03-04-2018
مقالات مختارة
عماد مرمل
عماد مرمل
وانطلاقاً من هذه الرمزية والوظيفة للدائرة الثانية، يحرص الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق على استخدام كلّ الأسلحة الممكنة لضمان فوزٍ مريح للائحة "مستقبل بيروت" في مواجهة منافسيها، على رغم تعارضِ هذا السلوك مع طبيعة موقعيهما الرسميين اللذين يفترضان من حيث المبدأ حداً أدنى من الحياد في التعاطي مع العملية الانتخابية وأطرافها.
وكما أنّ "حزب الله" يَعتبر أنّ أولويته في بعلبك - الهرمل هي حماية المقاعد الشيعية الستة، في النظر الى دلالاتها السياسية والمعنوية، يسعى الحريري ايضاً بالدرجة الاولى الى الاستحواذ على المقاعد السنّية الستة في العاصمة ومنعِ اللوائح الأخرى من اختراقها، سواء كانت تقف على يمينه أو على نقيضه.
يعرف رئيس تيار "المستقبل" جيداً أنّ جزءاً كبيراً من شرعيته السنّية والسياسية إنّما هو مستمَدّ من تلك المقاعد البيروتية الوازنة التي من شأنها أن تُسهّل طريق عودته إلى السراي الحكومي بعد الانتخابات، إذا نجح في الاحتفاظ بها.
لكنّ مهمّة رئيس الحكومة لن تكون سهلة، بعدما فتح قانون الانتخاب الجديد شهية كثير من القوى على خوض الانتخابات، ومقارعة الحريري ليس فقط في عقر داره، وإنّما في "غرفة النوم" السياسية، خصوصاً أنّ النسبية المعتمدة، وعلى رغم ما أصابَها من تشوّه، تعطي أيّ طرفٍ يملك حداً أدنى من الحيثية الشعبية، فرصةً حقيقية لانتزاع حاصلٍ انتخابي أو أكثر.
ولعلّ أشدّ ما يقلِق الحريري هو تعدُّد اللوائح التي تشاركه في "الصحن الشعبي" نفسِه، وتنبثق من البيئة نفسِها، خصوصاً أنّ بعضها ينطوي على عناصر قوّة، سواء في تركيبة الأسماء التي تُمثل عائلات بيروتية عريقة، أو في الخطاب الانتخابي الذي يحاول استثمارَ نقاط الضعف في تجربة الحريري خلال السنوات الماضية.
وهناك من يَعتبر أنّ كثرة اللوائح المنافِسة لتيار "المستقبل"، والمتفرّعة أغصانُها من جذع الشارع السنّي، في بيروت وغيرها، إنّما تعكس عدم ممانعةِ السعودية في كسر الوكالة شبهِ الحصرية التي كانت ممنوحة للحريري بعد انتخابات 2009، وبالتالي إفساح المجال أمام تعزيز التمثيل النيابي لاتجاهات أُخرى في الساحة السنّية تتماهى أو تتقاطع مع خيارات الرياض، من دون أن يعني ذلك بالضرورة التخلّي عن الحريري الذي ستبقى له الأرجحية.. لا الأحادية.
وإذا كان الحريري يصوّب أساساً على "حزب الله" مفترضاً أنه بذلك يساهم في شدّ عصبِ جمهورِه واستنهاضه، إلّا أنّ منافسيه في العاصمة، ومن خصوم الحزب تحديداً، يعتبرون أنّ العصَب ليس "غبّ الطلب" ولا يمكن استنفاره بكبسة زِر، مشيرين إلى أنّ رئيس الحكومة الذي اعتمد طوال الفترة الماضية سياسة "ربط النزاع" مع الحزب في الحكومة وحوار عين التينة سابقاً، وتولّى التنظير كثيراً لهذه المعادلة، لا يستطيع بين ليلة وضحاها أن يقنع الناخبَ البيروتي بأنه بات مغواراً سياسياً.
وفي المقابل يتّهم فريق الحريري اللوائح "المنشَقّة" أو "المشتقة" من بيئة تيار "المستقبل" بأنّها تُسهّل مهمّة الثنائي الشيعي في بيروت، لأنّها تُشتّت الأصواتَ السنّية عبثاً ومجاناً، وتساهم في تخفيض الحاصل الانتخابي، من دون أن تكون لديها حظوظ حقيقية في الفوز، وهو الأمر الذي لا تعترف به تلك اللوائح التي تؤكد قدرتَها على الظفر بحواصل انتخابية.
وإزاء التحدّي الذي يواجه الحريري في الدائرة الثانية، فإنّ الرَجل يعتقد أنّ نِصف المعركة يمكن ربحُه تلقائياً إذا استطاع رفعَ نسبةِ الاقتراع الى الحد الأقصى الممكن في أوساط مناصري "المستقبل"، وهذا ما يركّز عليه، هو والوزير نهاد المشنوق، خلال لقاءات التعبئة الانتخابية التي يَعقدانها في العاصمة.
ماذا عن حسابات حركة "أمل" و"حزب الله" في الدائرة الثانية؟
يتجنّب الثنائي الشيعي الركون إلى التقديرات التي تفيد أنّ فوز المرشّحين أمين شري ومحمد خواجة على لائحة "وحدة بيروت" مضمون، أوّلاً لأن لا شيء مضمون بموجب القانون الجديد الغامض، وثانياً لأنّ تعميم مِثل هذا الانطباع قد يؤدي الى نوعٍ من الاسترخاء في صفوف الكتلة الشيعية الناخبة، بينما المطلوب زيادة منسوب الاقتراع وتحفيز الناخبين على المشاركة الكثيفة.
وهناك في أوساط "أمل" و"الحزب" مَن يُنبّه صراحةً إلى خطورة "الحرب الناعمة" التي ترمي إلى تخفيض معدّل التصويت الشيعي في العاصمة عبر الترويج لمقولة أنّ مقعدي شري وخواجة "في أمان".
وتعتمد استراتيجية "أمل" و"الحزب" في بيروت على الاستفادة قدر الإمكان من أخطاء الخصوم، وتَفادي الانزلاق في الوقت نفسِه إلى الخطاب المتوتّر الذي يستفزّ البيارتة على الضفّة السياسية الأخرى.
وبهذا المعنى، تلقّفَ الثنائي الشيعي بسرور هدية المشنوق الذي استنهض القاعدة الشعبية لمكوّنات لائحة "وحدة بيروت" بعدما وصَف شريحة من الناخبين بـ"الأوباش"، محَفّزاً المتردّدين أو المتقاعسين في هذه القاعدة على شدّ الهمّة للردّ على وزير الداخلية في صناديق الاقتراع.
وفي إطار "سياسة الاحتواء" التي يعتمدها التحالف الشيعي في بيروت، تؤكّد أوساطه عدم وجود نيةٍ لديه لمصادرة قرار بيروت أو تغيير هويتها، لافتةً الانتباه إلى أنّ حركة "أمل" و"حزب الله" والأفرقاء الحلفاء لا يخوضون المنافسة الانتخابية في بيروت من زاوية التحدّي، وإنّما من باب الحق في أن يتمثّلوا وفق حجمهم الموضوعي ترجمةً لمفهوم النسبية في قانون الانتخاب.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
واشنطن تزكّي جوزاف عون ووصوله رهن تسوية
أبرز الأخبار