23-05-2018
مقالات مختارة
اسعد بشارة
اسعد بشارة
واللافت انّ تزاحم كل هذه التطورات يأتي بعد إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب نفض يد الولايات المتحدة الاميركية من الاتّفاق النووي. إلّا انّ الأهم والجدير بالتوقف عنده وباهتمام شديد هو ما كشفته إسرائيل في الساعات الماضية عن بعض التفاصيل العسكرية المتعلقة بأنشطة وعمليات أسطولها من المقاتلات المتقدمة F-35. وأعلنت أنها أوّل بلد يستخدم المقاتلة الأميركية الصنع لتنفيذ ضربات ضد أهداف في الشرق الأوسط. مشيرة الى أنّ السرب الإسرائيلي للمقاتلة يحلّق في كل أنحاء الشرق الأوسط.
كل ذلك يجري فيما المسؤولون اللبنانيون منهمكون بترتيب البيت النيابي والحكومي.
صحيح انّ الساعات المقبلة ستكشف ما ستتمخّض عنه الجلسة النيابية لانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس. وصحيح انّ هذا القطوع سيمرّ على خير لكنّ المهمة الصعبة ستكون امام الرئيس المكلّف، خصوصاً انّ الأجواء توحي انّ طريق التأليف ليست بهذه البساطة في ظلّ العقوبات الاميركية على «حزب الله» المصرّ على تمثيلٍ وازن في الوزارة في تحدٍ مباشر للادارة الاميركية ولإسرائيل معاً.
لقد صُنِّف «حزب الله» منذ فترة على أنه «منظمة إرهابية» وبالتالي لأنّ هذا التصنيف ليس جديداً، والادارة الاميركية توسّعت في دمج جناحه السياسي مع الجناح العسكري فعاقبت شخصيات قيادية في الحزب وهي شخصيات سياسية اصلاً. والجديد أنها ألغت التصنيف الثنائي بين «الإدارة الإرهابية» و»الإدارة السياسية»، لكنّ التسمية حدّدت الاشخاص، ويمكن أنّ التعامل من دونهم بلا أيّ محظور، إذا تمّ توزير أيّ اسم خارج القائمة التي اعتبرتها الإدارة الأميركية إرهابية، يبدو أن لا مشكلة في ذلك.
وبحسب المعلومات فإنّ مسؤولاً أميركياً دعا لبنان الى تجنّب توزير أشخاص من «حزب الله» في الوزارات التي قد تكون لها علاقة عمل مع الادارة الاميركية، أي وزارات الخارجية والدفاع والمال، أو ايّ وزارة لبنانية لها علاقات مع الادارة الاميركية.
في المبدأ لا شيء سيتبدّل إلّا إذا أصرّ «حزب الله» على وزارات محدّدة. وفي كل الحالات إنّ إحدى الركائز الكبرى التي لم تتغيّر في سياسة ترامب الخارجية هي العداء لإيران، إذ إنه وخلافاً لسياسة سلفه باراك أوباما في المنطقة، أراد ترامب منذ بداية عهده، وحتى خلال حملته الانتخابية، أن يستبدل صداقة محتمَلة مع إيران بصداقة قوية مع القوى السنّية في المنطقة، بقيادة السعودية، ومعاونة دول الخليج، وبدفع مصر.
الزيارة الأولى لترامب كانت طبعاً للسعودية والتشاور بين أميركا والسعودية لم ينقطع منذ ذلك الحين، حتى يُقال إنه كانت للأخيرة يد طولى في قرار ترامب الانسحاب من الاتّفاق النووي مع إيران. هذه السياسة الاميركية تجاه الشرق الأوسط غيّرت جذرياً سياسة أوباما التي أرادت، من خلال الاتّفاق، استقطاب إيران إلى الفلك الأميركي.
وقد جاء خطاب وزير الخارجية الأميركي الجديد، مايك بومبيو، في «مؤسسة التراث» المعقل الفكري للمحافظين القدامى والجدد، ليؤكّد هذه السياسة ويفصّلها بلهجة لا تخلو من التهديدات باستعمال العقوبات الاقتصادية «غير المسبوقة» وحتى القوة العسكرية. خطاب بومبيو يضع القواعد الجديدة للعبة التي تحتوي على إنهاء البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين، وانسحاب إيران من المنطقة وعودتها الى الداخل الإيراني. في المقابل وعد ترامب بمساعدة إيران اقتصادياً وإعادة اقتصادها إلى الازدهار.
الذراع الإيراني الأكثر تضرّراً، في حال نجج المخطط الأميركي، سيكون «حزب الله» الذي نال حتى الآن القسط الأكبر من العقوبات الاقتصادية والأمنية بين كافة الأذرع، بسبب المدى الجغرافي لتورّطه إلى جانب إيران في المنطقة. حتى اليوم كانت الإدارة الأميركية تسعى جاهدة لإيجاد عقوبات مؤثرة على الحزب من دون المساس بمقدار كبير بالاقتصاد اللبناني أو النظام المصرفي اللبناني.
ولكنّ الهجمة الأميركية الأخيرة على إيران وأذرعها في المنطقة تتطلّب من الأميركيين تفكيراً جديداً لكي يتجنّبوا التداعيات الاقتصادية والمصرفية على لبنان وذلك قد يؤثر على الموقع المقبول لدى قبل الأميركيين للحزب داخل المنظومة السياسية اللبنانية والحكومة العتيدة المنتظرة.
كذلك سيتطلّب تجاوباً لبنانياً مدروساً مع العقوبات الأميركية على الحزب وعلى أفراد فيه قد يكونون مشاركين في الحكم، وهذا سيعقِّد تأليف الحكومة وتحديد دور «حزب الله» فيها. ولكن من الظاهر حتى الآن أنّ معظم العقوبات التي ستفرضها واشنطن على «حزب الله» ستكون بهدف تجفيف الأموال التي يتسلّمها من الخارج، أي عقوبات على أشخاص وشركات تعمل خارج لبنان، ما سيجعل العقوبات أقلَّ خطراً مباشراً على الداخل اللبناني، وسيجعل الاستجابة لمقتضياتها أسهل بالنسبة الى مصرف لبنان المركزي.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار