27-04-2018
مقالات مختارة
ايلي الفرزلي
ايلي الفرزلي
إقامة، لم يكن بالإمكان رد طلبه، إذا لم تعلّق هذه المادة. هل هذا يعني أن الضرر الناتج من مواد أخرى قابل للتعويض؟ ربما، لكن الأكيد، بحسب خبير دستوري، أن تعليق الموازنة كلها كان أكثر أماناً، من الناحية الدستورية، لأن أعضاء المجلس يدركون قبل غيرهم أن القانون المطعون به يعج بالمخالفات الدستورية، وبالتالي كان مجرد الاطلاع على ملف الطعن كفيلاً بإعطاء فكرة عن المخالفات الدستورية، وأولها مخالفة المادة 87 من الدستور، التي تفرض على المجلس النيابي الموافقة على قطع الحساب قبل إقرار الموازنة. وهو ما لم يحدث، وما لم يسع المجلس الدستوري إلى تغطيته ولو بالشكل.
كان الطعن المقدم من حزب الكتائب ومن النواب سيرج طورسركسيان، ايلي عون، جيلبرت زوين، يوسف خليل ودوري شمعون، قد ركز على المادة 49، بوصفها تشرّع التوطين المقنّع. صحيح أن الطعن تطرق إلى المخالفات الأخرى التي تحفل بها الموازنة، إلا أن همه ظل في مكان آخر. شبح التوطين يخيف المسيحيين والتركيز على الموضوع «كسّيب» انتخابياً.
مع ذلك، يشير الطعن إلى مخالفة الموازنة للمادة 87 من الدستور (قطع الحساب) ومخالفتها فصل السلطات وتوازنها عبر منع مجلس النواب من ممارسة صلاحياته الرقابية والمالية (الفقرة «هـ» من مقدمة الدستور) والمواد 81 و82 اللتين تتعلقان بوحدة الموازنة وشموليتها، وكذلك مخالفة القانون للمهل الدستورية وسنوية الموازنة المنصوص عنهما في المادتين 32 و83، كما أوردت مطالعة الطعن المقدم من النواب العشرة.
كل هذه النقاط المثارة لا يمكن المجلس الدستوري القفز عنها. وإذا لم يتطرق لها الطعن تفصيلاً، فعلى المجلس الدستوري تولي هذه المهمة، فخروج قانون الموازنة من المجلس الدستوري لا يمكن أن يكون كدخوله، في ظل وجود مخالفات بيّنة.
لم يتطرق الطعن إلى المواد المتعلقة بالتسويات الضريبية. لكن يمكن وضعها في خانة مخالفة الموازنة للمساواة بين المواطنين ولوحدة الموازنة. هي خسائر بمئات ملايين الدولارات تكبدتها الخزينة بحجة تحفيز المتخلّفين عن دفع الضريبة على تسوية أوضاعهم، وبحجة الحصول، عبر هذه التسويات، على إيرادات إضافية للموازنة. طبعاً رائحة الفساد فاحت من هذه المواد، خصوصاً أن لا موجب لها مالياً ولا قانونياً. فعندما أجريت تسويات كهذه عام 1993 كان التبرير أن البلد خارج من حرب أهلية، وعندما أجريت هذه التسويات عام 2001، قيل إن المهل المرتبطة بمرور الزمن، لكن في التسوية الأخيرة (2018)، قررت الحكومة ببساطة مكافأة من يتخلّف عن دفع الضرائب بإعفائه منها ومعاقبة من يلتزم بدفعها، بحجة تحصيل إيرادات إضافية.
ماذا عن المساواة بين المواطنين المنصوص عنها في الدستور، وهل تم احترامها في التسويات الضريبية؟
سؤال برسم المجلس الدستوري الذي باشر بدرس الطعن بالموازنة. المساواة تتحقق في حالتين، الأولى، إعطاء المكلف الذي سدد موجباته حق استرداد ما دفعه، وهو خيار يؤدي إلى إفلاس الدولة، والخيار الثاني، هو احترام القانون وتطبيقه على المكلفين المتخلّفين. أي أمر آخر هو مخالفة دستورية واضحة. ثم هذا التمييز يصب في مصلحة من؟
ذوو الدخل المحدود في غالبيتهم الساحقة يدفعون ضريبة الدخل، فلم يبق سوى كبار المكلفين، أي المصارف وشركات الأموال والشركات العقارية وشركات التأمين والمهن الحرة... هل هؤلاء يحتاجون إلى تسوية أوضاعهم حقاً؟ وهل يدرك المشرّع أن وضع الإدارة المالية يدها على أي مخالفة يمكن أن يحصّل ما تحصّله تسوية وضع عشرات الشركات؟
وحدها الضريبة على الدخل التي حققتها المصارف من التسويات المالية كان يمكن أن ترفد الخزينة بنحو 750 مليون دولار، فما هو المبرر من تطييرها؟ هل المصارف عاجزة عن السداد أم أن التسوية هي التعويض الرسمي لها عن الضرائب البسيطة التي كلفت بها، على خلفية تمويل سلسلة الرتب والرواتب؟
في السياسة، هي تعبير عن تحالف أصحاب الثروات مع الطبقة السياسية، والذي يعبَّر عنه عبر شبكة الحمايات المتبادلة التي يؤمنوها لبعضهم البعض. خير دليل على ذلك المهرجان الانتخابي الذي نظمته الفعاليات الاقتصادية لرئيس الحكومة سعد الحريري، في البيال أخيراً.
في المضمون، يطول الحديث عن التسويات الضريبية المشبوهة، لكن ماذا عن الشكل؟ ما علاقة هذه المواد بالموازنة؟
المادتان 81 و82 من الدستور تفرضان على المشرّع أمرين: عدم جواز فرض ضرائب جديدة أو تعديل ضرائب أو إلغاءها إلا بقانون. التسوية هي تعديل لضريبة، ولا يمكن أن تمر عبر مواد تحشى بها الموازنة. الفقرة (ج) من مقدمة الدستور تنص على المساواة بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل؟ هل روعيت هذه الفقرة في التسوية؟
على كاهل المجلس الدستوري مسؤولية كبيرة، لا بل أمامه نادرة لإعادة الانتظام المالي بعد ثلاثين عاماً من التفلت ومخالفة الدستور. ليست المادة 49 هي الجوهر. يبدو جلياً أن المجلس سيلغيها. هذا أمر مفيد، لكنه غير كاف. التحدي الفعلي المطروح على طاولة المجلس الدستوري هو أبعد من ذلك. هي فرصته التاريخية، من موقعه، لوقف التعدي على مالية الدولة والحفاظ على مال الناس والانتظام المالي، ويكون بذلك قد أعاد الاعتبار إلى وظيفته الأساسية، وإلى فكرة الدولة والمؤسسات
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه
أبرز الأخبار