02-05-2018
الانتخابات
وظل هذا التقسيم قائما وواضحا لسنوات، إلى أن بدأ يتبدّل في البداية، عند انتخاب الرئيس ميشال عون، ثم تشكيل الحكومة التي يترأسها سعد الحريري، ثم توضح أكثر مع انطلاق الاستعداد للانتخابات النيابية، التي تجري في 6 أيار 2018، وفق قانون انتخابي جديد قائم على أساس النسبية بـ15 دائرة والذي خلط أوراقا هذه التحالفات.
رغم ذلك يؤكد خبراء في الشؤون اللبنانية يتابعون سير الحملات والتحالفات الانتخابية أن أحزاب المشاركة في حركة 14 آذار، التي فقدت الكثير من زخمها وقوتها وفق عدد كبير من الموالين والمتابعين، مازلت محافظة على ثوابتها، من ذلك موقف حزب القوات اللبنانية.
ألغام معقدة
يؤكد الخبراء أن سمير جعجع يقود حزب القوات ببراغماتية لم تخرجه من الثوابت التي تأسست وفقها حركة 14 آذار منذ عام 2005.
ولا يزال الرجل وحزبه يطالبان بالدولة عمادا وحيدا للبنان ضد الدويلة التي يعمل حزب الله على جعلها مرجع البلاد في السياسة والأمن والعسكر.
يقول جعجع في آخر مهرجان انتخابي للدفاع عن لائحة حزب القوات اللبنانية في دائرة كسروان جبيل إن “الناس تعبوا بالرغم من محبتهم للبنان ويئسوا من أن يبقوا في مكانهم فيما البلاد تتراجع إلى الوراء”، مضيفا “الناس تعبوا من العمل بكد وجهد ودفع الضرائب من الحصول في المقابل على الحد الأدنى من الخدمات المطلوبة كما تعبوا من أن تكون صلاحيات الدولة غير كاملة، ولا تبسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية بقواها المسلحة الشرعية”.
ويسعى جعجع إلى قيادة لوائح حزبه وسط ألغام معقدة بعد أن باتت الشراكات ملتبسة بين حلفاء جمعهم “التيار السيادي” منذ عام 2005، كما بين حزبه والتيار الوطني الحر المرتبطين بعقد “ورقة النوايا” الذي عبّد الطرق الأولى لوصول ميشال عون إلى سدة الرئاسة.
ويكشف مقرّبون من القوات أن حزبهم دفع كثيرا داخل الجمهور المسيحي ثمن أدائه أثناء الحرب الأهلية، وأن رواج وصعود التيار العوني في صفوف هذا الجمهور لطالما جاء كردة فعل ضد تنظيم جعجع المسؤول عن ممارسات كانت جزءا من عقلية وقواعد الحرب الأهلية في البلد.
ويقول جعجع “لقد تعب الناس من السياسيين الذين لا يثبتون على رأي وليس لديهم طروحات واضحة كما أنهم لا يناضلون من أجل أي قضية. كما تعب الناس من أخبار الصفقات والسمسرات والفساد التي تفوح رائحتها من الدولة ولهذا تحديدا الناس يطالبون بالتغيير”، مشيرا إلى أنه “صار بدا” (شعار القوات الانتخابي) تغيير بالفعل وليس فقط بالكلام”.
يعيد جعجع رسم التحالف داخل هذا المعقل الماروني وفق خارطة تجمع التيارات السياسية المسيحية العريقة في تاريخ لبنان. لائحة دائرة كسروان جبيل التي يدافع عنها تضم القوات اللبنانية والكتلة الوطنية والوطنيين الأحرار والمستقلين وهذا هو اللون السياسي، حسب قوله، “الذي يشبه كسروان وجبيل والذي يعبّر عن تاريخها وهويتها، اللون السيادي الواضح”.
وقدّم جعجع قبل أعوام اعتذار القوات اللبنانية عن مرحلة ملتبسة تنتمي إلى مرحلة ملتبسة غائمة في تاريخ لبنان.
غير أن ما بدّل مزاج المسيحيين إزاء القوات ليس اعتذار قائده بل الحنكة السياسية التي قارب بها جعجع الاستحقاقات السياسية للبلد، كما الأداء المميز لنواب الحزب ووزرائه مقارنة بالأداء العام للبرلمان وللحكومة اللبنانيين.
يقول جعجع “لا يمكن لأحد أن يغش الناس الذين أصبحوا يدركون من الفاسد ومن المستقيم، من يريد التغيير فعليا ومن يتاجر بشعار التغيير”، مشيرا إلى أن “الناس يتندرون بمفهوم (الغريب) وأعتقد أن الكسروانيين يقصدون ‘بالغريب’ أي شخص غريب عن مبادئهم وأفكارهم ومسلماتهم وهويتهم”.
وتابع “الغريب عن كسروان هو الذي يكون غريبا عن طريقة فؤاد شهاب (رئيس الجمهورية الراحل) في إدارة الدولة ونظرته المؤسساتية ونظافته وشفافيته واستقامته”.
واعتبر البعض أن جعجع يغمز من قناة التيار العوني في حملاته داخل الوسط المسيحي كما داخل كسروان وجبيل، وأن “الحكيم” يحاول ضبط الخيبة التي ألمت به وبحزبه جراء “انقلاب” التيار الوطني الحر على الروحية التي أرادها “الحكيم” لـ”ورقة النوايا” التي عمل على إنتاجها الوزير ملحم رياشي عن القوات والنائب إبراهيم كنعان عن التيار الوطني. أنهت المصالحة صراعا تاريخيا بين جعجع وعون، وأسقطت من أمام الأخير فيتو القوات لسلوك الطريق نحو بعبدا.
لم يعد احتمال عون رئيسا أمرا مستحيلا بعد “ورقة النوايا”، وربما أن هذه المصالحة وهذه الورقة وترشيح جعجع لعون لرئاسة الجمهورية، عوامل قادت إلى الانقلاب الكبير الذي قام به سعد الحريري زعيم تيار المستقبل لصالح ترشيحه أيضا لعون ثم انتخابه رئيسا للجمهورية.
وتقول مصادر التيار الوطني إن جعجع فضل ابتلاع “بحصة” عون حتى لا يضطر إلى ابتلاع “صخرة” سليمان فرنجية.
وكان لترشيح سعد الحريري للأخير وقع الصدمة على جعجع والقوات فبين زعيم بشري وزعيم زغرتا ثأر دموي منذ أن قامت ميليشيات القوات أثناء الحرب الأهلية، وكانت وقتها بزعامة بشير الجميل، بارتكاب مجزرة بحق عائلة فرنجية في إهدن في شمال لبنان.
ولا تنفي مصادر القوات ذلك، لكنها تقول إن جعجع الذي لم يشارك في عملية إهدن بسبب الإصابة تجاوز الحرب الأهلية وهو يسعى إلى عقد مصالحات عامة قادته ليكون حليفا لأعداء الأمس ولم يتردد في أن ينسحب مسعاه باتجاه “تيار المردة” بقيادة فرنجية.
مفاجأة للقوات
يبلغ عدد أعضاء مجلس النواب (البرلمان) 128 نائبا، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ويجب على الفريق الراغب في الأغلبية أن يفوز بـ65 مقعدا، ولكي يحقق هذا الهدف عليه الدخول في تحالفات.
وبالنسبة لحزب القوات، قد تحمل الانتخابات المقبلة مفاجأة ترفع من حصصه داخل المجلس النيابي، وهو أمر ليس سهلا لكنه ممكن داخل أدغال قانون الانتخابات الجديد الذي تعملق ليصبح ماردا يصعب توقعه حتى بالنسبة للأحزاب والتيارات التي توافقت على نحته وإنجازه.
ونشر حزب القوات مرشحيه في أغلب الدوائر متحديا حزب الله في الجنوب كما في البقاع، متحالفا مع تيار المستقبل حينا ومع الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط حينا آخر، لكن تحالفه مع العونيين بقي خجولا لا يتناسب مع المصالحة و”ورقة النوايا”
لا تكمن المشكلة في حصص القوات والتيار بل في طموحات جعجع وطموحات جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر الرئاسية. ولأن المنافسة واضحة فإن التعاون بين القوتين المسيحيتين يصبح غير منطقي وفق هذه الحقيقة.
يعوّل جعجع كثيرا على هذه الانتخابات لتدعيم طموحات حزب القوات اللبنانية البرلمانية والحكومية كما طموحاته الرئاسية.
ويقول “إما أن تصوتوا لكي نبقى في الواقع الصعب الذي نعيشه وإما أن تأخذوا القرار الجريء من أجل الخروج من كل التزاماتكم العائلية والعشائرية والمحلية والمصلحية والخدماتية وتقترعوا لضميركم ومستقبل أولادكم”.
ويضيف “كما لم تخذلوا يوما الحلف الثلاثي والمقاومة اللبنانية، كذلك اليوم لدي كل الثقة وأمل في أنكم لن تخذلوا كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده وبشير الجميل وستقترعون لصالح قيام الدولة الفعلية القوية عبر التصويت للائحة “التغيير الأكيد”.
يستدرج جعجع ذاكرة عتيقة داخل وجدان المسيحيين تعيد للكثيرين منهم أمجاد “المارونية السياسية” التي حكمت البلد من الاستقلال حتى اندلاع الحرب الأهلية. بيد أن هناك من يرى أن هذا التمرين هو انتخابي محض ذلك أن كثيرا من المسيحيين حتى في قلب كسروان قد تجاوزوا تلك الذكرى وباتوا يتصرفون بواقعية لبنان اليوم.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار