يوم مهم، لأن لبنان مقبل على تحديات غير مسبوقة. برضى أو بغير رضى أهله، وهي تحديات، لا تتصل هذه المرة بحجم الدين العام، أو بمصير مشروع إنمائي أو تشكيلات إدارية. بل هي، متصلة هذه المرة، وأكثر من أي مرة، بموقع لبنان في المعركة الإقليمية ــــ الدولية القائمة في المنطقة، والتي ترتفع فيها الأسقف إلى حيث لا شيء إلا السماء!

الأسئلة الكثيرة الخاصة بالعملية الانتخابية قد توحي بأن الناس لاهية عما يجري حولنا. وبرغم أن الشعارات الانتخابية تستخدم ملفات المنطقة كأداة للتعبئة، إلا أن القوى السياسية، كما جمهورها، تتصرف فعلياً بأن الخيارات الانتخابية هي حكماً جزء من الخيارات السياسية الكبرى. وهذا ما يسهّل فهم التدخلات الخارجية في هذه الانتخابات، وما يجب فهمه أن هذا البلد يقوم على قواعد عمل ليست كلها من بنات أفكار اللبنانيين، ولا من عضلاتهم ولا من جيوبهم. وإذا بقي الجميع في حالة إنكار، فإن ما نُقبل عليه قريباً جداً سوف يجعل انتخابات الغد، كأنها «صبحية» متأخرة في أول يوم من السنة الجديدة.
غداً، الجميع سيشاركون في العملية السياسية. المقترع والممتنع على حد سواء. ولكل فعل نتيجته المباشرة. لكن الحقيقة التي سيعيشها الناس بعد الأحد الكبير، هي أن الأزمة الداخلية لم تكن متصلة بهذا القدر مع أزمة المنطقة. تعقدت الأمور وتداخلت الى حدود صار معها بالإمكان القول، لا الادعاء أو الزعم، بأن اقتصاد لبنان رهن خياراته السياسية في المنطقة. وأن عيش الناس وأعمالهم رهن خياراتهم السياسية. وأن أحلامهم بالبقاء هنا، أو الهجرة والبحث عن فرص في بلاد الأحلام، هي أيضاً رهن خياراتهم السياسية. كما أن مستقبل الآباء قبل الأبناء، هو فعلياً رهن هذه الخيارات السياسية.
من قرر الاقتراع، سوف يدفع قريباً جداً ثمن ما اقترفت يداه. فلن تنفعه أبداً كل تبريرات تستند الى حكاية الزعبرة اللبنانية. سيعرف الذين رفضوا مساءلة من صوّتوا لهم قبل تسع سنوات، أنهم إذا أعادوا الكرّة، فسيحصدون المزيد. وهذا المزيد ليس إيجاباً في كل الأمكنة. سوف يحصل الملتصقون بالخيار الأميركي ـــ السعودي على نتائج قاسية تشمل الإحباط والتعب والنزف، إن هم اعتقدوا أن بالإمكان الاستمرار بهذه الحالة لعقد إضافي. وفي المقابل، سيحصل الملتصقون بخيار المقاومة على فرصة لحياة أفضل، لكنها تحتاج الى خوض معركة قاسية جديدة، فيها الكثير من الدم والدموع. والمشكلة التي تزعج قسماً غير قليل من اللبنانيين، أن محاولة تبني الحياد، والقول بخيار ثالث، هي محاولة خارج الواقع، وهي لا تتصل أبداً بما يجري في لبنان ومن حوله، وهي محاولة سخيفة تفترض أن هذا البلد لديه فائض بشري ومادي وسيادي يتيح له التنمّر على العالم، وهي محاولة مجنونة، تصب في خدمة أحد الفريقين الواضحين في خياراتهما. ومتى وقعت الواقعة، لن يبقى لهؤلاء حتى حائط للبكاء.