أقل ما يُمكن ان يقال عن الأجواء التي تسبق الانتخابات النيابية في السادس من الشهر المقبل بأنها أجواء مقرفة، حيث وصل الخطاب السياسي بين المرشحين إلى أدنى مستوى بفعل هاجس المفاجآت الذي يقض مضاجعهم كون ان غالبية هؤلاء يخوضون لأول مرّة غمار انتخابات غير معروفة النتائج مسبقاً على غرار ما كان يحصل في السنوات السابقة، إذ ان لوائح بكاملها كانت تضمن النجاح قبل انطلاق العملية الانتخابية وذلك نتيجة المحادل التي كانت تطيح بالمرشحين الذين لا سند لهم ان على المستوى السياسي الداخلي أو على المستويين الإقليمي والدولي اللذين لطالما كانا يشكلان عاملاً مؤثراً في الاستحقاقات اللبنانية الداخلية.
وإذا كان البعض يرى ان ما يجري على أبواب الانتخابات أمر طبيعي في إطار شد عصب الناخبين وشحذ الهمم للتصويت لصالح هذه اللائحة أو تلك، غير انهم في الوقت نفسه يستغربون المفردات التي يستعين بها المرشحون في خطاباتهم والتي توحي في غالبيتها بأن الوضع السياسي في لبنان غير صحي وانه قابل في أي وقت ليتحوّل من اشتباكات سياسية إلى صراعات في الشارع نتيجة حالة الاحتقان التي تتفاقم يوما بعد يوم بسبب عمليات التحريض والاتهامات المتبادلة بين المرشحين، وهذا يبعث على الخوف من إمكانية حصول حوادث وتوترات، الساحة الداخلية في غنى عنها، في ظل الرياح الساخنة التي تهب على المنطقة والتي يُمكن ان تلفح لبنان.
وعدا الخطاب السياسي الذي يكون معيباً وغير لائق في بعض الأحيان، فإن اللافت هو حجم الأموال التي تدفع في بعض المناطق والتي تترافق مع بروز غابات شاسعة من صور المرشحين واليافطات التي تكاد تحجب نور الشمس في العديد من الشوارع والاحياء في دلالة واضحة على منسوب الخوف لدى المرشحين بفعل القانون الجديد الذي نجمه الصوت التفضيلي والحاصل الانتخابي، حيث أدى هذا الخوف إلى رصد صراعات قوية بين المرشحين من ضمن اللائحة الواحدة على قاعدة «يا رب نفسي»، وهذا الأمر بحسب الكثير من المعلومات كان سبباً رئيسياً في عملية ضخ الاموال، حيث يجري الحديث عن إمكانية وصول ثمن الصوت التفضيلي في بعض الدوائر لا سيما في مناطق جبيل - كسروان وفي الشمال إلى ما يفوق الثلاثة آلاف دولار أميركي، وهو ما يعني ان غالبية المرشحين سيطيحون بالمادة 66 من القانون التي تحدد سقف المبلغ الأقصى الذي يجوز لكل مرشّح إنفاقه أثناء فترة الحملة الانتخابية وفقاً للآتي: قسم ثابت مقطوع قدره 150 مليون ليرة لبنانية يضاف إليه قسم متحرك يرتبط بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية الكبرى التي ينتخب فيها وقدره خمسة آلاف ليرة عن كل ناخب من الناخبين المسجلين في قوائم الناخبين في الدوائر الانتخابية الكبرى، اما سقف الانفاق الانتخابي للائحة فهو مبلغ ثابت مقطوع قدره 150 مليون ليرة عن كل مرشّح فيها. كل ذلك يجعل بعض اللوائح التي في غالبيتها لا تنتمي إلى أي جهة سياسية غير قادرة على مواجهة اللوائح السياسية التي تحاصرها وتجعل حركتها محدودة، وقد ساعد في ذلك، عدا التعبئة الطائفية والمذهبية، الأوضاع الاجتماعية المتردية لدى شرائح واسعة من اللبنانيين، حيث يجاهر الآلاف من الناخبين بأنهم على استعداد لانتخاب أي مرشّح يعطيهم المال أو يقدم لهم الخدمات وفي مقدمها دفع الأقساط المدرسية أو الجامعية لتمكين أولادهم من الاستمرار في تحصيلهم العلمي، ناهيك عن الوعود بالوظائف إما في إدارات الدولة أو المؤسسات والشركات التي تعود ملكيتها للمرشحين.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه «العصفورية» الانتخابية السائدة حالياً ستستمر بعد ان تحط المعركة الانتخابية اوزارها، أم انه سيكون بعد السادس من أيّار يوم آخر، تعود فيه الحياة السياسية إلى مدارها الطبيعي، وتهدأ الاحياء والشوارع من صخب الخطابات السياسية المتشنجة، وتعود العلاقة بين المرشحين والناخبين إلى دائرة التهدئة؟
تجيب أوساط متابعة على هذا السؤال بالقول: إن ما يجري اليوم على أبواب الانتخابات صحيح انه فاق التوقعات نتيجة طبيعة المعركة التي تخاض على أساس قانون انتخابي جديد لم يعتد عليه اللبنانيون إلا أن هذا المشهد لن يدوم طويلاً، وهو سيغيب ما ان ينجلي غبار المعركة ويكتب ما يكتب من نتائج، ويكتشف الناخبون ان الوعود الخيالية التي انهالت عليهم قبل أسابيع من الانتخابات قد تلاشت وكانت مجرّد اضغاث أحلام، الا ان هذا لا يعني انه لن يكون هناك من ارتدادات سياسية للمعركة، كون ان المناخ السياسي غير الصحي الذي كان سائداً قبل الانتخابات سيبقى هو نفسه مع فارق ان الخارطة السياسية ربما يطرأ عليها بعض التعديلات نتيجة التحالفات المستجدة، والفراق الذي حصل بين بعض القوى السياسية بفعل هذه التحالفات وهذا الوضع سيلعب دوراً بارزاً اساسياً في الاستحقاق الذي سيلي الانتخابات وهو تأليف الحكومة التي من غير المتوقع ان تكون ولادتها سريعة بفعل عوامل وطنية وإقليمية سيكون لها بالغ الأثر في تحديد مكوناتها وحياكة بيانها الوزاري.