يثير المشهد الانتخابي للتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، اهتمام أوساط سياسية بارزة لأن الطرفين يخوضان تنافساً غير مسبوق على الساحة الانتخابية، يؤسس لمرحلة ما بعد الانتخابات.
ثمة وعي لافت في هذه الأوساط لما قامت به القوات من تحضير بنية يعول عليها مستقبلاً، في كافة الدوائر التي تخوض فيها المعركة الانتخابية وفي طريقة اختيار مرشحيها، وتوزيعهم على الدوائر بحيث يكون لكل دائرة مرشح حزبي، مضمون فوزه بنسبة عالية. على هذه القاعدة، ارتفعت نسبة الذين تتحدث القوات عن أرجحية فوزهم في الانتخابات، إلى عشرة نواب أصبحوا مضمونين، وما بين نائبين إلى أربعة نواب مرجحين. حصول القوات على عشرة نواب ككتلة قواتية صافية، أمر تتحسب له بجدية، كما يتحسب له خصومها وحلفاؤها السابقون، استعداداً لمرحلة تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، ما يعني أن إخراج القوات من أي تركيبة حكومية سيكون أمراً صعباً، مع وجود كتلة نيابية من عشرة نواب على الأقل.

في مراقبة أداء القوات، ثمة من يشبه حركة هذا الحزب الانتخابية وطريقة عمل ماكينته الانتخابية، بأنها محاولة لأن تكون أقرب إلى ماكينة حزب الله، من خلال التحسب مسبقاً إلى أين يجب أن تصب الأصوات التفضيلية. لكن لا يزال المزاج المسيحي عموماً، مع تنوع أحزابه، وعلى رغم الالتزام الحزبي للقواتيين والمناصرين، غير مضمون مئة في المئة، وبعيد عن صيغة «البلوك» الانتخابي الذي يميز حزب الله وحركة أمل والطاشناق.
في المقابل، تشهد حركة التيار الوطني الحر استنفاراً عالياً، لكيفية توزيع الأصوات التفضيلية، لكن هذا الاستنفار يواجه في بعض الدوائر بصعوبة، لا سيما حيث يوجد نواب حاليون يتنافسون مع بعضهم البعض في دائرتهم الانتخابية. باعتراف هؤلاء، تشكل الأصوات التفضيلية مفصلاً حقيقياً إذ تجعل المرشحين النواب ينقلبون على زملائهم، بحكم الأمر الواقع. علماً أن التيار، الذي اعتمد على ترشيح شخصيات كثيرة غير حزبية، فضل في بعض الدوائر الإبقاء على نواب حاليين كمرشحين، فيما خففت القوات من هذا الأمر إلى الحد الأقصى. وتتعمق المشكلة أكثر حيث يوجد مرشحون حزبيون ومرشحون حلفاء على لائحة واحدة، الأمر الذي انقلب في الأيام الأخيرة، حرباً قاسية ومعلنة، إلى حد تبادل الاتهامات بين المرشحين، خصوصاً في دوائر لها رمزيتها.
تشكل بعض الدوائر الانتخابية حساسية أكثر من غيرها، للتيار والقوات، لأن كليهما يسعى إلى أن يكون ممسكاً بقرارها الانتخابي، لا مجرد الفوز بمقاعد فيها. هذه هي حال بعبدا كما كسروان.
تعتبر القوات بعبدا هدفاً بذاتها، لأن حصولها على مقعد انتخابي، في دائرة يمثل فيها حزب الله ثقلاً سياسياً وانتخابياً، أضيف إليه هذه المرة مرشح لحركة أمل، يعني اختراقاً يؤسس لمستقبل واعد في الانتخابات النيابية عام 2022. وهي تسعى إلى وجود فاعل حيث يكثر خصومها الانتخابيون، مسيحيون ومسلمون، على السواء. فتعمل على بناء قاعدة تعيد الحضور الحزبي للقوات على مستوى نيابي، فضلاً عن مقارعة التيار الوطني في منطقة يعتبرها عقر داره. وتمثل للتيار رمزية، أبعد من مجرد أنها تحتضن القصر الذي توافد إليه العونيون عام 1988 وعادوا إليه عندما انتخب عون رئيساً.
ويضاعف وجود ثلاثة نواب عونيين حاليين كمرشحين، من التحدي المفروض على التيار الحر للحفاظ على ثقل الوجود في بعبدا وعلى الاحتفاظ بحصة نيابية كاملة باتت حكماً في خطر. والطرفان بحسب خريطة تحركهما أخيراً، يحسبان بدقة أهمية المقعد الماروني الثالث على أساس أنهما واثقان إلى من سيؤول المقعدان الأولان.