31-05-2018
تقارير
مريم يوسف فاهمي
كاتبة و شاعرة لبنانية
شوارعها تشبه التوابيت السوداء المقفلة, لا انارة فيها, فعواميد الانارة الكهربائية استُبدِلت بمشانق للحريّة و التعبير!
طرقات معابدها ضيّقة جداً , كأنفاس الآلهة المتسلّطة على هوائها! آلهة أسطورية معلّقة في الفضاء, بُعثت من كتاب الربّ لتقطِف الأرغفة و تبيع الأوردة، ثمّ تغمس احذيتها في صحون الجائعين!
هناك رجلٌ لا يموت، و في كل قُرعة ينجو من الفقر بأعجوبة!
يقرع أجراس الانذار, يهدّد بعشيرته! يأخذ ما بحوزة المارّة, نصف المعامل و المصانع و المؤسّسات و الطرقات و الملكيّات العامّة له, و النّصف الآخر له أيضا!
قد أنعم البؤس على هذه الأرض بسكّانٍ بربريين لا يجيدون غير التصفيق و التهليل!
وكلّما راقبتها من بعيد أسأل نفسي "كيف يعيش النّاس هنا"!
تتميّز بأعلى قمّة في العالم المأساوي: " قمّة التهريج", ففي السّاعة الثامنة من مساء كلّ يوم شاشاتٌ هزليّة تعرضُ تقارير مضحكة و وثائقَ مقزِّزة, تنقل مغامرات ديناصوراتٍ عُلّقت صورهم على جدران المدينة, تتكلّم بلغة المبالغة و التحريض, و لا تملّ حتّى أصبحت مملّة حدّ الغثيان!
فجأة تظهر سيّدة مثيرة الجسد لا أكثر. تقف بشبه ملابسها أمام شاشةٍ كبيرة رُسِمت عليها الكواكبُ و المجرّات و النّجوم, تقدّم استعراضاً لا علاقة لنا به!
ما يحصل في هذه النشرات المسائيّة مرعبٌ و فظيع. مرعبٌ أكثر من أصوات الكلاب التي تنبح ليلاً أمام المسالخ! مسالخٌ كُتِب على واجهاتها "مستشفيات" لكن جميع الذين يدخلونها عادةً لا يخرجون!
الطبابة على هذا الكوكب فنٌّ فريد و تنبّؤ مخيف و تجارة مربحة! و لا يهمّ كم هو عدد الضحايا الذي يُسَجّل يومياً من جراء فظاعة الآلهة المتسمّرين على صدور الأبرياء.
انّ الحماقات المرتكبة بحقّ الأرواح هي مجرّد تجارب لا تمارَس الاّ على الكائنات الورقية القابلة للخدش و التمزيق و مسح الأحذية بها أيضاً.
في هذا العالم المرعب اللّيل طويل جدّاً, و النّهار مليء بالمشاغبات الدمويّة!
يمرّ النّهار مسرعاً كالموت! و لا يشعر السّكان بالملل, فالأحداث الغريبة التي يعيشونها تقضم الوقت..
مثلاً،
الرجل الذي أحرق ابنه الصغير و رماه من الشّرفة و أكمل نومه!
المدرّس الذي يمارس الفحشاء مع مسؤولة القسم المترهلة مقابل علاوة!
السيّدة التي دهست جارتها لأنها منزعجة من هرّتها!
السكران الذي لحق بالشاب العشريني و اطلق رصاصة في قلبه بكامل برودة!
مسؤول الحزب الذي أمر بقتل سائقه لأسباب مجهولة!
المعلّمة التي قطعت أذن تلميذها لأن اجابته كانت خاطئة!
الشاب الذي ذبح صديقه لأنّه لا يؤيّد انتماءه لبغول السّلطة!
السّلطة التي تغتصب شعبها ثمّ تطالبه بدفع فاتورة الاستمناء!
ألا تستحقون هذا الرعب كله يا من تُعانون من فرط التصفيق و التهليل لمخلوقات عجيبة لا تجيد الا دهس الكرامات !
أخبار ذات صلة