03-05-2018
مقالات مختارة
د. عامر مشموشي
د. عامر مشموشي
يعتقد كثيرون ان البلد مقبل على مجموعة أزمات مصيرية لعل أبرزها تشكيل الحكومة الجديدة
موقفان لافتان لنائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم اطلقهما عشية الانتخابات التي تجري يوم الأحد المقبل كانا كافيان للتأثير على ما ستكون عليه مرحلة ما بعد الانتخابات وما ستشهده من أزمات سياسية ترقى إلى حدود أزمة حكم. الموقف الأول ان حزب الله لن يترك السلاح قبل زوال كيان العدو الصهيوني وانتهائه، والموقف الثاني تحفظه على إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، أي حكومة العهد الأولى كما يريدها رئيس الجمهورية، فماذا يعني هذان الموقفان لنائب الأمين العام، قبل ثلاثة أيام من موعد الاستحقاق النيابي وتشكيل سلطة جديدة ترافق مسيرة العهد خلال السنوات الأربع المتبقية له في بعبدا؟
مصادر حزبية مسيحية تعتبر ان كلام نائب الأمين العام لحزب الله عن عدم ترك الحزب لسلاحه الا بعد زوال العدو الإسرائيلي جاء ردا على الوعد الذي اطلقه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بطرح الاستراتيجية الدفاعية بعد إنجاز الاستحقاق الانتخابي وتشكيل حكومة العهد الأولى، وتأكيد الرئيس سعد الحريري لهذا الأمر أمام الدول والمنظمات الدولية التي شاركت في مؤتمر روما الذي خصص لمساعدة الجيش اللبناني وكل الأجهزة العسكرية الأخرى، وربطت مساعداتها بالتزام الحكومة اللبنانية وضع هذه الاستراتيجية التي من شأنها، في حال وضعت موضع التنفيذ، حصر السلاح بيد الجيش اللبناني وحده دون سواه. في حين ان كلام نائب الأمين العام لحزب الله يُسقط هذه المقولة من حسابات الدول لأنه يعني ان هذا السلاح أبديّ، وخارج أي نقاش لأن إسرائيل باقية ولن تزول من الوجود.
هذا الموقف للشيخ نعيم قاسم إنما هو رسالة موجهة إلى الحكم أولاً، وإلى المجتمع الدولي بشكل خاص بأن لا مكان لبحث الاستراتيجية الدفاعية بعد الاستحقاق النيابي، وان الحزب لا يزال على الموقف الذي أطلقه بعد «إعلان بعبدا» في أواخر عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان «اغلوها واشربوا زومها». ومن شأن هذا الموقف ان يترك تداعيات سلبية على مجمل الأوضاع الداخلية، ومن غير المستبعد ان تتحوّل إلى أزمة حكم بكل ما للكلمة من معنى، بدءاً بالوقوع في أزمة تشكيل حكومة جديدة من أولى مهماتها الرئيسية وضع الاستراتيجية الدفاعية التي تعهد بها الرئيسان عون والحريري للمجتمع الدولي الذي يُبدي رغبة في المساعدة على تقوية الجيش اللبناني وكل الأجهزة الأمنية في حال تمكن لبنان من وضع استراتيجية دفاعية تحصر السلاح بيد السلطة الشرعية وحدها، وبمعنى أدّق أن يسلم حزب الله كل سلاحه إلى الدولة.
والذي يُعزّز هذا الاعتقاد عدم اكتفاء نائب الأمين العام لحزب الله بالرفض القاطع لأي استراتيجية دفاعية، بل تحفظه على إعادة تكليف الرئيس الحريري تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات لأن الحريري أعلن مسبقاً التزامه بالتعهد الذي أطلقه الرئيس عون بالعودة إلى الاستراتيجية الدفاعية مع تشكيل حكومته الأولى بعد الانتخابات النيابية العامة، لذلك تنتظر المصادر ان تكون مرحلة ما بعد الانتخابات، مفصلية بالنسبة إلى العهد والوعود التي أطلقها قبل حصول هذه الانتخابات، إن لجهة إعادة تكوين السلطة أو لجهة تشكيل حكومة منسجمة من أولى مهماتها وضع استراتيجية دفاعية تؤول إلى حصر السلاح بيد الشرعية، وانتهاء بوضع رؤية إصلاحية بدعم من كل القوى الرئيسية التي خاضت الانتخابات تحت عنوان عريض واحد، هو محاربة الفساد والمفسدين، وإقامة الدولة القادرة والعادلة على كل شبر من الأراضي اللبنانية.
وثمة من يذهب أبعد من ذلك ويراهن منذ الآن على ان البلد مقبل على مجموعة أزمات مصيرية لعل أبرزها أزمة تشكيل الحكومة التي ينتظرها العهد لكي يبدأ انطلاقته التي وعد بها، أي انطلاقة التغيير والإصلاح من جهة، وقيام الدولة القوية كحاضنة لجميع المكونات اللبنانية، بمن فيها حزب الله المتهم من قبل فريق كبير من اللبنانيين، ولا سيما منهم المسيحيون بأنه يغرّد خارج الدولة الشرعية بمعنى انه أقام دويلة إلى جانب الدولة أو على حسابها، وليست المواقف التي أطلقها نائب الأمين العام لحزب الله قبل أربعة أيام من موعد الاستحقاق الانتخابي سوى أبلغ دليل على النهج الذي سيعتمده حزب الله بعد الانتخابات ان بالنسبة إلى الاستراتيجية الدفاعية أو بالنسبة إلى الاتفاق غير المعلن بين الرئيسين عون والحريري على ان يرأس الثاني الحكومة التي ستشكل بعد الانتهاء من الانتخابات النيابية العامة. ويدل كلام الشيخ نعيم قاسم على تحفظ الحزب على هذه التسوية، ويشير تالياً إلى ان الحزب سيسعى بعد الانتخابات إلى تعديل أسس هذه التسوية وإدخال تغييرات عليها، لعل أهمها العدول عن فكرة طرح الاستراتيجية الدفاعية التي يرفضها الحزب ويعتبر العودة إليها بمثابة خروج على التسوية التي قامت عليها مرحلتا الاستحقاق الرئاسي والانتخابات النيابية العامة، لا سيما وانه يعتبر ان الانتخابات كانت بمثابة استفتاء على سلاحه، وان هذا الاستحقاق سيعطي المقاومة الغطاء والشرعية اللذين تحتاجهما.
أبرز الأخبار