09-06-2018
مقالات مختارة
تعيينها. أمّا الدفعة الأولى، وتضمّ أكثر من 10 قناصل، فقد أُنجزت في 22 شباط الماضي، على رغم عدم مراعاة التمثيل الطائفي، وهو ما وعد باسيل حزب الله بمراعاته في الدفعة المقبلة.
نعم، أكثر من عشرة مراسيم لتعيين قناصل فخريّين، وقّعها كلّ من عون والحريري وباسيل... وعلي حسن خليل في شباط، فما الذي طرأ بين تاريخ المرسومين، حتّى يحمل الأول توقيع وزير المال، ويتم تخطيه في المرسوم الثاني؟ لا شيء. أقلّه دستورياً. أكثر من ذلك. في نيسان الماضي، أحال باسيل إلى وزارة المال 13 مرسوماً لتعيين قناصل فخريين (13 قنصلاً)، تحتوي على أربع خانات: خانة لتوقيع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية ووزير المالية. لم يوقع الأخير، في حينه، المراسيم لورود اسم مُنسق التيار الوطني الحر في ألمانيا حسن المقداد، وما اعتُبر وفق الصيغة اللبنانية الطائفية، «تدّخُلاً» في تسمية القناصل المحسوبين على الطائفة الشيعية. شكّل ذلك، «مادّة انتخابية» لباسيل، خلال جولاته على المغتربين، مُتهماً حركة أمل بعرقلة تعيين قناصل فخريين. هنا لُبّ الخلاف الجديد حول المرسوم.
ولكن، كان من المفترض أن تُشكّل العلاقة بين عون وبرّي، التي يسودها جوّ من الوئام والتنسيق، «درعاً» ضدّ هذه التصرفات. مع وجود قناعة مشتركة بفتح صفحة جديدة من التعاون الرئاسي لمصلحة تفعيل وتزخيم عمل المؤسسات. ولا «مُبرّر» سياسياً أو دستورياً، في المقلبين، لإعادة تسخين جبهة بعبدا - عين التينة. التوقيت لا يسمح بذلك، خصوصاً أنّ البلد أمام استحقاقات داهمة تبدأ من تشكيل الحكومة، ولا تنتهي بالأطماع الاسرائيلية وترسيم الحدود، مروراً بالتحديات الاقتصادية والمالية. كما أنّ «التجارب» يُفترض أن تكون قد «علّمت» المعنيين، بأنّ لبنان محكومٌ، لا بل مجبولٌ بالتوافق، ومن غير الممكن «تهريب» أي مرسوم. أصلاً، لم يجفّ بعد حبر تجميد العمل بمرسوم الجنسيّة، وفتح تحقيق للتدقيق بالأسماء الواردة فيه، قبل أن يُنشر مجدداً. أمّا «مرسوم الأقدميّة» الشهير، فلا تزال ذاكرة الرأي العام طرية جداً والكل يتذكّر الخلاف الذي تسبّب به إصدار هذا المرسوم من دون توقيع علي حسن خليل. ولم تُحلّ المُعضلة، إلّا بـ«تسوية»، مُذيّلة بتوقيع وزير المال.
تتنوّع الإجابات حول «استغياب» توقيع خليل عن المراسيم الـ32. هناك من يقول إنّ لا حاجة لتوقيع وزير المال، لأن القناصل الفخريين لا يرتبون أية أتعاب مالية على الدولة. آخرون، يربطون الموضوع بعدم توقيع خليل على مرسوم الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، لملء المراكز الشاغرة في وظائف الفئة الثالثة في السلك الخارجي في ملاك وزارة الخارجية والمغتربين، «المنسي» في أدراج «المالية» منذ أكثر من شهر. وقرار «الخارجية» عدم تشكيل 43 دبلوماسياً من الإدارة المركزية إلى البعثات الخارجية، قبل أن يُوقّع مرسوم زملائهم. أما الصنف الثالث، المُعارض لباسيل، فيختصر الأمر بأنّ وزير الخارجية «التزم» مع القناصل الفخريين على تمرير تعيينهم، قبل أن يودّع الوزارة. يُذكر أنّ هؤلاء القناصل، هم من يدفعون للدولة بدل «خلق» منصب «شرفي» لهم، ولا يتقاضون أي راتب.
وزارة الخارجية «حصّنت» نفسها، بإصدار المراسيم الـ32 خالية من توقيع خليل، بالاستناد إلى رأي من هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل. حَكَمت الأخيرة أنّه ليس من الضرورة أن يشترك وزير المال بالتوقيع على المرسوم، لأنّ القناصل الفخريين لا يُرتبون أعباءً مالية على الدولة. هذا بالضبط ما صدر عن هيئة التشريع والاستشارات خلال الأزمة الدستورية التي نشبت حول «مرسوم الأقدمية» في كانون الأول 2017. صحيح أنّ القناصل الفخريين لا «يُكلّفون» الدولة، وهم عبارة عن «إدارة مالية ذاتية». ولكن ماذا عن مُعاملات تجديد الإقامات وجوازات السفر التي تقع ضمن مهامهم؟ هذه إجراءات تتطلّب حركة مالية، كيف ستُنظّم؟ مصادر في «الخارجية» تردّ بالقول إنّ «القناصل الفخريين يعودون في هذه الحالات إلى البعثات الدبلوماسية الرسمية، في البلد حيث يتواجدون». إلا أنّ أوساط وزير المال تؤكّد أنّ «الفتوى» التي طلبها باسيل من وزير العدل سليم جريصاتي، «تنسفها وحدة الموازنة في النفقات والواردات، ولا تستقيم الأصول الدستورية مع الفتوى الجريصاتية». فضلاً عن أنّه في الكتاب الذي يصدر عن مديرية الشؤون الإدارية والمالية في «الخارجية»، وموضوعه إنهاء خدمة وتعيين قناصل فخريين، يُطلب من القناصل «ضرورة تسديد الرسوم القنصلية المتجمعة في حال وجودها، وتسليم كافة السجلات والأختام إلى السفارة». ما يؤكد، أنّ القناصل الفخرية تُرتّب أعباءً على الدولة.
تُصرّ مصادر «الخارجية» خلال حديثها، على التأكيد أنّه «تاريخياً، كان مرسوم تعيين القناصل الفخريين يصدر من دون توقيع وزير المال». ولكن، جولة صغيرة وبسيطة على هذا «التاريخ»، تُفيد بالعكس. ففي 17 تموز عام 1965، صدر عن رئيس الجمهورية شارل حلو، ورئيس مجلس الوزراء (وزير الخارجية في الوقت عينه) حسين العويني، «ووزير المالية عثمان الدنا»، مرسوم تعيين قناصل فخريين، وقد وافق عليه مجلس الخدمة المدنية بقراره رقم 86. قد يقول البعض إنّ هذا المثل، يعود إلى حقبةٍ مضت، وبعد الحرب الأهلية واتفاق الطائف تبدّلت طريقة التعامل مع المراسيم. إذا سلّمنا جدلاً أنّ هذا صحيح، كيف يُبرّر ما نُشر في العدد 8 من الجريدة الرسمية (تاريخ 22 شباط 2018)، من مراسيم تعيين قناصل فخريين تحمل تواقيع المعنيين الأربعة (عون، الحريري، باسيل، خليل)؟
مصادر دبلوماسية أخرى، تُحاول التخفيف من وطأة «تهريبة» المرسوم، بالقول إنّه «بعد صدور قرار إنشاء قنصليات جديدة، كلّ القوى السياسية الأساسية، شاركت في اختيار أسماء القناصل الفخريين». تُنكر أوساط وزير المال ما تقدّم، «فلا بالشكل راعى المرسوم الأصول، من خلال تغييب توقيع وزير المال. ولم يُراع التوازن الطائفي (6 فقط ينتمون إلى الطائفة الشيعية)، أو تمّت استشارة حزب الله وحركة أمل حول الأسماء التي يُزكيان تسميتها». حركة أمل مُنزعجة مما حصل، وحزب الله مُتفاجئ من تصرّف باسيل «الذي جدّد وعده للحزب بأنّه سيُعالج الخلل في المرّة المقبلة»، خصوصاً أن مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا كان قد أثار الأمر مع باسيل، وتمنى عليه عدم تجاوز توقيع وزارة المال.
أنهى وزير الخارجية العمل على «مرسومِه»، ووقّعه رئيسا الجمهورية والحكومة في 29 أيار. إلا أنّ «الضجّة» حوله لم تبدأ فعلياً إلا يوم أمس. تواصل علي حسن خليل مع سعد الحريري، مُبلغاً إيّاه بأنّه في صدد تحضير رسالة يوزّعها على سفارات الدول حيث جرى إنشاء قناصل فخرية. الحريري، الخائف على أن يؤثّر هذا المرسوم في مسار تشكيل حكومته الجديدة، طلب من وزير المال عدم الإقدام على هذه الخطوة، من دون أن يلقى تجاوباً.
الرسالة التي سجّلها علي حسن خليل في قلم وزارة المال، أمس، مع رقمٍ خاصّ بها، ستوزّع الاثنين على السفارات الأجنبية المعنية في بيروت، مُترجمةً إلى لغات أجنبية عدّة. مضمونها «تحذيري»، ينصّ على أنّ المرسوم «موضع إشكال دستوري وتشوبه عيوبٌ كثيرة». العمل بالمرسوم يعني «ترتيب أمورٌ لا تخدم العلاقات الثنائية»، بين لبنان وكلّ من الدول المعنية. لذلك، «نتمنّى عدم قبول اعتماد القناصل المُعينين لديكم».
الأزمة التي انطلقت من وزارة الخارجية، مُرشحة إلى التصعيد بين الرئاستين الأولى والثانية. كان همّ برّي، عبر تعيين قناصل فخريين، خلق «شبكة أمان» للمغتربين، تحديداً في عدد من البلدان الأفريقية، مع تزايد الحديث عن رزمة عقوبات أميركية جديدة. أولى الإجراءات، إبلاغ رئيس الحكومة عدم الموافقة على المرسوم وضرورة التراجع عنه. ولم توافق حركة أمل، على الاقتراح الذي «قدّمه باسيل للحريري، بأن يمرّ هذا المرسوم، مُقابل التعهد بارسال كل المراسيم مستقبلاً إلى المالية»، بحسب أوساط وزير المال التي أكدت «أننا مُكّون أساسي لا يُمكن تجاوزه».
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه