء الاشتباك المتصل بالتدخلات الإيرانية ودور «حزب الله» الإقليمي وسلاحه؟ فهذا الموقف يعيد بالتأكيد الوضع إلى مربع الاشتباك الذي تمّ تعليقه من دون أن يتراجع أيُّ طرف عن رؤيته ونظرته، وبالتالي هل هذا ما يريده «حزب الله»؟.
ـ خامساً، يتفهّم «حزب الله» حاجة الرئيس ميشال عون لبنانياً وعربياً وغربياً إلى الظهور بمظهر «العهد الوسطي» الذي يحاول أن يلعب دور الجسر بين القوى السياسية، وقد أصرّ عون على أن تكون المملكة العربية السعودية أولى زياراته الخارجية ولم يقم حتى الآن بزيارة لإيران، ويحاول إقناع المجتمع الدولي بقدرته على ضبط «حزب الله» ضمن الدولة ومؤسساتها، وبالتالي هل موقف سليماني يخدم عون أم يضرُّه؟ وهل يخدم «التيار الوطني الحر» أم يُحرجه؟ وألا تكفي الردود المنظّمة التي صدرت عن أكثر من نائب في تكتل «لبنان القوي» الشاجبة لموقف سليماني للدلالة الى الإحراج الذي تسبّب به؟
ـ سادساً، يصوِّر «حزب الله» نفسه بأنه المقرِّر في السياسة اللبنانية لا المنفّذ للسياسات الإيرانية انطلاقاً من معرفته بالساحة اللبنانية وإلمامه بكل تفاصيلها، فضلاً عن الثقة بينه وبين القيادة الإيرانية التي تخوّله اتّخاذ القرارات الملائمة للمحور الذي ينتمي إليه، وبالتالي أين مصلحته في الظهور بمظهر المنفّذ للسياسات الإيرانية، وحتى لو كانت الأمور على هذا النحو، فلا مصلحة للحزب في تظهير هذا الجانب.
فلكل ما سبق من أسباب، وربما غيرها أيضاً، فإنّ سليماني أساء الى دور «حزب الله» وصورته وسياساته وتحالفاته، وليس صحيحاً أنّ سليماني عبّر في موقفه عن الحقيقة التي حاول ويحاول رعد وغيره من مسؤولي الحزب إخفاءَها لاعتباراتٍ محلّية وتكتيّة، لأنه، كما قال رعد نفسُه، لا يملك أيُّ طرف الأكثرية، والعودة إلى هذا المنطق تعني تلقائياً العودة إلى الانقسام والتعطيل، كما أنّ الحكومة العتيدة لن تكون «حكومة مقاومة»، بل حكومة مساكنة وشراكة تضع نصب عينيها مكافحة الفساد الذي وعد «حزب الله» بجعله من أولوياته.
أخبار ذات صلة