23-05-2018
مقالات مختارة
ميسم رزق
ميسم رزق
منذُ أن وضع جبران باسيل نفسه على سكة الانتخابات النيابية الأخيرة، قرر أن يسلك دروباً جعلته يعادي معظم القوى السياسية. لكنه كان أكثر حدةً في مواجهة حركة أمل ورئيسها نبيه بري. انتهت الانتخابات وصار باسيل نائباً ورئيساً لأكبر تكتل نيابي. لا بد من خطاب ما بعد الانتخابات. عشيّة انتخابات رئاسة المجلس النيابي، انخفض سقف رئيس التيار الوطني الحر. وضع جانباً اتهامات «الفساد» و»البلطجة» بعدما أدت هذه الأسلحة وظيفتها انتخابياً؟ المرحلة الجديدة عنوانها «معركة الرئاسة»، ولها «عدة» وأخصام مختلفون. القوّات اللبنانية وتيار المردة هدفان لن يحيدهما رئيس «التيار»… في مُقابِل تحييد الرئيس نبيه برّي، ولو إلى حين!
طبعاً، ليس المطلوب ذهاب حركة أمل والتيار الحر إلى تحالف ناتج من اتفاق شبيه بتفاهم مار مخايل. حاولا ذلك سابقاً ولم يبلغا الحد الأدنى، وعلى الأرجح، لن يكررا تلك «الفعلة». لا برّي ولا باسيل بهذا الوارد. في المقابِل، يُدرك الأخير أنه لا بد من إعادة «شدشدة» براغي العهد الحالي... والآتي من بعده. لذلك، قد يقبل باسيل بما رفضه سابقاً. رئيس تكتّل «لبنان القوي»، حريص على «البلاك» النحاسي الموضوع على الطاولة أمامه في اجتماعات التكتل في سن الفيل: «جبران باسيل. الرئيس». ثلاث كلمات لا يجوز من بعدها استغراب أن يذهب مكتب «الجنرال» في مجلس النواب إلى باسيل وليس إلى شامل روكز الصهر الذي احتل المقعد النيابي لعمه الذي قال يوماً ما: «أنا شامل... وشامل أنا».
منذ أيام، شرّع باسيل في حواره مع «الأخبار» لمرحلة الأبواب المفتوحة. صار نبيه بري ممن تنطبق عليهم ميثاقياً معادلة «الرؤساء الأقوياء». مهدت لتلك الانعطافة، زيارة برّي إلى بعبدا وقوله أن اللقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان «أكثرَ من ممتاز». مناخ «الجنرال» كان متقدماً للغاية. يكفي أنه قرر تأجيل موعد الإفطار السنوي في القصر الجمهوري من الحادي والعشرين من أيار (أول من أمس) حتى الثالث والعشرين منه (اليوم)، لكي يتسنى لبري أن يجلس إلى يمينه بصفته رئيساً للمجلس النيابي، بدل أن يجلس بصفته رئيساً سابقاً.
بالأمس، كرر باسيل خلال ترؤسه الاجتماع الثالث لـ«لبنان القوي» ما قاله لـ»الأخبار»، مع اجتهادات من نوع لزوم ما لا يلزم. ترك الحرية لأعضاء التكتّل بالتصويت، إما بالورقة البيضاء أو لمصلحة برّي. أعضاء التكتّل الذين زارَ ثلاثة منهم (إبراهيم كنعان، الياس بوصعب وألان عون)، عين التينة، أمس، تبنوا خطاب بري من القصر الجمهوري: مرحلة جديدة تتطلب تعاون الجميع، «الانتخابات وراءنا والاستحقاقات لا توازي التحديات»، على حد تعبير كنعان. زيارة ثلاثية لم يكن هدفها تبرير موقف التكتل اللاحق بعدم انتخاب برّي وتوضيح ظروف هذا القرار. ما فهمه بري أن ميشال معوض ينوي التصويت بورقة بيضاء وأن عدداً من نواب «لبنان القوي» لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة سيصوتون بورقة بيضاء سيكون بينهم بطبيعة الحال جبران باسيل. النقطة الثانية قيد البحث مع بري هي ترجمة «المرحلة الجديدة» في هيئة مكتب المجلس مع إدخال النائب آلان عون إلى الهيئة (على حساب النائب القواتي فادي سعد).
اليوم بات باسيل أكثر وضوحاً في خياراته. يقول المتابعون أن حنكة وزير الخارجية في إدارة معركته منذ الآن، «لا يلغي بأن ما يفعله فيه نوع من الاعتراف بالخطأ. خطأ الاقتناع بأن التفاهم مع حزب الله، يجعل حركة أمل في بيت الطاعة. ونتيجة علمه بأنه بات لزاماً عليه التعاطي مع برّي كمرجعية قائمة بذاتها. وإدراكه بأن لا مجال لخوض مواجهات مع كل الأطراف، بل صار من الضروري تحديد أخصامه في هذه المعركة المفتوحة». لذلك، يُقدّر هؤلاء أن «الهجوم سوف يتركّز منذ الآن على القوات اللبنانية وتيار المردة، بصفتهما يُزاحمان باسيل على رئاسة الجمهورية». المشكلة الكبيرة بين القوات والعونيين آتية، برأي المتابعين «لأن كلاً منهما سيكون بحاجة إلى حليف قوي في حرب إلغاء جديدة». لا بد من تفادي معارك «نحن بغنى عنها»، يقول أحد نواب التيار الحر. تندرج في هذا السياق، لعبة حرية الاختيار، بدلاً من الورقة البيضاء، خصوصاً أن النتيجة محسومة سلفاً لمصلحة بري، «ولا ضرورة للعنتريات».
بعض من يتحركون ضمن هوامش بين الطرفين لا يخفى عليهم أن العلاقة بين أمل والتيار الحر والتي شابها مناخ التصادم منذ سنوات، لم تتحسن بعد. لكن ما نشهده في هذه المرحلة ليس شكلياً بل يُمكن البناء عليه. من الجيد كما تقول هذه الحلقة أن «باسيل راجع حساباته ولم يعد معانداً وعند رأيه كما في أيام الانتخابات… وإلا لما تُرجم ذلك تبدلاً في خطابه… وبما سنراه اليوم في جلسة انتخاب الرئيس ونائبه وهيئة مكتب المجلس».
أخبار ذات صلة