مباشر

عاجل

راديو اينوما

المكارثية: فقدان القيم

23-05-2018

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

ظهر مصطلح”المكارثية” كمصطلح سياسي في فترة الخمسينات في الولايات المتحدة، وينسب إلى اسم السناتور الجمهوري الأمريكي (جوزيف مكارثي ).
تاريخيا ارتبط المصطلح   بتوجيه التهم جزافا  على نطاق واسع، وإجراء التحريات عن الأنشطة الشيوعية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الخمسينيات من القرن العشرين.
لقد شكلت  المكارثية حقبة سوداء فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، و امتدت من العام 1950 إلى 1953، وهي تحديدا الفترة  التي  نشطت  فيها  الحرب الباردة بين قطبي العالم  آنذاك  الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى الذى كان قد دخل عصر  التجارب النووية،   بالتزامن ، كانت الحرب الكورية قد استعرت  ووصل “ماو تسى تونغ” إلى رأس النظام الشيوعى فى الصين الشعبية.
وكذلك  قيام الشيوعيين بالاستيلاء على تشيكوسلوفاكيا والصين. 
كل تلك المعطيات في تلك الحقبة ساهمت في تعزيز ظاهرة الخوف والكراهية لليسار داخل الولايات المتحدة . ودعيت ايضا بالخوف الأحمر . شد  مكارثي أنظار العالم إليه عام 1950م حين ادعى أن الشيوعيين أحكموا سيطرتهم على الإدارة الأمريكية. فقامت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بإجراء تحقيقات داخل الإدارة، لكنها لم تعثر على وجود  شيوعيين أو أي مناصرين لهم  فيها. ومع ذلك فقد شن مكارثي اتهامات أخرى عديدة، ونال تأييد كثير من الناس مستغلا خوف الناس وادعى  مكارثي هو ورفاقه المحافظون، ان المشاكل التي تُعاني منها الدولة هي بسبب وجود الشيوعيين بشكل سري داخل الحكومة وعلينا التخلص منهم باي ثمن .
ولا بد من الإشارة الى ان الخطأ الفادح  الأكبر الذي ارتكبه مكارثي كان إشهار سلاحه ضد المؤسسة العسكرية الأميركية وهذا كان علامة سوداء وعلينا الا ننسى  ان  رئيس الجمهورية في حينه  أيزنهاور، الجنرال المتقاعد وبطل الحرب العالمية الثانية، الذي رأى أن الرجل قد بدأ يتخطى كل الحدود. ومع تزايد الأعداء، وانكشاف تلفيق  الاتهامات وبطلانها التي كان يطلقها مكارثي جزافًا والتي طالت العديد من الشخصيات المعروفة داخل الولايات المتحدة ، حفرت «الحرب»  بينه وبين مؤسسات الجيش بداية نهايته. وأخذت تظهر دلائل على أن الرجل كان يكذب ويلفق التهم زورا ،  دون ادلة  دامغة أو حتى شبهات قاطعة . ولقد استغل أعداؤه تهديدات أحد مساعديه لأحد الجنرالات لرفضه منح معاملة استثنائية لاحد مجنديه مدخلا للقصاص منه ، وعقد مجلس الشيوخ جلسات استماع ضد مكارثي جعلته يفقد كل الأرضية السياسية والدعم الشعبي الذي كان محاطًا به كما أفقدته هذه الجلسات الشعبية الإعلامية حصانته وثقة الشعب الأميركي به . فكان ان استقرت اللجنة المشرفة على الاستماع  ضد مكارثي وأصدرت بحقه  قراراتها العقابية التي انتهت بكسره سياسيا، وبانطفاء نجم مكارثي انطفأت الفتنة التي قادها في المجتمع والتي دفع ثمنها الكثير  من الأبرياء. ولكن على الرغم من القضاء على «المكارثية» ، فإنها ظلت كظاهرة «نقطة سوداء» في التاريخ الأميركي شكلت أسوأ تعديات على الحريات والعدالة داخل هذا المجتمع .

 

في حقيقة الأمر، أن ظاهرة "مكارثي " من وجهة نظري تحتاج  إلى وقفة  للتأمل والتفكير . ففكرة الاضطهاد الفكري  تمثل نموذجًا لا يمكن  استمراره، خاصة أن الفكرة لا تحارب  إلا بالفكرة طالما أنها لم تدخل إلى حيز التنفيذ . ولكن من ناحية اخرى  فإن التاريخ السياسي لمكارثي يمثل نموذجًا لرجل حالفه  الحظ  في مرحلة ما متأثرًا بالنجاح الكبير الذي حققه والدعاية الإعلامية التي سبقته ولاحقته. وهو في تقديري وقع في خطأين مفصليين : الأول أنه فاته كسياسي ضرورة التوقف عند نقطة زمنية محددة كانت أساسية في تلك الفترة  . والثاني كان سوء تقديره خطورة تهديد كل مؤسسات الدولة القوية في آن واحد. ومع أن الخطأ الأول يظل مشكلة شخصية يمكن تداركها مع الوقت، ولكن عند حدوث الخطأ الثاني فإن السياسي يكون في طريقه  لحفر قبره السياسي بيديه  وهذا ما اثبتته الأحداث لاحقا وخصوصا اثناء محاكمته ، إن البوصلة السياسية عندما تضل تقود صاحبها إلى الهلاك حتمًا... وهذه شريعة  السياسة على الدوام .  
services
متجرك الإلكتروني في أقل من عشرة أيام!

انطلق من حيث أنت واجعل العالم حدود تجارتك الإلكترونية…

اتصل بنا الآن لنبني متجرك الإلكتروني بأفضل الشروط المثالية التي طورتها شركة أوسيتكوم؛ أمنًا، سعرًا، وسرعة.
اتصل بنا

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.